الرباط - المغرب اليوم
يعد قطاع الصيد البحري الساحلي والتقليدي بالعرائش، عنصرا أساسيا في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بالاقليم،وخاصة فيما تعلق بتوفير منتوج سمكي بجودة عالية يحظى بإقبال كبير من لدن المستهلك المغربي و الأجنبي،وكذا اسهامه في توفير الآلاف من مناصب الشغل،و الرواج التجاري بالمنطقة،وجلب الاستثمارات المرتبطة بالأنشطة البحرية.مكانة زكاها توفر العرائش على ميناء للصيد البحري كواحد من بين أهم موانئ المملكة على الساحل الأطلسي الشمالي للمغرب،وبالضبط على الضفة اليسرى لوادي اللوكوس على مسافة 750 متر من المصب ،يضم 5 هكتارات من المسطحات، و حوض مساحته 20 هكتارا ،و أرصفة يصل طولها إلى 1138 مل ،وهو ما جعله يحتل المرتبة الثانية كأكبر ميناء صيد في المنطقة،و أحد أهم موانئ الصيد في المغرب.في لقاء لجريدة" العلم" ببعض العارفين بخبايا الصيد البحري بالعرائش،أجمعوا على أهمية الاصلاحات البنيوية والاساسية التي عرفها القطاع في السنوات الأخيرة،ومؤكدين الحاجة الماسة لمعالجة بعض المعيقات التي تقف أمام آداء القطاع لكامل الأدور التي يمكن أن يلعبها مستقبلا،وخاصة ما تعلق بالدعم المالي بعد تسجيل ارتفاع باهض في تكلفة الانتاج،والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية لأصحاب المراكب و البحارة،وجلب استثمارت تهم المواد الأولية و التجهيزات الأساسية الخاص بالصيد التي يتم استيرادها اليوم بشكل شبه كامل من الخارج.
قال عثمان غزولة إن علاقته بقطاع الصييد البحري ليست وليدة اليوم،وإنما ورثها عن أجداده والده الفقيد أحمد غزوالة الملقب ب "بتيتشا" والذي مارس المهنة و استثمار فيها منذ عشرات السنوات في التصبير،والتعامل مع الأسواق الأجنبية،وخاصة اسبانيا. وأضاف أنه رغم تكونيه الدراسي العالي، اختار السير على نفس الدرب،معتزا بممارسة مهنة شريفة.وأوضح المتحدث،أن قطاع الصيد البحري بالعرائش،عاش أزهى أيام رواجه في السبعينيات إلى بداية العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين،حيث برزت في السنوات الأخيرة مجموعة من الاكراهات التي أثرت سلبا على القطاع و مردوديته،ومن ذلك دخول "الغرباء" عن المهنة أي " أصحاب الشكارة" الذين لا يعرفون أي شيء عن القطاع سوى الاستثمار المالي،وبالتالي لم يتمكن بعض المهنيين الأصليين من منافستهم ومواكبة متطلبات العصرنة،فما كان منهم سوى بيع مراكبهم،زيادة على ارتفاع تكلفة الانتاج نتيجة الارتفاع المتواصل في أثمنة الغزوال الموجه لمراكب الصيد،والذي وصل إلى 7 دراهم للتر،في غياب أي دعم،و ارتفاع أثمنة شباك الصيد المستوردة من بعض الدول الأسيوية و الأوروبية.كما تأسف للأوضاع الاجتماعية الهشة للبحارة البسطاء،والتي تأثرت سلبا بتراجع مداخيل القطاع،اذ لا يتلقون سوى مقابل مادي لا يسمح لهم بمواجهة كافة تكاليف الحياة اليومية،ولا يحصولون بعد سنوات من الكد والعمل الشاق سوى على تقاعد هزيل.
وسجل المتدخل التطور الحاصل على مستوى البنية التحتية بميناء العرائش،حتى أصبح في مقدمة موانئ المملكة على مستوى التجهيزات و البنى التي يتوفر عليها،ومن أجل مواكبة هذا التطور، طالب الدولة بتقديم المزيد من الدعم للمهنيين ومواكبتهم،ومن ذلك تقديم تعويض إبان كل راحة بيولوجية،كما هو حاصل في مجموعة من البلدان الأوروبية،ودعم آخر يهم أثمنة الغازوال المهني،وتنظيم نشاط أصحاب القوارب "الفلايكية" بما يضمن مصالح الجميع بعيدا عن أي فوضى أو تشنج.كما دعا إلى ضبط سلسلة بيع المنتوجات البحرية،والتي يتحكم فيها المضاربون،وبالتالي تسجيل ارتفاع غير المقبول في الأثمنة،مبرزا في هذا السياق على سبيل المثال أن صندوق السردين بالميناء يباع بما قدره 200 أو 250 درهم في حين يعرض الكيلوغرام الواحد للمستهلك في الأسواق ب 30 درهما أحيانا كثيرا، و خاصة في بعض الفترات التي يكون فيها الاقبال مضاعفا على هذا النوع من الأسماك كشهر رمضان المبارك.
