نيويورك-المغرب اليوم
يحتفظ جاسون تشارلز بنحو 15 حقيبة ظهر في غرفة المعيشة بشقته الكائنة في حي هارلم في نيويورك، وتمتلئ الحقائب بمعلبات المواد الغذائية، بينما يضع داخل خزانة صندوقًا من عبوات معكرونة النودلز المخلوطة باللحوم والخضراوات، ويقول إن لديه ما يكفي من المواد التموينية التي تكفيه لمدة ثمانية أشهر تقريبًا.
غير أنه بغضّ النظر عن هذا المخزون الكبير، هناك علامات قليلة في منزل تشارلز -وهو رجل إطفاء يبلغ من العمر 41 عامًا وعاش طيلة حياته في نيويورك- تشير إلى أنه قائد مجموعة على الإنترنت يطلق عليها “المستعدون”، وهم الأشخاص الذين يقضون وقت فراغهم في الاستعداد تحسبًا لاضطرارهم إلى اللجوء إلى مخبأ تحت الأرض أو الهرب من كارثة وشيكة.
ومن الشائع أن تلتفت الأنظار إلى شريحة المليونيرات أو المشاهير التي تشتري مخابئ فاخرة في مواقع سرية تحت الأرض، ومع ذلك نجد أيضًا مجموعات من المواطنين العاديين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، يخططون تحسبًا لوقوع حالات مختلفة من الطوارئ.
اقرا ايضا:
البيئة المعقمة ليست جيدة لتطور الجهاز المناعي للطفل
وقال تشارلز من منزله في هارلم، لوكالة الأنباء الألمانية، إن الاستعداد لوقوع حالات من الطوارئ، يتطلب تحسين اللياقة البدنية والتخطيط لطريق يمكن الهروب منه في حالة الحاجة إلى مغادرة المدينة، ثم التأكد من أن يكون المرء مستعدًا ذهنيًا في حالة الحاجة إلى الاندفاع هربًا.
ويضيف أنه يجب على المرء أيضًا أن يتعلم “المهارات المناسبة للبقاء على قيد الحياة في حالة خروجه من منزله بالمدينة إلى العراء، مثل كيفية الاختفاء وسط غابة، وكيفية بناء مأوى له وإعداد مكان للطهي وتنقية المياه بغرض الشرب”.
ويوضح تشارلز أن الأمر يتعلق أيضًا بالقدرة على التعامل مع الظروف غير المتوقعة، وهي مسألة صعبة بالنسبة إلى سكان مدينة حافلة بوسائل الراحة مثل نيويورك.
وينظم تشارلز فعاليات حول موضوعات مثل كيفية إعداد المنزل تحسبًا لوقوع كارثة، وكذلك مهارات تحمل الصدمات النفسية، وتنظيم رحلات إلى ضواحي نيويورك البعيدة لاختبار قدرات التعامل مع الكوارث، يُحضر المشتركون فيها معهم كميات محدودة من الأغراض والتصرف في كيفية تمضية الليلة.
وفي هذا السياق تُبدي إنشيرا أوفرتون، اهتمامًا بالغًا بما تطلق عليه “الحياة الريفية الحضرية”، وهي تعني بذلك اقتباس الأسلوب الشائع في المناطق الريفية حيث تحقق العائلات الاكتفاء الذاتي من الأطعمة وغيرها، كما تركز على الاعتبارات البيئية والصحية ومعرفة مكونات المنتجات التي يستهلكها الفرد.
وتمارس أوفرتون (39 عامًا) مهنة “المحاماة نهارًا وتتحول إلى نشاط الاستعداد ليلًا”، وبدأت ممارسة نشاط الاستعداد للكوارث عام 2008 عندما حدثت الأزمة المالية العالمية، وقتها توقفت شركتها عن تشغيل الموظفين وقررت ألا “تعتمد على النظام المؤسسي”.
من ناحية أخرى، يرى جيفري شيلجميلش نائب مدير “المركز الوطني للاستعداد للكوارث” بجامعة كولومبيا، أنه لا يوجد أي برهان يؤكد فائدة عبوات المواد المخزّنة تحسبًا للكوارث كما لا توجد قائمة بما يجب أن تحتويها.
ويقول: “لكن يوجد دليل على فائدة الروابط الاجتماعية وعلى (مساعدة الجيران بعضهم بعضًا)، كما أن الانعزال بنفسك ومواردك يمكن أن يسبب فقدانك لهذه الروابط”.
ويضيف: “قد يكون بحوزتك أكبر مخزون من مواد الإعاشة على ظهر الأرض، ومع ذلك تفتقد ما هو أكثر أهمية وهو التواصل مع الأشخاص الذين يمكنك أن تعمل معهم في أثناء عملية تجنب الكارثة”.
وليس من الواضح عدد الأميركيين الذين يقومون باستعدادات لاحتمال حدوث كوارث، غير أن هناك زيادة في حالات الاستعداد وفقا لمًا يقوله شيلجميلش.
وتم تأسيس “المركز الوطني للاستعداد للكوارث” في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية التي شهدتها نيويورك، ولكن بعد أن ضرب إعصار كاترينا مدينة نيو أورليانز عام 2005 حدث تحول وصار هناك تركيز على الكوارث المناخية باعتبارها التهديد الأساسي.
ويشير شيلجميلش إلى أن طبيعة الكارثة لا تغير من طريقة الاستعداد لها، حيث قد يتعرض الشخص للاحتجاز داخل منزله ويحتاج إلى إمدادات، أو قد يحتاج إلى طريق للهروب.
ولا يشير أيٌّ من أوفرتون أو تشارلز إلى نوع معين من الكوارث يستعدان لاحتمال وقوعه، لكنهما يريان أمثلة حقيقية له من مختلف أنحاء العالم، مثل الافتقار إلى الدعم الحكومي لضحايا الإعصار الذي ضرب بورتو ريكو والانهيار الاقتصادي في فنزويلا.
وتوضح آنا باوندز أستاذة علم الاجتماع بكلية كوينز بنيويورك والدارسة لظاهرة الاستعداد بالمدن لحالات الكوارث، أن هناك فارقًا مهمًا بين الاستعداد للكوارث القائم على “الواقع” والاستعداد للغد، وبين أصحاب فرقة “الناجين” الذين يركزون على الاعتقاد الديني، وكل اهتمامهم ينصبّ على الاستعداد ليوم القيامة.
وشهد سكان نيويورك عدة كوارث مثل هجمات سبتمبر الإرهابية، أو انقطاع الكهرباء في جميع أنحاء المدينة عام 2003، أو تعرضهم لإعصار ساندي عام 2012، وفي هذا الصدد تقول باوندز إن كثيرًا من السكان لم يعرفوا وقتها كيف يتصرفون.
وتضيف باوندز: “إننا من سكان المدن، ونعيش في عالم من الاستهلاك الترفي، ومن هنا فإن التركيز على الاستعداد يعد أمرًا معاكسًا ومختلفًا، إنه يدور حول فكرة الحد من الاعتياد على الحياة المرفهة”.
قد يهمك ايضا:
ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في موزمبيق ومالاوي وزيمبابوي إلى 732 قتيلًا
معين عبد الملك يزور المهرة ويؤكد بذل الجهود لإزالة آثار الاعصار المدمر "لبان"