باريس - وكالات
أفرد «المركز الفرنسي للثقافات الشرقية» بباريس، ضيافة متميزة لأمير شعراء روسيا ومؤسس شعر الحداثة في بدايات القرن التاسع عشر، الشاعر ذي الأصول الإفريقية، ألكسندر سيرغيفيتش بوشكين، من خلال الندوة الأدبية التي نظمها في موضوع «بوشكين، روسيا، العالم»، تخليدا للذكرى الـ150 لوفاته، بحضور مغنية الجاز العالمية، الكاميرونية جويل إيسسو، وعدد من كبار رجالات الفن والموسيقى والأدب من مختلف القارات. وتزامنت الندوة التكريمية مع الفعاليات الاحتفالية، التي نظمتها الأوساط السياسية والثقافية في روسيا بنفس المناسبة، حيث أقامت إدارة الثقافة الروسية تجمعا احتفاليا كبيرا بساحة بوشكين بموسكو قبالة تمثال الشاعر، شارك فيه مثقفون وأدباء يمثلون أكثر من ثلاثين بلدا، وحضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي استمع إلى بعض قصائد الشاعر، وخاصة قصيدته الشهيرة «أقمت لنفسي نصبا تذكاريا». واستحضرت الندوة الأدبية، التي تتبعتها «المساء» إلى جانب عدد كبير من وسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية، بكثير من الامتنان، إعلان الرئيس بوتين توقيعه مرسوما رئاسيا يقضي بأن يكون يوم ميلاد الشاعر يوما وطنيا للغة الروسية، على اعتبار أنه مؤسس اللغة الروسية المعاصرة. وينتمي ألكسندر بوشكين إلى أسرة مترفة من النبلاء، وكان والده شاعرا متميزا. أما جده لأمه، فهو إبراهيم هانيبال، إفريقي من منطقة لوغون شمال الكاميرون، تم إهداؤه إلى القيصر بطرس الأكبر، وأصبح فيما بعد أحد الضباط المقربين من البلاط، وهو ما أعطى بوشكين ملامح إفريقية. وقد أوحت له قصة جده هاته بكتابة رواية سماها «زنجي بطرس الأكبر»، التي تعتبر من روائع الأدب الروائي الروسي والعالمي. وأجلت الندوة حقيقة مفادها أن بوشكين، الذي أصبح لدى الروس رمزا قوميا مثل شجرة البتولا والساحة الحمراء، لم يكن ممن يعيشون على هامش الأحداث، بل غاص حتى القاع في خضم الواقع، تُؤرقه تناقضاته ويبتهج لتوقعاته التي رصد قلمه للتبشير بها ودفع حياته ثمنا لها. وكان بوشكين قد تنبأ بخلود اسمه وأدبه قائلا: «سيظل قومي يذكرونني، فقد هززت بقيثارتي المشاعر الخيّرة، وغنيت ممّجدا الحرية في عصري القاسي، وناديت بالرحمة للمقهورين». وعلى الرغم من قصر عمره الأدبي (عمّر 38 سنة)، فإن كتابات بوشكين شملت فنونا أدبية مختلفة كالشعر العاطفي والسياسي والقصة والرواية والدراما الرومانسية والواقعية. وهو من أكثر أدباء روسيا حبا للشرق العربي وتأثّرا به حضاريا وتراثيا وروحيا. ومن أبرز الأشعار التي نظمها متأثرا بالثقافة الإسلامية قصيدة «النبي» وقصائده التسع المسماة «قبسات من القرآن»، التي وصفها نقاد عالميون بأنها «الماس الذي يتألق في إكليل أشعاره». وأجمع المتدخلون على أن «قبسات من القرآن» أبرزت الدور الكبير الذي لعبه القرآن في التطور الروحي لبوشكين، كما تُمثل سعيه لعكس الفكر الديني للشرق العربي ومحاولته النفاذ فلسفيا إلى عمق هذا الفكر وجوهره، ذلك النفاذ الذي امتزج برؤية الشاعر لواقعه فأثمر في هذه القبسات إعجابه بالسيرة النبوية واستلهامه لها، للتعبير بشكل مجازي عن أفكار الحرية والعدالة. كما برهنت على معرفته الواسعة بنصوص القرآن الكريم وإعجابه بهذا الكتاب الإعجازي. ومن بين إبداعاته التي عكست تأثره بالشرق العربي «روسلان ولودميلا» و»نافورة باختشى سراي». ومن أعماله الأدبية الأخرى «الغجر» وقصيدته الوطنية الملحمية «بولتافا»، وقصيدة «الفارس البرونزي»، وروايته الشعرية «يفغيني أونيغين»، ودراما أسطورية بعنوان «حورية الماء»، وقصيدة «بيت في كولومنا» و»ابنة الآمر». وتميز العهد الذي عاش فيه بوشكين بالاستبداد الاجتماعي، حيث كانت السلطات موزعة بين القيصر والنبلاء. وكانت أعماله تعكس مشاعر وأفكار جيله، وبسبب إحدى قصائده السياسية تم نفيه إلى جنوب روسيا قبل أن يتعرض لمضايقات عديدة من قبل السلطات القيصرية حتى وإن كان القيصر معجبا بإبداعاته. كانت الحرية والعدالة الاجتماعية من المواضيع المفضلة لديه. وخلال رحلته إلى منفاه، تعرف على ثقافة وتاريخ القوقاز، وكرس له الكثير من أشعاره مثل قصيدة «الأسير القوقازي»، و«الأخوة الأشرار».