الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون
القوة والمجد، ميدان البرق لوالتر دي ماريا

واشنطن - يوسف مكي

استغرق وضع مسمار من القصدير في مكان ما في صحراء نيو مكسيكو يوما من التجربة بين الخطأ والصواب مع القياسات الفلكية التي يقدمها مرصد البحرية الاميركية وبمساعدة المساح حتى وضع في مكانه الصحيح بالضبط بما يتماشى مع محور الارض من القطب الجنوبي الى الشمالي.

ويعتبر هذا المسمار الاساس في نجاح ستار اكس الذي يمكن رصده بالعين المجردة والنابع من بنات افكار الفنان تشارلز روس، والذي استطاع بعده أن يبدأ في بناء الهيكل الذي حلم به دوما فقط عندما تأكد من أنه وضع المسمار بالاتجاه الصحيح، وهو هاجس تملكه منذ عام 1971.

ويعد ستار اكس من أعمال الحفر التي اعادت تعريف العالم، والمعرف أيضا بفن الارض، والذي ظهر في اواخر الستينات على يد جيل من الفنانين الشباب من نيويورك مستوحى من سباق الفضاء والاضطرابات في فيتنام، وقرروا أن المعارض ليست كبيرة بما يكفي لإيواء أفكارهم، وبالتالي خرجوا الى الصحاري والجبال وقرروا تقديم اعمالهم بطريقة ملحمية في منحوتات من العناصر بين المناظر الطبيعية المذهلة التي تتمتع بها امريكا والجنوب الغربي.

وأوضح مدير الفيلم الوثائقي مثيرو الشغب المعمول عن هؤلاء الفنانين جيمس كرامب " الصحراء كناية عن المصير، وأي شيء يمكن أن يحدث هناك، هناك الخطر وهناك احتمال التنوير أيضا، فالصحراء تشبه الفضاء." وعندما رفض مايكل هيزار المشاركة في الفيلم الوثائقي قرر جيمس تصوير عمل "المدينة" بواسطة الطائرة، ولكنه كان يعرف أن مايكل كان سيطلق النار على الطائرة لإسقاطها لو تسنى له ذلك.

ووضعت هذه الاعمال الفنانين في خطر كبير، فسميثسون قتل في حادث تحطم طائرة في عام 1973، في الوقت الذي كان يستكشف فيه مساحات لعمل جديد في اماريلو رامب، ويتابع كرامب " عليك أن تسال نفسك: أي فنان يرغب في الخروج والبحث عن مواقع للعمل في مثل هذه الظروف وهو يتحدى نفسه باحتمالية الموت؟"

وتعتبر هذه الأعمال كبيرة ويصعب شرائها أو بيعها ولا يمكن رؤيتها إلا اذا سافر الانسان الى موقعها، ولكن عليه أن يحذر أن التضاريس الصحراوية يمكن أن تكون عدائية جدا، وكانت الفنانة البريطاني تاسيتا دين على وشك الفشل في العثور على دوامة جيتي عندما زارتها أول مرة في عام 1997، وتقول " تكمن عظمة الاشياء وخصوصا دوامة جيتي في كونها مخفية وكأنها جوهر العالم، وكأي رحلة حج فان الرحلة هي جزء من التجربة أيضا."

وتزيد فكرة عدم اكتمال عمل المدينة من الاثارة حوله الى جانب خطورة الموقع، فالعديد من الزائرين الغافلين يمكن أن يسقطوا، ولكن ستثبت الاسوار حوله هذه السنة، ووقع تشارلز روس مرة عن احدى الهياكل بينما كان يعقد حقيبة بوزن 80 باوند من الاسمنت، مما يشير الى خطر تنفيذ هذه الأعمال، ولا تعتبر مواقع هذه الاعمال مفيدة لزوار اليوم الواحد، وعندما يتفتح ستار اكس بعد ثلاث أو أربع سنوات من اليوم، سيعرف عن يوم الافتتاح ستة أشخاص فقط، سيبقون في ضيافة مخيم أسفل التل قبل أن يتجهوا الى ستار اكس في يوم كامل.

