الرباط - المغرب اليوم
نظّمت "جمعية ميمونة" المهتمّة بالتراث الثقافي اليهودي المغربي، تتبّعا للمبادرات الجديدة لإحياء التراث اليهودي بالدّول العربية؛ ندوة رقمية جمعت مجموعة من الباحثين والمتخصّصين في الموضوع.
وأثنت زهور رحيحيل، محافظة متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي بالدار البيضاء، على مبادرة الحديث عن التراث اليهودي بالعربية، وأضافت: "غالبا نتحدّث عمّا هو يهودي بالفرنسية، والإنجليزية، وأتمنى الحديث مستقبلا باللغة العربية أكثر لتعريف العرب والمسلمين بالمسألة اليهودية المغربية".
وذكرت رحيحيل أنّ متحف الدار البيضاء كان أوّل متحف يهتمّ بالتراث اليهودي أو العبري في العالَم العربي، عندما فتح سنة 1997 بمبادرة من مجلس الجماعات اليهودية بالمغرب، ثم أضافت: "مع الدينامية الموجودة اليوم، لا يجب أن ننسى أنّ هناك جماعة يهودية مازالت تعيش بالمغرب، وهو ما ساعد على إنشاء مؤسسات للحفاظ على التراث اليهودي، إضافة إلى رعاية الدّولة".
وشدّدت المتخصّصة على دور الباحثين والجامعيين في الحفاظ على التراث الثقافي اليهودي المغربي، مستشهدة بالأبحاث التي عرفتها الجامعات المغربية أواخر السبعينيات، وأواسط الثمانينيات، من طرف باحثين مغاربة مسلمين.
وأثنت رحيحل على الدور الفعّال الذي تقوم به جمعيات مثل ميمونة، وأخرى في مدن سطات ومراكش وفاس، في حفظ التعدّد الثقافي، إضافة إلى اشتغال المتحف الذي تُشرِف عليه مع المدارس، والطلبة المغاربة، ووجود تخصصات خاصة بالتراث الثقافي بتعدّده، مع إقبال للطلبة المغاربة المسلمين على التخصّص في التراث العبري.
وذكّرت رحيحل بالحركية التي أعطت انطلاقتها مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي سنة 1997 بترميم "الجوامع اليهودية" أي المعابد اليهودية المغربية، كما استحضرت وجود نصّ رسمي يستنَد عليه في حماية التراث اليهودي للمملكة هو الدستور الذي يتحدّث عن تعدّد الهوية المغربية، المتعدّدة المتنوّعة، ويقول إنّ التراث اليهودي رافد إلى جانب روافد أخرى.
وتحدّثت محافظة المتحف اليهودي بالدار البيضاء عن مجموعة من النصوص الملكية في هذا الإطار، من بينها رسالة ملكية بمناسبة ترميم معبد "صلاة الفاسيين" الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، بمساندة ألمانية، ومن وزارة الثقافة المغربية، يدعو فيها ملك البلاد إلى الاهتمام بالتراث المغربي عامّة، وضرورة ترميم أماكن الصلاة والمقابر اليهودية، مذكّرة في هذا السياق بترميم 167 مقبرة يهودية بالمغرب، وهو ما وصفته بـ"الأمر النادر في العالم لا العالَم العربي الإسلامي فقط".
وقدّمت زهور رحيحيل مثالا عن الحفاظ على الذاكرة اليهودية المغربية بردود الفعل الإيجابية التي فوجئت بها عَقب برنامجها الإذاعي الأسبوعي "ناس الملّاح"، الذي "يحاول تحسيس الجمهور العريض، وجميع المغاربة باختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، بشرح المسألة اليهودية المغربية"، وأضافت: "أوجب فيه ضرورة الحديث بالعربية، ليُفهَم ما يقال حول اليهود المغاربة".
ويرى يوسف علي المطيري، أستاذ جامعي متخصّص في التاريخ كاتب مؤلَّف "اليهود في الخليج"، أنّه كان هناك دائما تركيز حول اليهود في المغرب واليهود في تونس، واليهود في مصر، وحتى في لبنان وسوريا في العراق، علما أنّ الجزيرة العربية من المواقع التي استقرّ فيها اليهود في فترة مبكّرة جدا، تعود إلى ما قبل الميلاد، إمّا بهجرات من فلسطين إلى الجزيرة العربية، أو باعتناق بعض القبائل في الجزيرة العربية لليهودية لأنها كانت في بداياتها ولم تكن ديانَة مقلقة كما يعتقد الكثيرون، بل كانت ديانة مفتوحة تقوم بعملية التبشير.
