الرباط - وكالات
إكتملت في أبريل الماضي ست سنوات على انطلاقة الجائزة العالمية للرواية العربية، والمعروفة بشهرتها "البوكر"، ولا تزيّد في الزعم أَنها باتت الجائزة الأَدبية العربية الأَكثر جاذبيةً لاهتمام الصحافة الثقافية والناشرين وكتّاب الرواية وقرائها، ليس فقط لما يُواكبها سنوياً من جدل، واسعٍ أَحياناً، وغالباً بشأن لجان التحكيم والأعمال الصاعدة إِلى تصفياتها النهائية، بل، أَيضاً، للكيفيّة التي يتم في أَثنائها الوصول إِلى الفائزين في قائمتيْها، الطويلة أَولاً ثم القصيرة من ست روايات، تظفرُ إِحداها بالمرتبة الأولى. صار ملحوظاً أَنَّ قطاعاً عريضاً من القرّاء العرب صاروا ينتظرون موسم «البوكر» السنوي، لمطالعة الروايات الست، وللمفاضلةِ بينها، والتداول فيما إِذا كانت الحائزة منها على الجائزة الأولى تستحقُّ أَم أَنَّ غيرَها أَوْلى. وإِذا كانت أَسماءُ وازنةٌ ومقدرّةٌ وذات حضور في المدوَّنةِ الروائية العربية، في العقود الثلاثة الأَخيرة خصوصاً، قد تنافست مع أَسماء مستجدّةٍ في كتابة الرواية، على «البوكر»، فذلك يُضيفُ إِلى هذه الجائزةِ تشويقاً خاصاً، وإيقاعاً من الاهتمام بها، يؤشر، أَولاً وتالياً، إِلى النصوص نفسِها، ويجعلُ هذا الاعتبار المعيار الوحيد، وإِنْ لا تُحقَّق النتائجُ التي تنتهي إِليها لجان التحكيم الرضا العام، والتوافق المكتمل عليها. يزيدُ من جاذبيّة جائزة «البوكر» أَنَّ لجان التحكيم لا تتألفُ بالضرورةِ من مختصين بالأدب ونقدِه وحدهم، بل إِلى هؤلاء، ثمّة حضورٌ لمستعربٍ سنوياً، ولمختصّين في الاجتماع وعلم النفس وفنانين وأَكاديميين وشعراء، ما يعني صدقيّة أَنها جائزةٌ تعتني بجمهور القراء، لا بنخبةِ المشتغلين بالكتابة الروائية وجمالياتها ومواضع التجريب وآفاقه فيها. ولأنَّ الأمر كذلك، فإِنَّ نتائجَ كل دورةٍ من الجائزة (العتيدة؟) إِنما تُمثل مزاج المحكمين فيها وخياراتِهم وذائقاتهم، ما يعني أَنَّ النتائج في الغالب ستختلفُ لو أَنَّ لجنةً أُخرى اختيرت في التحكيم في الدورة نفسِها. وإِذا كان هذا الأَمر قد استقرَّ تقليداً سنوياً في «البوكر» العربية، جرياً، على الأغلب، بتقليدٍ مشابهٍ في «البوكر» البريطانية، فإنَّ مجلس أُمناء الجائزة مدعوٌّ إِلى عدم الإفراط في ذلك، والالتفات إِلى وجوبِ حماية معايير تقييم النصوص المتنافسةِ من الخروج عمّا هو أَدبيٌّ أَساساً، وفنيٌّ بالضرورة، مع التقدير المؤكد لميول أولئك من غير أَهل النقد والأَدب وأَمزجتهم في القراءة والتذوق. وإِذا كان الوسط الثقافي البريطاني يحتملُ أَن يكون وزيرٌ للدفاع رئيساً لجنة تحكيم لجائزة البوكر هناك، كما جرى مرَّة، وأَنْ يكون في عضويتها معلقٌ في هيئة الإذاعة البريطانية وأُستاذٌ للعلوم السياسية، فذلك يعود إِلى تأصل عادة القراءَة في المجتمع البريطاني، وشيوع مطالعةِ الرواية وجديدِها في مواسمها الدورية في هذا المجتمع، الأَمر الذي لا يمكن التأشيرُ إِليه في مجتمعاتنا، والتي تبدو أَعداد توزيع الكتاب فيها، ومنه الرواية، شديدةُ الإحراج، وإِنْ تعرفُ دولنا جامعاتٍ عديدةً ينتظمُ فيها ملايين الطلبة، مئاتُ الآلاف منهم في كليات الآداب واللغات. نصوص لا أَسماء يعتبر المصري بهاء طاهر واحداً من أَعلام الرواية العربية، بالنظر إِلى مراكمته أَعمالاً متواترةً منذ ستينيات القرن الماضي، تميَّز كثيرٌ منها، واعتبر من أَبرز النصوص الروائية العربية. وكانت روايته «واحة الغروب» أولى الأَعمال التي حظيت بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» في دورتها الأولى في العام 2008. أَما الكويتي سعود السنعوسي (32 عاماً) فينتسب إِلى الجيل الأجدّ من الشبان الذين يكتبون الرواية، وقد نالت روايته «ساق البامبو» الجائزة في دورتها السادسة. ومسافة الأَجيال بين الكاتبين، بهاء طاهر المخضرم وسعود السنعوسي الشاب، بيّنةٌ وواضحة، وهي مسافةٌ تؤشر إِلى انحياز «البوكر» العربية إِلى النصوص إلى الأسماء، من دون كثير التفاتٍ إلى مسألة الأجيال، وفي البال أَنه فيما صعدت إِلى القوائم القصيرة في دورات الجائزة الست أَعمال لمخضرمين ذوي تجربة ليست قصيرة في كتابة الرواية، فإن شباناً جدداً شاركوهم في ذلك، منهم اللبنانية جنى فواز الحسن (مواليد 1985)، بروايتها «أَنا، هي والأخريات»، في الدورة السادسة في إِبريل الماضي، والتي راج بشأنها كلامٌ كثير عن إِزاحة أَسماء ثقيلة، وصلت أَعمالها الجديدة المتنافسة إِلى القائمة الطويلة (16 رواية)، عن تصفيات القائمة القصيرة، ومنهم إِبراهيم نصر الله وهدى بركات وإِلياس خوري وواسيني الأعرج وربيع جابر. ويمكن الزعم بلا تحفظٍ أَنَّ بعض أَعمال هذه الأسماء، المقدرة طبعاً، ليست أَرفع من بعض النصوص التي فازت، ويذهب كاتب هذه السطور إِلى وجهة النظر هذه، صدوراً عن قناعةٍ بذلك بعد قراءَة عددٍ من هذه الأعمال. وفي هذا الأمر، كان رئيس لجنة التحكيم للدورة هذه، أُستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية المعروف، الدكتور جلال أَمين، قد صرَّح في تونس، عند الإعلان عن القائمة القصيرة، أنَّ إِقصاء الكتاب الكبار لم يكن مقصوداً، وعلى القراء أَنْ يقبلوا قرارات اللجنة بتسامح، فلا يُفترض للكاتب العظيم أَنْ يبقى عظيماً طوال الوقت، حسب تعبيره. وقد جاز ذهابُ الكاتب، عبده وازن، إِلى أَنَّ هذه القائمة كانت مفاجئة، لتضمنها أَسماءَ مجهولة أَو شبه مجهولة، ولإطاحتها بأَسماء في طليعة المشهد الروائي العربي. ويرى أَنَّ رواية «يا مريم»، للعراقي سنان أَنطون، وحدها استحقت، بجدارةٍ، المثول في اللائحة القصيرة، «لكن معظم الروايات تفتقر بوضوحٍ إِلى الشروط الفنية والتقنية، علاوةً على خلوّها من جماليات السرد ومتانة البناء ورسم الشخصيات وحبك علاقاتها». وليس وازن وحدَه من تبنّى هذا الرأي، فثمّة من ذهبوا إِلى ذلك ممن خاضوا في ضجة «البوكر» المعتادة، في نسختِها السادسة العام الجاري، وأَضافوا، لاحقاً، أَسئلة عن ميلٍ إِلى أَسماء خليجيةٍ للفوز، بعد السعودييْن عبده خال ورجاء عالم، في نيل الكويتي، سعود السنعوسي، الجائزة السادسة، عن روايته «ساق البامبو» التي قال جلال أَمين، في حفل الجائزة في أَبوظبي، إِنَّ «أَعضاء لجنة التحكيم يشعرون بالسعادة البالغة لفوزها، وجميعهم متفقون على تميز هذه الرواية فنيا، إِلى جانب جرأة محتواها الاجتماعي والإنساني». ويمكن، هنا، الزعم أَنَّ جرأَةً مضافةً أَحدثتها «البوكر» في دورتها الأخيرة، في أَنَّ «ساق البامبو» التي فازت بها تذهب إِلى موضوع مبتكر إِلى حد