الرباط-المغرب اليوم
في خضم التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي على مستوى مكوناته خلال العقد ونصف العقد الأخير، بعد أن تحوّل من بلد مصدّر للهجرة إلى بلد مستقبٍل للمهاجرين، قال يوسف السباعي، أستاذ زائر في جامعات بييمونتي أورينتالي وبادوفا بإيطاليا، إن هذه التحولات تستدعي رسم خريطة جديدة للديانات في المغرب.وقال السباعي، في محاضرة ضمن سلسلة “لقاءات الخميس” التي تبثها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في قناتها على منصة “يوتيوب”، إن المغرب الذي كان يتميز بحضور الدين الإسلامي كدين أغلبية أفراد مجتمعه، مع وجود أقلية يهودية، عرف تحولات اجتماعية بعد تحوله إلى بلد مستقبل للمهاجرين، ما أعاد الحياة إلى الكنائس بعد أن تناقص روادها من أتباع الديانة المسيحية بشكل كبير.
وأضاف المتحدث أن الكنائس التي بُنيت في المغرب خلال فترة الاستعمار أصبحت خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة تشهد إحياء الطقوس الدينية المسيحية من جديد، نظرا لتوافد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء على المملكة.واستطرد السباعي، وهو دكتور في العلوم الاجتماعية وحاصل على الماجستير في الدراسات حول الإسلام في أوروبا من جامعة بادوفا الإيطالية، بأن الانفتاح الاقتصادي والسياسي للمغرب، وكذا انفتاحه على الهجرة، جعله كبلدان أخرى يشهد تزايد الديانات، مضيفا أن هذه التحولات “تجعلنا في حاجة إلى رسم خريطة جديدة للديانات”.واعتبر المتحدث ذاته أن تداعيات وجود عدد من الديانات في نفس الزمان والمكان يمكن أن تترتب عنها نتائج ذات بُعد إستراتيجي، مستدلا بالتجربة الإيطالية، حيث كانت الحصة الدينية التي تدرّس للتلاميذ في المدارس الابتدائية مقتصرة على الديانة الكاثولويكية، وبعد وفود هجرات جديدة على البلاد، وازدهار ديانات كانت خافتة، مثل البروتيستانتية واليهودية، صارت هناك تعددية في تدريس المادة الدينية.
وأوضح الجامعي المغربي، الذي شغل منصب أستاذ لدى مدارس تكوين الشرطة القضائية بإيطاليا، وأستاذ في المعهد العالي للدراسات القضائية بروما، وكان عضوا في اللجنة الاستشارية حول الإسلام في وزارة الداخلية بإيطاليا خلال الفترة 2014-2016، أن التعددية الثقافية والدينية داخل المدرسة بإيطاليا كان لها تأثير على السياسة التعليمية والتربوية للدولة الإيطالية.وأضاف الأستاذ ذاته أن هذا التأثير لا يقتصر فقط على المدرسة، بل انتقل إلى مناحي أخرى في المجتمع، وزاد موضحا: “عندما تجد في مصنع عمالا يعتنقون ديانات مختلفة فإن إدارته تجد نفسها مضطرة، في وقت الراحة على سبيل المثال، إلى احترام قواعد الطعام لأتباع كل ديانة”.
تأثير التعددية الدينية والثقافية لا ينعكس فقط على علاقة أتباع الأديان المختلفة بعضهم ببعض، بل ينعكس أيضا حتى على العلاقة بين أتباع الديانة الواحدة، إذ قال السباعي، انطلاقا من الأبحاث التي قام بها في إيطاليا، إن وجود مسلمين ينتمون إلى مذاهب فقهية وثقافية مختلفة، ولديهم تمثلات اجتماعية مختلفة، تجعل بعض خطباء المساجد يتفادون الخوض في المواضيع الفقهية التي يوجد خلاف حولها، تفاديا لأي حساسيات من هذا الطرف أو ذاك.من جهة ثانية، قال السباعي إن التحولات التي تعرفها المجتمعات أدّت إلى عودة قوية للدين، بخلاف توقعات عدد من رواد علم الاجتماع الذين توقعوا “نهاية الديانات”، مثل إميل دوركايم، مبرزا أن الدين “رجع ليطفو على السطح، بل إنه عاد ليكتسح الفضاء العام في كثير من البلدان، مع تفاوت قوة انتشاره من منطقة إلى أخرى”.
قد يهمك أيضا:
الطلبة المهندسون يطلبون التعليم الحضوري وفتح الأحياء الجامعية
دورات تكوينية تواكب التلاميذ قبل امتحانات شهادة البكالوريا في المغرب