الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون
الخبير في الملكية الفكرية، عبدالحكيم قرمان

الرباط - عمار شيخي

أكد الخبير في الملكية الفكرية، عبدالحكيم قرمان، أن أي تقييم موضوعي للتجربة المغربية في مجال تقنين وتدبير جوانب الملكية الفكرية يستدعي التمييز بين 3 مستويات بارزة الخصوصية والدلالات، الأولى تتمثل في كون المغرب كان من بين الدول القلائل الأولى في محيطه الإقليمي والقاري التي صادقت منذ العام 1916 على المعاهدتين المرجعيتين، وهما معاهدة بيرن للعام 1883 المتعلقة بحماية الملكية الصناعية والتجارية ، ثم معاهدة بيرن الثانية للعام 1886 والمتصلة بحماية الملكية الأدبية والفنية.

وأضاف قرمان، الذي تم انتخابه أخيرًا رئيسًا لـ"لائتلاف المغربي للمكلية الفكرية": إذا نظرنا من هذه الزاوية إلى الترسانة القانونية التي بات يتوافر عليها المغرب في هذا المجال، يمكن القول إن بلادنا قد قطعت أشواطًا مهمة على درب تكريس مفاهيم ومبادئ ومعايير المنظومة الكونية في مجال تنظيم وحماية وتدبير حقوق الملكية الفكرية، في مختلف أبعادها الأدبية والفنية والتجارية والصناعية والحقوق المجاورة وحقوق الملكية في الفضاء الرقمي كذلك، فتجربة المغرب في مجال الملكية الفكرية متميزة في محيطها المغاربي والإقليمي.

وأشار، في مقابلة مع "المغرب اليوم"، أنه عند تأمل كل هذه التجربة الغنية بالدروس والعبر لتقييم الحصيلة والنتائج، يتم اكتشاف أن مستوى تطور الممارسة الفعلية والتكريس الميداني لهذه التراكمات التشريعية والتنظيمية، على محدودية البعض منها، لم يرق بعد إلى المرتبة المطلوبة، منوهًا إلى أنه ينبغي التمييز من داخل نفس التجربة بين وتيرتين متفاوتتين للتطور، مكّنت السريعة منها من تقدم وتطور المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية في الدار البيضاء، من أن يصل اليوم عبر سلسلة من الإصلاحات  إلى مستوى جد متميز في البناء والأداء، بينما تخلف توأمه الثاني المكتب المغربي لحقوق المؤلفين في الرباط عن الركب، وبالتالي فقد أخطأ مواعيده مع كل محطات الإصلاح المنشود.

أما المستوى الثالث، بحسب قرمان، فيتمثل في تشتُت القطاع من الناحية المؤسساتية والمهنية وغياب قراءات منهجية وموضوعية لمكامن القوة قصد استثمارها في مواصلة البناء، ولأوجه القصور بغية استخلاص الدروس في أفق إعادة صياغة المقاربة ومعالجة الاختلالات، مما أدى إلى تراكم الأخطاء في التشخيص وفي التداول للإشكاليات الحقيقية للأزمة، وبالتالي حصل على ما هو قائم اليوم من وضع مزرٍ في الجانب المتعلق بفشل منظومة حقوق المؤلف في صيغتها وأسلوب عملها الراهن.

وعلاقة بموضوع تأثر وضع الثقافة في المغرب بالمساس بحق الملكية الفكرية، رأى قرمان أن "المساس بأي فرع أو جانب من جوانب منظومة الملكية الفكرية هو في حد ذاته انعكاس لخلل في بناء النسق المؤسساتي وقصور في تطبيق القوانين الجاري بها العمل وأيضًا تعبير عن خصاص في التوعية الضرورية والتنشئة المجتمعية على ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية شأنها في ذلك شأن باقي التشريعات والقوانين المنظمة للحياة العامة للمجتمع، والتي نحن ملزمون كمواطنين بالتقيد بمبادئها واحترامها في السلوك والممارسة".

وأضاف بقوله: هذا من زاوية التأثير المباشر على الحياة العامة، أما ما يتصل بالتأثير على المنظومة الثقافية للمجتمع الذي تنتهك فيه حرمات الحقوق المادية والمعنوية لذويها، فتكفي الإشارة إلى كون التعدي على قدسية حقوق ملكية الإبداع بكل تجلياته ، يقود في المحصلة إلى تردي حلقات الدورة الإنتاجية للمعارف والقيم والفنون ومستلزماتها المتصلة بمنظومة القيم الجمالية المشتركة.

وأشار إلى أن انتشار ظواهر القرصنة والتقليد والتزييف وكل أشكال السرقات الأدبية والفنية قد أصبحت "تجارة تدر الملايير" عبر العالم، يقود إلى الفهم بالتأكيد، لماذا يعاني المبدعون بحدة من جراء ذلك، ولماذا تضمحل أصالة الإبداع وجمالياته، أمام تبضيع الثقافة وتنميط استهلاكها من طرف "القراصنة والمقلدين"، مضيفًا: سنفهم بالتأكيد حجم الهدر في التنمية الثقافية وفي فرص الشغل وكذا في ضياع عوائد ضريبية مهمة بالنسبة للتجارة والاقتصاد المنظم في مقابل ما نشهده من تنام معكوس في اتجاه استفحال اقتصاد "السوق السوداء" وتطبيع السلوك العام مع هذا الواقع المسيء لمكانة ورمزية الثقافة والإبداع والمعرقل لأية نهضة ثقافية حقيقية".

واسترسل قرمان قائلاً: لذلك، فإن هذا الواقع المجحف في حق المثقفين والمبدعين يشجع على وأد الإبداع في منابعه، وعلى تيئيس المبدعين في التمكن من العيش والارتقاء من خلال نشاطهم وإنتاجهم الثقافي والمعرفي والفني، فهل هناك تأثيرات أكثر سوءًا على الثقافة والفكر والمعارف والفنون مما ذكرت لكم، لكن هذا لا يعني بأن ننظر فقط إلى نصف الكأس الفارغ، بل ينبغي أن نحيي ونشد بحرارة على أيدي كل صناع الفكر والقيم والجمال الذين يشتغلون وينتجون ويبتكرون ويمتعوننا باستمرار بأبهى وأغلى ما يملكون من إبداعات ومصنفات أدبية وعلمية وفنية، ينبغي حمايتها واستخلاص مستحقاتها لتصل إلى أصحابها وذويها الحقيقيين، ونعتبر في الائتلاف المغربي للملكية الفكرية أنه قد آن الأوان لتتضافر كل الجهود والنوايا الحسنة للعمل يدًا في يدٍ خدمة للنهوض بالثقافة والفن والعلوم لما فيه خير البلاد والعباد.

وبشأن حيثيات وسياق تأسيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية، ذكر قرمان: هذه الهيئة المدنية الحقوقية  الفريدة من نوعها اليوم في بلادنا، جاءت كثمرة لتضافر الجهود وكتتويج لمسلسل طويل من اللقاءات والمشاورات التمهيدية التي لمت في خضمها مجموعة كبيرة من المثقفين والأدباء والفنانين والخبراء والمهنيين في مختلف المهارات والمعارف والفنون، حيث تشكلت لجان عمل موضوعية وجهوية للتداول والنقاش بشأن أمثل السُبل الكفيلة بالنهوض بأوضاع الملكية الفكرية في بلدنا، من موقع ترافعي وتفاوضي مع باقي المؤسسات الرسمية المشتغلة في هذا المجال.

ونوَّه إلى عقد لقاءات تنسيقية على المستوى الوطني توجت في النهاية بتشكيل مجلس وطني تأسيسي يوم 23 كانون الأول/ديسمبر 2015  في مدينة فاس، وكذا تشكيل سكرتارية وطنية أوكلت إليها مهام التحضيرات الأدبية وإعداد القانون الأساسي (اللوائح التأسيسية)، وكذا تهيئة الجوانب التنظيمية واللوجيستية والتواصلية المتصلة بالتئام المجلس الوطني التأسيسي في دورة ثانية في 16 كانون الثاني/يناير 2016  تحت شعار "حماية الإبداع مدخل للتنمية الثقافية والفنية"، وهو اللقاء الوطني الذي تم خلاله تقديم خلاصات الأعمال المنجزة خلال الفترة التمهيدية، وانتخاب الهيئات التنفيذية وممثلي الجهات والأقسام والشعب الثقافية والفنية والعلمية، وانتخاب رئيس الائتلاف.

وأوضح قرمان أنه تمت بلورة برنامج عمل تنظيمي وتحسيسي وتواصلي، سيمتد على مدار العام يتمثل في إطلاق ورش المنتديات الجهوية للملكية الفكرية، مضيفًا: دشّنا انطلاق أولى حلقاته من مدينة القنيطرة، حيث التأمت فعاليات الائتلاف وهيئاته التنفيذية والجهوية في جو تثاقفي وتفاعلي مع مختلف ألوان الطيف الثقافي والفني بالجهة المذكورة، وتم التداول والتبادل والحوار حول مختلف القضايا والرهانات المطروحة في جدول أعمال المنتدى الجهوي الأول المنعقد تحت شعار "حماية الملكية الفكرية، تثمين للرأسمال اللامادي"، كما تم الاستماع إلى تساؤلات وتطلعات ومشاكل المبدعين والأدباء والمثقفين الحاضرين وتم التوافق على تجميع مجمل خلاصات البرنامج الوطني للمنتديات الجهوية، التي ستشمل كل جهات المملكة المغربية في شكل دفتر أبيض (مشروع أرضية تركيبية)، بشأن واقع حال الساحة الثقافية والفنية فيما يتصل بجوانب إنفاذ القوانين الجاري بها العمل في مجال الملكية الفكرية، ومختلف المقترحات والتصورات التي يقدمها الائتلاف كقوة اقتراحية وكشريك يتفاعل إيجابيًا مع باقي الجهات الرسمية والمهنية المعنية بتطوير القطاع الثقافي والفني من زاوية تكريس وتثمين الملكية الفكرية واحترامها.