كبير في المدونة الروائية العربية، حين يتعلق بالفوقية والدونية والعنصرية التي كثيراً ما يتم التعامل بها تجاه فئة الخدم من الجاليات الآسيوية في المجتمعات الخليجية. وقد تمكَّن سعود السنعوسي من التعبير عن ذلك في بناء روائيٍّ دلَّ على مقادير من الحذاقة، فقد صاغ السرد فيه بصوت الشاب الفلبيني الكويتي، خوسيه هوزيه، واعتبره نصّاً بالفلبينية نقله إِلى العربية زميل كويتي له. وإلى هذا الموضوع الذي يمكن حسبانه مستجدا في الرواية العربية الحديثة، ثمة مسألة الدعاة الدينيين في الفضائيات العربية، والتي طرحها الكاتب المصري، إبراهيم عيسى، بكيفية شائقة، في روايته «مولانا»، والتي ساهم حضورها إلى القائمة القصيرة في رواجها، وشيوعها، وفي أن تصل إلى سبع طبعات حتى أبريل الماضي. ولا نظن أَن المسلسل التلفزيوني الذي تردد أنه يجري تصويره، ويستوحيها، سيكون أمينا لها، بالنظر إلى مطارح شديدة الحساسية فيها، وقد لا يحتملها الإنتاج التلفزيوني الجماهيري. ويمكن التأشير إلى رواية العراقي، سنان أنطون، «يا مريم»، من بين الروايات الست، أيضا، لموضوعتها الخاصة، حين تذهب إلى تشخيص مشاعر جيلين من العراقيين المسيحيين في بلدهم وبشأن قضاياه. ويُؤتى على هذه الروايات الثلاث، هنا، مجرد نماذج لما أبرزته الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» من قضايا مستجدة في هذه الرواية، وفي البال ما أحدثته «عزازيل» للمصري يوسف زيدان من ضجيج، بعد فوزها بالجائزة في دورتها الثانية، وهي الرواية التي يمكن التأشير إليها علامة خاصة في سيرورة الرواية العربية، ليس فقط بالنظر إلى الإشراقات اللغوية الوفيرة فيها، بل أيضا للجرأة في تناول موضوعها. وإلى هذا العمل، لا يمكن إغفال «الحفيدة الأمريكية» للعراقية إنعام كجة جي، و«زمن الخيول البيضاء» للفلسطيني إبراهيم نصر الله، و«مديح الكراهية» للسوري خالد خليفة، و«دروز بلغراد» للبناني ربيع جابر، و«القوس والفراشة» للمغربي محمد الأشعري، و«يوم غائم في البر الغربي» للمصري محمد المنسي قنديل، و«أرض اليمبوس» للأردني إلياس فركوح، و«شريد المنازل» للبناني جبور الدويهي، وغيرها من أعمال، حظيت بانتباه القراء العرب، ونقل بعضها إلى لغات أجنبية، وذلك بفعل احتفاء جائزة «البوكر» بها، الأمر الذي يحسب لهذه الجائزة، والتي يحسن تقدير هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة على رعايتها وتمويلها، بعد أن تولت هذه المسؤولية المحمودة، بعد خمس دورات كانت «مؤسسة الإمارات» الراعية والداعمة. ومع تقدير وجهة نظر روائيين عرب لهم ملاحظاتهم ومؤاخذاتهم على الجائزة، وطرائق وصول الروايات الفازة بها، ومع عدم تحبيذ روائيين قليلين عدم تقديم أعمالهم الجديدة للتنافس، منهم المصريان رضوى عاشور وجمال الغيطاني، إلا أن الحرص على استمرارية هذه الجائزة المثيرة، والتي تمكنت، منذ دورتها الأولى، من تحقيق انجذاب واسع وكبير إليها، يجدر أن يظل قائما، مع التأكيد على التطوير والتجديد والتحديث فيها، وهو غالبا ما يتصل بتشكيلات لجان التحكيم. وهذا مجلس الأمناء الجديد للجائزة، برئاسة الأكاديمي والباحث في كمبردج، ياسر سليمان، مدعو إلى ذلك، مع مساندته وتمني التوفيق له في مهمته الجديرة دائما بالتقدير.