الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون
العلّامة محمد ثناء الله الندوي

عمان - سناء الشعلان

العلّامة محمد ثناء الله الندوي هو الأستاذ الدكتور للأدب الحديث في قسم اللغة العربيّة في جامعة علي جراه في الهند، وهو واحد من كبار العلماء المعاصرين في الهند ، وله جهوده الكبيرة في مدّ عرى التّواصل والتّفاعل بين المعارف الإسلاميّة والرّصيد الهندي القديم، وهذه الجهود تكلّلت بأن ينال جائزة  رئيس الجمهورية الهنديّة في عام 2006 تقديراً لهذا الجهد الدؤوب والمميّز. أغنى المكتبة العربيّة  بعشرات المؤلفات باللّغة العربيّة عن الأدب العربيّ، فضلاً عن عشرات الكتب الأخرى باللغة الإنكليزية والهنديّة، إلى جانب مئتي بحث ومقالة منشورة ومحكمة في موضوعات اللغة العربية والحوسبة والأدب والفلسفة نشرتها مجلات إقليميّة ودوليّة عربيّة وإنكليزيّة وجهوده في خدمة اللّغة العربيّة والفكر الإسلاميّ والإنسانيّ لطالما كانت مادة للجهود البحثيّة، ولذلك فقد تبنّت الكثير من الجهات محاور بحثيّة عن هذه الجهود، ومنها جامعة آل البيت في مؤتمر علمي مُحكّم، فضلاً عن استضافته أستاذاً زائراً في كثير من الجامعات، ومنها جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة.

وفي حوار له مع "المغرب اليوم" أكد على أهمية اللغة العربية في حياته وأوضح أنه "يُقال إن الإنسان لا يعرف إلا لغته الأم، و لكن ما دامت الأم هذه كائنا بيولوجيا ومكانيا فالإنسان يطور معرفته لها وفق ضوابط معروفة بالإضافة إلى حمض نووي هو الحب كنقطة بؤرية لها. و استقامة الأشياء أو غياب المرسبات المريعة – على الأقل – يضمن للرجل أن يتلاقح بالمدلول التاريخي و العلمي و الأدبي و الجمالي و الأسطوري و الحضاري لهذه اللغة، و هذا هو المكسب المتفاعل و المضاف.
 
وأضاف "في حظيرة قدس العربية أجد نفسي خاشعا أمام عظمة و جبروت مقدسين . الخشوع جزء من الصفاء و هو جوهر الحلم و النجوى مع النفس"
 
وبسؤاله عن  قدرة اللغة العربية على مواكبة الحضارة العالمية والعلمية ، أكد أنها تحتل مساحة فكرية وأبعادا تاريخية و رهانات عقدية و عقلية و ثقافية و أدبية كهذه تستدعى عملا جماعيا مع تعددية لغوية و توحيد منهجي يستنطق الوعي الكوني، على بصيرة من الأمر: فيسبر أغوار حكمة الهنود و المصريين القدامى و البابليين و الصينيين والفرس و اليونان والإسكندريين و جملة مدارس الفكر الإنساني و علم الكلام في العصور الوسطى و العصر الحديث ، حيث لا يقع فريسة الإستهواء الوشائجي عند الحكم على قضايا الحقيقة و التاريخ في سياق تحديد مسار التأصيل و التواصل. حين من الغفلة، و العواقب وخيمة.

كان لهذا الضعف بعض مبادرات في بعض محاور الموضوع وهى منشورة بالإنكليزية و العربية، مثل الحوار بين التصوف الإسلامي و الروحية الفيدانتية، و الحوار بين الثقافة الأدبية لأوربا والآداب الشرقية.   
 
وأضاف أنه لا داعي إلى جولة مضنية في تهائم العروبة و أنجادها للقول بأن العربية و جبروت منتوجها من أهم ما ظفرت به الإنسانية في مسيرتها التاريخية. من عظمة التراث أنه مارس تأثيرا على الآخر المحاور: شعرآء التروبادور الأوربيين، دانتى ، دانيال دوفو ، المدرسة السينائية اللاطينية، المدرسة الرشدية.. الخ.
 