وفي جواب له بشأن أولويات الائتلاف، أضاف رئيس الائتلاف المغربي للمكلية الفكرية، أن الأولويات التي حددت كجدول أعمال الائتلاف خلال هذه مرحلة التأسيسية تتمثل في العمل بروح التعاون والتكامل والتشارك مع كل الهيئات الرسمية والمهنية الجادة في المجال ومختلف فعاليات المجتمع المدني النشيطة في المجال، في إطار السعي الحثيث لإرساء تنظيم مدني ديمقراطي قوي ومنفتح على كل الطاقات والخبرات والمبدعين الرواد والمخضرمين والمواهب الصاعدة،  لتشكيل رؤية استشرافية للقطاع استلهامًا لتوجيهات الملك محمد السادس، والذي ما فتئ يؤكد في الكثير من خطبه السامية على أهمية الاستثمار الأمثل للرأسمال اللامادي كدعامة أساسية في النموذج التنموي للمغرب الحديث.

واختتم حديثه بقوله:كما نسعى من خلال التفاعل الإيجابي الذي لاقاه تأسيس الائتلاف، لأن نكون قوة اقتراحية ترافعية وتفاوضية فاعلة ومتفاعلة إيجابًا مع خصوصيات القطاع، ومعبرة عن التطلعات المشروعة للمكونات الحية والواعدة بالقطاع"، ومن الأولويات أيضًا، إطلاق البرنامج الوطني التحسيسي والحواري والتشاوري في صيغة "منتديات جهوية للملكية الفكرية" سيمتد على مدار العام الجارية ليشمل كل الجهات الترابية والإدارية للمملكة، وسيتوج بوضع خارطة طريق الائتلاف للأعوام المقبلة، ثم المواءمة بين البناء والانتشار التنظيمي للائتلاف، والاشتغال على بلورة قاعدة معطيات كمية ونوعية حول جغرافية وتيمات وآفاق المجال الثقافي والفني، مهنيًا وقانونيًا ومؤسساتيًا بغية رصد واستبيان مكامن القوة وأوجه القصور في المنظومة المرتبطة بالملكية الفكرية في بلادنا.

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

رحيل شاعر الملحمة السوداني هاشم صديق
الدكتورة هبة القواس تتحدث عن حفلها الفني الثقافي الخيري…
خطاط كسوة الكعبة المشرفة يحرز المركز الأول في ملتقى…
انتظارات مدنية لتحقيق "القراءة للجميع"
المستشارة هالة الطويل تُطالب "اليونسكو" بعدم التزامها الصمت وإدانة…

اخر الاخبار

بايتاس يؤكد أن مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي…
الملك محمد السادس يحل بالإمارات العربية المتحدة في زيارة…
دعم ثابت لمخطط الحكم الذاتي ولسيادة المغرب الراسخة على…
وفد مغربي يُشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول…

فن وموسيقى

لطفي بوشناق يقدّم أغنية لبيروت ويتضامن مع المدينة الجريحة…
سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…
المغربي حاتم عمور يستنكر عدم حصوله عن أي جائزة…

أخبار النجوم

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن…
زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
محمد رمضان يُشعل مواقع التواصل بمسابقة وجائزة ضخمة
أزمات قانونية تنتظر عمرو دياب في العام الجديد

رياضة

محمد صلاح بين الانتقادات والإشادات بسبب صورة عيد الميلاد…
المغربي حكيم زياش لا يمانع الانضمام لصفوف الوداد في…
محمد صلاح ينفي شائعات التجديد مع ليفربول ويؤكد أن…
المغربي أشرف حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024

صحة وتغذية

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…
اختبار عقاراً جديداً يُعيد نمو الأسنان المفقودة

الأخبار الأكثر قراءة

رحيل شاعر الملحمة السوداني هاشم صديق
الدكتورة هبة القواس تتحدث عن حفلها الفني الثقافي الخيري…
خطاط كسوة الكعبة المشرفة يحرز المركز الأول في ملتقى…
انتظارات مدنية لتحقيق "القراءة للجميع"