وتوقف محمد السيكي الكاتب العام للكونفيدرالية المغربية للصيد الساحلي بالمغرب ،المنسق العام لجمعية اللوكوس لأرباب الصيد بالعرائش ،عند التطور الذي عرفه ميناء العرائش لا على مستوى البنية أو هيكلة المهنيين وتنظيمهم،وخاصة توسيع الأرصفة التجارية والطرق و الأمن و الإنارة،وهو ما جعله واحدا من بين الموانئ الكبرى بالمغرب،حيث يستقبل عددا هاما من بواخر الصيد من شمال وجنوب المغرب،والتي يقدر عددها اليوم بحوالي 200 مركب.
وأشار المتحدث إلى أن ساحل العرائش،عرف خلال الفترة ما بين 2016 و 2020 تراجعا مهما في الأصناف السمكية السطحية،وهو ما كانت له آثار سلبية على كافة المتدخلين في القطاع، وضع استدعى طرح المسألة على المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري،والذي سارع للقيام بدراسة علمية،قدم على إثرها مجموعة من الخلاصات ساهمت في إعادة الانتعاشة لهذا القطاع الحيوي،وهو ما تجلى في ارتفاع حجم المصايد، آملا أن يبقى الوضع مستقبلا كما هو عليه الأمر اليوم، في انتظار الافصاح عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء تراجع المخزون السمكي في السنوات الماضية، تفاديا لتكرار نفس السيناريو مرة أخرى. كما توقف عند عامل آخر ساهم في عودة الأمور إلى نصابها،وتتعلق باشكالية جرف الرمال،حيث سبق للمهنيين و غرفة الصيد المتوسطي سنة 2018 أن طرقوا أبوب الحكومة و المؤسسات و الادارة المعنية،وهو ما ترتب عليه توقف عمليات الجرف بالشكل الذي كانت عليه في السابق.
وعن الأوضاع الاجتماعية للعاملين في القطاع سواء أصحاب المراكب أو البحارة،أوضح المتدخل أن الجميع كالجسم الواحد،فعندما تتحسن الأوضاع، الخير يعم الجميع،وعندما تسوء ينعكس ذلك على الجميع،كون العلاقة التي تجمع بينهم ليس كعلاقة رب العمل بالأجير،وإنما هي علاقة تشاركية كون المنتوج المصطاد يتم اقتسامه بين الطرفين بالنصف. مشيرا هنا إلى أن عدد البحارة العاملين في قوارب الصيد بالعرائش يناهز 5000 آلاف،فيما يناهز عدد الأفراد الذين يعتمدون في دخلهم اليوم على القطاع بشكل غير مباشر فالرقم يصل إلى 20 ألفا .
وعلاقة بساحل العرائش،تأسف محمد السيكي للحالة التي يوجد عليها الكورنيش ،والذي لا يتجاوز 200 متر،ببنية تحتية لا ترقى إلى مكانة المدينة التاريخية،متسائلا لما لا تشمل التهيئة الحضارية هذا الموقع الذي يستقطب أعدادا غفيرة من أبناء المدينة و السياح لكن لا يجدون فيه ما هو متوفر في الكثير المدن الشاطئية،وخاصة بشمال المملكة،التي تضم كورنيشات مهيئة بشكل حديثة؟ مشددا في هذا السياق على أن مستقبل المدينة متوقف على كورنيش فسيح وممتد على كامل ساحل العرائش،مما سيساهم في جلب استثمارت سياحة ما أحوج المدينة لها لخلق فرص عمل لأفواج العاطلين،و كذلك خلق دينامية تجارية و اقتصادية.
وبخصوص ذات النقطة،صرح شاكر خليل رئيس جمعية ليكسوس لارباب الصيد الساحلي أن أي تأهيل مستقبلي يجب أن يحرص على وضع تكامل بين الميناء السياحي ليكسوس و مدينة العرائش،ذات الساحل المتتد على مسافة تقارب 30 كيلومترا،و التي لم ترق بعد إلى طموح لا أبنائها ولا أعداد السياح الذين يزورها باستمرار.
وتطرق المتدخل لاشكالية غلاء شباك الصيد،والتي بلغ ثمنها حد 100 مليون سنتيم،وذلك لعدم توفر مصانع في المغرب خاصة بها،زيادة على غلاء الغازوال المهني،و الثلج الموجه لتبريد الأسماك المصطادة،وهو ما أدى ارتفاع ملحوظ في تكاليف الانتاج،وتراكم الديون على أصحاب المراكب،وبالتالي تراجع أعداد مراكب المتخصصة في صيد السردين من 120 إلى حوالي 65 مركب فقط بسواحل العرائش. وبالنسبة لآثار جائحة كورونا على القطاع،قال شاكر خليل إنه بفضل تدخل كل الشركاء،والدعم الكبير الذي قدمته السلطات الاقليمية،تم التغلب على إشكالية كان بامكانها أن تعيق السير العادي للقطاع،وبالتالي في الوقت الذي كانت فئة واسعة من المجتمع في الحجر الصحي،كان النشاط البحري يسير بالشكل الطبيعي. وشدد في ختام تدخله على أهمية استقطاب استثمارات في قطاع الصيد البحري من أجل تصنيع الكثير من المعدات و الأجهزة التي يتم استيرادها من الخارج،والتي عرفت ارتفاعا ملحوظا في أثمنها نتيجة اغلاق الحدود بين الفينة والأخرى .
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :