الدار البيضاء : جميلة عمر
يعرف التحرش على أنه شكل من أشكال الإيذاء، لأنه يتضمن مجموعة من الأفعال تتحول من انتهاكات بسيطة إلى مضايقات جادة، التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية وصولا إلى النشاطات الجنسية, ويعتبر المشرع المغربي جريمة التحرش جنحة ضبطية لا يتجاوز فيها الحبس الستة أشهر وغرامة مالية تتراوح بين 2000 إلى 10000، ويمكن للمحكمة أن تحكم بإحدى هاتين العقوبتين فقط, حيث كشف عضو رابطة قضاة المغرب عبد الصمد شني ، أن الفضاء العام اوسع من مفهومي المكان والحيز، مثلا الاحتكاك عبر الحافلات وسيارات الأجرة، والقطارات وغيرها من وسائل النقل، أحيانا يكون الهدف منه غرض جنسي، أو تكون طبيعته جنسية يعد تحرشا، وقد يقرن هذا الفعل بجرائم أخرى أو يتحول إليها تصل إلى حد الجناية من قبيل هتك العرض، الذي يجيء عن طريق العنف، إذ لا يتصور تحرشا جنسيا دون عنف، على أساس أنه وسيلة من وسائل العنف، يخلف آثارا سلبية على نفسية المتحرش به، سواء أكان رجلا أم امرأة، أو راشد أم قاصر، رغم أن الآثار تختلف من جنس لآخر، ومن سن لآخر.
وأوضح في مقابلة خاصة مع "المغرب اليوم" أن الأقوال التي تشكل فعلا ماديا لجريمة التحرش الجنسي، والتي يعتمدها المتحرش كوسائل لإثارة المتحرش به، موضحًا أن التصفير، كوسيلة للدعوة لممارسة الجنس ومن الإشارات او الحركات الأخرى يوضّح إبداء ملاحظات جنسية عن جسد المتحرش به، كطريقة مشيه مثلا، أو غمزه، أو إرسال صور جنسية.
وبيَّن أنَّ من الأفعال, ما يدخل ضمن جريمة التحرش الجنسي، كالملاحقة أو المطاردة أو التتبع، ومنها ما يخرج عن هذا النطاق ليستقر ضمن جرائم أخرى، ويكون فيها العقاب أشد قساوة، كجريمة هتك العرض كما سبق ذكره.
وعن سؤال حول الوسائل الإلكترونية المستعملة لارتكاب جريمة التحرش الجنسي, أجاب الاستاذ شني كل من وجه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو الكترونية، أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.
و أضاف أن المشرع الجنائي ساير الركب الإلكتروني والمعلوماتي، وذلك بإضافته مصطلحات ذات صلة بالموضوع محل الدراسة، وعيا منه بخطورة الفعل المكون لجريمة التحرش الجنسي عبر عالم افتراضي لا يؤمن بالحدود الزمانية ولا المكانية، ومن بين الوسائل الإلكترونية التي من الممكن استعمالها للتحرش نذكر على سبيل المثال لا الحصر، البريد الإلكتروني والـ "فيسبوك", بحيث هناك بعض المتحرشين يدخلون إلى بريد الكتروني لا يخصهم قصد التحرش من خلاله، مما يتطلب طرح السؤال الآتي ويتطلب أكثر من إجابة هل البريد الالكتروني آمن, باعتباره يستخدم لنقل الرسائل النصية، ونقل المستندات وقواعد البيانات، هذه الأخيرة تعد عملية وجد حساسة، وهذا يشكل مشكلة كبيرة التي تتمثل في وجود قدرات واسعة لتزوير هذه الرسائل، إحداها تحمل طابعا جنسيا محضا، وأخرى لا تشكل أي خدش للحياء.
وعن تثبيت الجريمة الإلكترونية أوضح الشيني أن الأمر أيضا يهم حتى مستعملي الـ"فيسبوك"، لأن كثيرًا من مستخدميه وبسبب قلة الخبرة والحنكة اللازمين، أو الدخول العشوائي على تطبيقات وألعاب الـ"فيسبوك" قد يتعرض حسابهم للاختراق، ومن أشهر حالات اختراق حسابات المستخدمين على موقع الـ"فيسبوك" هي الصفحات الوهمية، بحيث ينشئ الهاكر واجهة مشابهة تماما لواجهة موقع الـ"فيسبوك" ويقوم بتحويل الضحية إليها بطريقة أو بأخرى عن طريق رابط في التعليقات، أو رابط على صفحة الضحية على موقع الـ"فيسبوك"، وبمجرد ضغط الضحية على الرابط تظهر له الواجهة الرئيسية لموقع الـ"فيسبوك"، فيظن الضحية أنه يحتاج إلى إعادة كتابة بياناته للدخول مرة أخرى لموقع الـ"فيسبوك"، ولكنه في تلك الحالة يقوم بكتابة بياناته وإرسالها للهاكر.
وأضاف, يظل حساب الضحية على موقع الـ"فيسبوك" تحت سيطرة الهاكر دون علم منه، ويقوم الهاكر خلالها بالدخول على حساب الضحية وقراءة الرسائل الخاصة بين الضحية وقراءة الرسائل الخاصة بين الضحية أو أقربائه ، كما يتمكن من رؤية صور الضحية على موقعه، وكل هذا من الصور الخصوصية، دون أن يحس الضحية أن حسابه مخترق، فيقوم الهاكر في الغالب الأحيان بإرسال صور أو فيديوهات خليعة أو تسجيلات صوتية تحمل مصطلحات تخدش بالحياء، قد لا تظهر للضحية على حائطه، لكن في الغالب الأعم تظهر لغيره خصوصا المنظمين لصفحته الخاصة، أما إن كانت عامة فإنها تظهر إلى كل من يزور صفحته، وهذه الصور أو الفيديوهات أو التسجيلات تفسر أنها ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.
وأوضح أن الهاكر يستغل قلة تجربة الضحية في العالم الأزرق، فيبدأ بتوجيه رسائل مكتوبة تحمل طابعا جنسيا محضا وكأن الضحية هو الذي عمد على إرسالها هذا من جهة، أما من جهة ثانية، هناك الكثير ممن ينشؤون صفحات بشخصيات وهمية يستعملونها لإيذاء المتحرش بهم، أو يأخذون أسماء معروفة قصد التأثير بها على الغير، فيظن المتحرش به أن فلان المعروف بصفته وشخصه هو من يتحرش به، فتقل الثقة ويكثر الاحساس بعدم الاطمئنان
وعن إثبات الجريمة، أكد الشيني على أن القانون أعطى للمحكمة كامل الحرية في تقدير الأدلة المقدمة إليها تطبيقا لمبدأ حرية الإثبات كما هو منصوص عليها من خلال قانون المسطرة الجنائية المغربي في المادة 286 وما بعدها، هذه الأخيرة تنص على أنه:" يمكن إثبات الجرائم بأي وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها خلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند 8 من المادة 365 الآتية بعده", وأضاف, نرى أن إثبات هذا الفعل ينبغي أن يقتصر على محضر رسمي تحرره الشرطة القضائية أو بناء على اعتراف تتضمنه مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي كما في الجنحتين السابق ذكرهما، مضافا إلى ذلك الإثبات عن طريق القرائن القوية المتساندة.