وقضى روس 4 سنوات يبحث عن هذا الموقع، ثم في يوم من الايام وأثناء توقفه في صحراء نيو مكسيكو، أتي اليه احد رعاة البقر يسأله عما يبحث وعندما أخبره هتف الشاب " أعتقد أن والدي سيكون مهتما بهذا الامر" وقدم لروس بطاقة العمل الخاصة به، وعندما طلب الفنان الرقم تحدث الى مربس ماشية يدعى دبليو أو كولبيرتسون الذي عرف تماما ما يجب ان بفعله، وقدم لروس منطقة تتكون من 400 فدان خصص منها 50 فدان لستار اكس وبنى بيت صغير له ولزوجته الفنانة جيل ابريان، وتوجب على مدون الفنون في صحيفة الغارديان الكيس هيدهام أن يقود السيارة مع صديقه جيس خلال الجبال والصحاري الى نقطة التقاء رتبت مسبقا، حتى وصلوا الى مسافة يمكنهم أن يروا الجزء العلوي من بيت روس، وأول مشهد من ستار أكس، ولاقاهم الساعة الخامسة صباحا رجل يدعى هاري ليب في شاحنة صغيرة، وهو نحات من نيو مكسيكو في التسعين من العمر ويعرف روس الذي يصغره بحوالي 12 عام جيدا أي منذ اواخر الخمسينات، عندما كان الرجلان في بيركلي حيث كان روس يدرس الرياضيات ويساعده ليب في بناء ستار اكس، ويرعى الموقع بينما روس مسافر، فالفنان يقضي نصف السنة هنا والنصف الاخر في نيويروك، ولا يعرف الناظر الى الهيكل لماذا أخذ وقتا طويلا، بالرغم من حجمه الضخم، ويقوم بالبناء عدد قليل من الناس هم أربعة أو ستة من السكان المحليين، وقد بدأ المشروع مع عدد أكبر من الناس والذين سرعان ما تركوه معتقدين أن روس مجنون ليقوم بامر كهذا.

ويشير اليكس " قادنا ليب الى أسفل على بعد خمسة أميال من الطريق الترابية فوصلنا الى بوابتين عبرناهما فاذا بالجزء العلوي من الهرم الجرانيتي يقف أمامنا." وتبرعت شركة في ولاية تكساس بالكثير من الغرانيت من أجل العمل والذي يكلف مليون دولار، وعند سؤال روس عن التمويل يقول " نحن ما زلنا نسعى للحصول على التمويل، ولا نملك المال لانهائه، ولكن لدينا بعض الجهات المانحة السخية التي مولت أكثر من نصف المشروع من خلال مبيعات أعمالي." وتشمل هذه القطع أعمال روس منذ عام 1965.

وتتوزع درجات داخل الهرم الغرانيتي مؤدية الى غرفة الساعة الهرمية ذات الفتحة الثلاثية بطول 30 قدم تقريبا واليت يظهر فيها ضوء النجوم وخصوصا النجم الشمالي أثناء الليل، وسيبدو نجم بولارس الشمالي  واضح ومشرق في قمة المثلث وهو يبعد 430 سنة ضوئية من الارض مباشرة فوق القطب الشمالي، ويستخدم المسافرون هذه النجمة في التوجيه منذ الالاف السنين، وتعتبر هذه التجربة كونية حرفيا ومجازا.

ويمتلك الجانب الشرقي من الهرم خطوط أكثر، واعلى تشير الى موقع الشمس عند الظهر بالتوقيت الصيفي، وهناك ادراج تؤدي الى قمة الهرم والذي يوفر مناظر مذهلة من السهول الفارغة التي تمتد على بعد مئات الاميال، ويأتي الجزء السفلي من الهرم على شكل حافة نحتت باستخدام الديناميت وحوض حاد، فيما القاعدة هي بداية الدرج الحقيقي الى ألعى، وتؤدي 164 درجة حادة الى دائرة من الفولاذ المقاوم للصدأ الى قمة الهرم لرؤية نجم الشمال.

وترتفع الدرجات من خلال نفق يتواءم مع محور الارض، ويدل الى ظاهرة تسمى السبق وهي دورة بطيئة من التغير الناجم عن تذبذب الأرض، وبسبب هذا التذبذب لن يكون النجم الشمالي في نفس الموقع دائما، فكل 26 ألف سنة يتحرك محور النجم الى نقطة أخرى ويتبادل موقعه مع نجوم أخرى ستلعب دوره في كونه نجم القطب حتى يعود هو الى مكانه.

وعرف المصريون القدماء السبق، واستخدموا لقياس حركة نجم الشمال الرؤوس وشعر الخيول، وبعد الالاف السنين أخبر مرصد البحرية روس " نحن لا نستطيع أن نحسب القياسات بدقة إلا من خلال شعر الحصان." وتعتبر هذه واحدة من أكثر الامور المؤثرة حول ستار كاس، فهو يدل على العلاقة بين أصغر التفاصيل وعواقبها الكبرى في الكون،  وأدرك الرجل أنه سيتمكن من بناء نفق يتماشى مع محور الأرض ليسمح للزوار بتتبع تتطور حركة نجم الشمال خلال دورة لمدة 26 ألف سنة، ويقول " على الانسان أن يدخل الى الأرض ليصل الى النجوم، وكان دائما موقفي من هذه الوسائل الرفض ولكن مع المدة تعلمت أن أصغى جيدا."

وتظهر النجوم عبر دائرة في أعلى الهرم، والتي توضح نجم الشمال وكيفيه تعقبه، كي يستطيع الناس مشاهدة النجم في مراحل مختلفة من خلال الاف السنين من التاريخ، وكيف سيظهر في المستقبل، وأضاف " الخطوة الاولى ستكون مؤرخة في عام 2100، وهو التاريخ الذي سيكون فيه نجم الشمال قريب الى القطب السماوي، وكلما صعد الانسان على درج السلم فانه يتقدم أو يتراجع أثناء مراقبته لدورة النجم في فترة تتراوح بين سنة 11 ألف قبل الميلاد أي في الفترة التي بنى فيها أبو الهول و15 الف بعد الميلاد." ومن الصعب فهم وحساب هذه الفكرة، ولكن عبقرية بناء ستار اكس تظهرها.

وتصر كل تجمعات الهندسة المعمارية أن العمل فني أولا وقبل كي شيء الا أن روس يقول " نحن لا نصنع اداة للقياس، اننا نخلق مكانا لتجربة شخصية، كان دائما في نيتي أن أقدم تجربة كاملة في فكرة مثيرة للاهتمام، ولكن أريد أن أشعر انها تتشكل حولي، بالنسبة لي هذا فن وليس علم، ولكن لدى مستشارين علميين فيه أيضا."

وتعتبر تجربة مشاهدة النجوم من ستار اكس تجربة عاطفية، فيما الانسان يجلس أسفل الدرج ويشاهد النجوم تتحرك من جانب واحد في خطوط دائرية، ليستمتع بعلم حركة السماوات وسر الكون، واسترسل بروس " سأضع الامر على هذا النحو، اذا كان الانسان ينفق ما يكفي من الوقت هناك، فجزء من وعيه سيستيقظ مرة أخرى، أعتقد أن هناك تحالف بين جسم الانسان والسماء، فهذه شيفرات وراثية، وستار اكس يتيح لهذه الرموز أن تعبر عن ذاتها"، ويعتقد هذا الفنان أن ستار اكس يمثل فن السماء بدل من فن الارض، ويوضح " لم يسبق لى أن زرت أي المراصد القديمة عندما بدأت هذا العمل، ولكن الان بعد زيارتهم أدرك أن تجربتي مع ستار اس تقدم شعور السماء وجعلها تجربة شخصية وملموسة، فكل المراصد تقدم تواصل بين الجسد والتحالفات النجومية لتقدم تجربة حسية، فاذا ذهب الانسان الى مرصد المايا فانه يشعر على الفور باشتراك الجسد والروح والعقل في التجربة."

ويصور فيلم مثيرو الشغب فن الارض باعتباره نضال بين الانسان والطبيعية، وهذا ليس سوى جزء من تجربة روس الذي يقول " نقل الصخور الثقيلة للحصول على منظر جميل هو دليل على الصراع، ولكن الهدف الحقيقي من صنعه كان لحث الانسان على استشعار مكانه في الكون، لمن اكن أشعر أنني صغير تحت النجوم في ستار اكس، فانا أشعر بمزيد من العظمة والدهشة كل هذا هو جزء من مكوناتي، ومن مكوناتنا جميعا."

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

رحيل شاعر الملحمة السوداني هاشم صديق
الدكتورة هبة القواس تتحدث عن حفلها الفني الثقافي الخيري…
خطاط كسوة الكعبة المشرفة يحرز المركز الأول في ملتقى…
انتظارات مدنية لتحقيق "القراءة للجميع"
المستشارة هالة الطويل تُطالب "اليونسكو" بعدم التزامها الصمت وإدانة…

اخر الاخبار

دور فاعل وحيوي للمغرب في الاتحاد الإفريقي سنة 2024…
إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات في ميناء طنجة المتوسط…
مُباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية
الحكومة المغربية تُصادق على تُعين المهندس طارق الطالبي مديراً…

فن وموسيقى

لطفي بوشناق يقدّم أغنية لبيروت ويتضامن مع المدينة الجريحة…
سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…
المغربي حاتم عمور يستنكر عدم حصوله عن أي جائزة…

أخبار النجوم

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن…
زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
محمد رمضان يُشعل مواقع التواصل بمسابقة وجائزة ضخمة
أزمات قانونية تنتظر عمرو دياب في العام الجديد

رياضة

البرازيلي فينيسيوس جونيور يُتوج بجائزة غلوب سوكر لأفضل لاعب…
المغربي أيوب الكعبي ضمن قائمة أفضل هدافي الدوريات الأوروبية
محمد صلاح بين الانتقادات والإشادات بسبب صورة عيد الميلاد…
المغربي حكيم زياش لا يمانع الانضمام لصفوف الوداد في…

صحة وتغذية

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…
اختبار عقاراً جديداً يُعيد نمو الأسنان المفقودة

الأخبار الأكثر قراءة

رحيل شاعر الملحمة السوداني هاشم صديق
الدكتورة هبة القواس تتحدث عن حفلها الفني الثقافي الخيري…
خطاط كسوة الكعبة المشرفة يحرز المركز الأول في ملتقى…
انتظارات مدنية لتحقيق "القراءة للجميع"