ويضيف المطيري أنّ من أسباب هجرات اليهود إلى الجزيرة العربية الكوارث الطبيعية، أو البحث عن فرص أفضل للتجارة والعمل، مع ارتباط هجرات أعداد قليلة جدا بالهروب ممّا تسمّى الخدمة العسكرية؛ لأنّ اليهود في العراق كانوا يدفعون مبلغا من المال يسمّى بدل خدمة، ثم مع إصلاحات الدولة العثمانية اعتبرت جميع السكان من المواطنين، وبالتالي فرضَت عليهم جميعا الخدمة العسكرية.
ويذكر المتخصّص في التاريخ أنّ أقدم إشارات استقرار اليهود في الكويت تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، وتذكر المصادر البريطانية أنّهم كانوا يتمتّعون بحرية العبادة، ولا تفرض عليهم أيّ ضرائب أو رسوم، وكانوا بين مائتين وثلاثمائة أسرة في مدينة الكويت التي لا يتجاوز عددها سكانها ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف نسمة. وتركّز اليهود في عمان في مسقط، وسحار ومطرح، علما أنّ البحرين مازالت الدولة الخليجية الوحيدة التي يقيم فيها يهودٌ إلى الآن.
ووضّح المطيري أنّه عندما أصدر كتابه "يهود الخليج" كانت هناك مجموعة ترى أنّ هذا الحديث عن اليهود طبيعي جدّا لأنّهم مجموعة عاشت في أرض الخليج، فيما كانت عند البعض الآخر خشية من فتح هذا الحديثِ باب المطالبات بتعويضات عن أملاك اليهود، علما أنّ هذا كلام نسمعه كثيرا عن منظّمات مدعومة من الحكومة الإسرائيلية والحركة الصهيونية للمطالبة بتعويضات، ثم استدرك قائلا: "كنت أردّ عليهم بأنّ هذا الحديث هو عن موضوع تاريخي، هو الاستقرار التاريخي، وحديث عن مكوّن اجتماعي واقتصادي وبشري كان يعيش في هذه المنطقة، وليست له علاقة بالارتباطات السياسية".
ووضّح المتحدّث أنّ "العدد الأكبر من مواطني دول الخليج يعرفون أنّه كان هناك يهود بالمنطقة"، ثم أضاف: "المواقف من مسلسل "أمّ هارون" ارتبطت بقضايا سياسية مطروحة الآن، ونحن نتحدّث عن عامّة النّاس، وليسوا متخصّصين، ويتأثّرون بالقضايا المحيطة، من اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبقضية التطبيع، وظنّوا أنّ المسلسل جزء من هذه الحركة؛ وإذا كان المسلسل يتناول وجودهم فما المانع من هذا؟ ولم هذه الحساسية الزّائدة؟".
وقال ناجي جرجي زيدان، كاتب متخصّص في يهود لبنان، إنّه تعرّض لمضايقات حكومية عندما بدأ الاشتغال على موضوع يهود لبنان، وسجّل في هذا السياق أنّ استعمال هذا التعبير مجانب للصّواب والأصحّ هو "الطائفة الإسرائيلية"، دون أن يعني استعمال هذا التعبير مساندة للدولة الإسرائيلية.
وذكر الباحث أنّ أقدم وجود لليهود في المنطقة هو في لبنان بعد فلسطين، ثم استرسل متحدّثا عن المشاكل التي تعانيها دور العبادة اليهودية بدولته، من استغلالها من طرف أسر أو في الصناعة، وغياب ترميمها، وزاد: "لا يستطيع يهود لبنان أن يقولوا إنّهم يهود، ولا يمارسون شعائرهم الدينية في معبد، بل يجتمعون ويصلّون في المنازل يوم السبت، ورغم ترميم "الكنيس" في بيروت إلا أنّه صار متحفا أكثر منه معبدا".
وطالب ناجي جرجي زيدان الحكومة اللبنانية بأن يعود أيّ يهودي لبناني لبلده ويستقرّ به، مثل ما يحدث بالمغرب، رغم أنّ "هناك تطرّفا يمنَع هذا"، وذكر في هذا السياق أنّه ينتمي إلى عائلة معادية لليهود، ولمّا كبر قال لِمَ القيام بهذا؟ دون أن يعني الاشتغال على موضوع اليهود والتراث اليهودي بلبنان الدّفاع عن إسرائيل، بل هو "دفاع عن لبنان وعن المجتمع اللبناني".
قد يهمك ايضا
تقرير يكشف أقدم الهياكل العظمية فى مصر قبل عرضها بمتحف الحضارة