لندن - رانيا سجعان
فتحت أول خريطة مفصّلة عن العيوب الجينية المسببة للسرطان، والتي تم نشرها، الأربعاء، المجال أمام فهم أعمق لمرض السرطان وأساليب علاجه، فقد تضمنت الخريطة ما يزيد على 20 بصمة
وراثية، أو ما يسمى بنماذج التحولات الإحيائية، التي تسبب وحدها أو متحدة ثلاثين نوعًا من السرطان، بما فيهم أورام المخ والرئة والبنكرياس والثدي.
ويقول الخبراء الذين اطلعوا على تفاصيل الخريطة إنها غاية في الأهمية وإنها قد تؤدي إلى انتهاج إستراتيجيات جديدة تمنع الإصابة بالمرض وتساهم في علاجه نهائيًا.
وفي الوقت الذي يعرف فيه العلماء تقريبًا نصف الجينات الوراثية المسببة للسرطان، إلا أن بقية الجينات الوراثية الأخرى لا تزال غامضة، وهناك من يعتقد بأنها قد تكون بسبب العناصر الكيميائية المنتشرة في البيئة المحيطة، أو ربما ترجع إلى أوجه القصور التي تحدث أثناء تقدم العمر.
ويعتقد أن غالب أنواع السرطانات تحدث بسبب تحولات إحيائية في الحمض النووي المعروف باسم (DNA)، وأن السبب وراء هذه التحولات ربما يعود إما لعناصر كيميائية أو بسبب الإشعاعات، والتي يتعذر إصلاحها وتتراكم على مدى عمر المريض. وتؤدي تلك التحولات في نهاية المطاف إلى تكاثر في الخلايا لا يمكن التحكم فيه.
وهناك بعض أنواع السرطانات التي يدرك العلماء تمامًا أسبابها، إذ إن التعرض لنسبة عالية جدًا للأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس يسبب التحولات الإحيائية في خلايا البشرة، وفي حالة وقوع هذه التحولات في جينات وراثية معينة في خلية واحدة فإن الخلية تصبح سرطانية. وعلى نحو مشابه فإن العناصر الكيميائية الموجودة في دخان السجائر والتبغ تسبّب تغيرات إحيائية في خلايا الفم والحلق والرئتين، وتؤدي مباشرة إلى أورام سرطانية في تلك المناطق في الجسم.
ويقول المشرف على دراسة الخريطة الجينية ورئيس معهد نانجر في كامبريدج مايك ستراتون إن المدهش هو مدى ضآلة حجم معرفتنا بالعمليات التي تتسبب في التحولات الإحيائية في أنواع السرطانات الأخرى، وهذه هي المسألة التي سوف يشرع العلماء في التعامل معها.
وكان فريق من العلماء قد أجرى الدراسة على ما يزيد على سبعة آلاف جينوم وراثي من مرضى بالسرطان، وبمقارنة الحمض النووي لخلايا السرطان مع الخلايا السليمة لنفس المريض، استطاع فريق العلماء التعرف على نماذج التحولات والتغيرات الإحيائية التي تنشأ في الأشكال المختلفة لمرض السرطان.
وتقول إحدى الدراسات العلمية إن أنواع السرطان تحدث بسبب اثنين أو أكثر من نماذج التحول الإحيائي إلا أن هناك أنواع أكثر تعقيدًا. ويحدث سرطان الكبد نتيجة ستة تحولات إحيائية مختلفة. وهناك بعض نماذج التحول التي تسبب فقد نوع واحد من السرطان.
وتلقي الدراسة الضوء على قيام أنظمة الدفاع الطبيعية عن الجسم بالتسبب في الإصابة بالسرطان من دون قصد، إذ أنه وعندما تصاب الخلايا بالفيروسات تقوم تلك الأنظمة بفتح الجينات التي تنتج مجموعة من الأنزيمات التي تدمر الفيروسات عن طريق تغيير وتعديل حمضها النووى، ولكنها في تلك الأثناء قد تسبب في تلف غير مباشر يسبب السرطان.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تدفع نحو مزيد من البحث والدراسة في مسببات التحولات الإحيائية وراء كل نوع من أنواع السرطان، كما أن الخريطة تُعَد بمثابة خطوة نحو علاج خاص للسرطان.