وقال "أما المشهد العربي الأدبي و الفكري الحديث، فعلى الرغم من أننى لا أرى الحديث فيه كله ذا شجون، إذ فيه من الشموخ في بعض قطاعاته. و لكنه أساسا إنحناء أمام تعالى يكثر فيه القيل و القال مدحا و قدحا. العربية خسرت مكانها الريادي في العالم. المسألة لا تطلب إنحيازا فوق ما تتطلبه من عدم انحياز، و تفعيل الدور فرديا و جماعيا لخدمة العربية".  

وأوضح أن الأدب – في رأيي – ظاهرة للوعى الإنساني المؤحد المستلهم من الطبيعة أو المفاهيم الكونية أو ما وراء الطبيعة. مجرد العثور على خطوط متقاطعة لا يستلزم إلغاء خطوط موازية.

صحيح أن المدارس الفكرية و النقدية الحديثة مما أنتجه العقل الغربي و سطره بقلمه بمداده الثقافي، على أن ذلك لا يرادف القول أن الإنسان الغربي مختلف عنا تماما في جوهر الإنسانية ومغزى الآدمية و تعريف قيم الأدب و النقد و تحليلهما الدلالي و الجمالي. للشرق أثر على موروث الأدب الغربي وراهنه، كتب مثل كليلة و دمنة و حي بن يقظان و طوق الحمامة في الألفة و الألاف مارست تأثيرا ملموسا على الآداب الغربية. كبار الألسنين مثل  دو سويسور و جاكوبسون كانوا مطلعين على الآداب الشرقية السنسكريتية و العبرية. ثمة أوجه التلاقى بين مواقف ألسنية معاصرة و مواقف المتقدمين مثل سيبويه و إبن جنى وابن سينا و حازم القرطاجنى. يجب أن ننظر إلى الأشياء بنظرة شمولية، و ليست اقصائية.   

وعن نموذجه العربي الذي تتلمذ عليه  أكد "تلمذت على الشيخ عبد الحق إبن سبعين الأندلسي و من الجدد استلهمت من مصطفى صادق الرافعي و عبد الرحمن الكواكبي".
 
وبسؤاله فمتى تلجأ إلى العربية كأداة للتعبير عن ذاته و مراده خصوصا مع اتقانه عدة لغات أخرى قال "ألجأ إلى العربية عندما أناجى نفسي و أدخل معها في حوار داخلي تجاه قضايا الوجود و الذات".

وأضاف للأسف واقع العربية متأزم، رغم تفاقم الإنتاج نظما و نثرا  من أفراد و مؤسسات و حكومات. قضية الردة اللغوية ترتبط بالتعددية اللغوية و اللغة الجامعة بمرجعيات دؤلية و محلية، و كلها قضايا حساسة. و القضية ذاتها في المثاقفة و مستوردها الثقافي و المعرفي.

للغة العربية وما قدّمه لها أجاب "ما قدّمته للعربية هو جهد لمخاطبة عدد من قضايا الفكر الإنساني و القطاع الميتافيزيقي و التاريخي و الأدبي و اللغوي على مستوى التواصل الفكري و الأدبي و الفلسفي بين الشرق و الغرب، و تمثلت في أحد عشر مؤلفا و ما ينيف على مئتي بحث و مقالة و أكثر من مئة مشاركة في الندوات و المؤتمرات و محاضرات لا سيما في عدة جامعات في الوطن العربي مثل الأردن و الجزائر، و برامج في الإذاعة المرئية و المسموعة (قناة المجد، السعودية، القناة البشكرية، روسيا، القناة الهندية الوطنية، و سواها).
 
العربية تجاوبت مع همومى و اهتماماتى فرحبت بى في دارها و فسحت لى العديد من منابرها العلمية و اعترفت بجهدي المتواضع. أهم عطاء تلقيته من العربية هو الشعور بالتوأمة الروحية حيث إنى لا أشعر بالغربة بين أبنائها الأقحاح.

وعن شعوره كواحد من علماء العربية المشاهير أوضح "شعوري في هذا السياق دائما مصحوب بالمسؤولية و محاسبة الذات، و جزئيا بالتحدي لمخاطبة اللامكتوب الهام، و التأهب لما ستفرزه الأيام في حقول سبر المجهول، و بقسط من السعادة".
 
وعن الإضافة لرصيده الأدبي قال "رصدت بعض ظواهر البخس و التهميش في ميزان العدل التاريخي لتراث الإنسانية في سياق اللغة العربية التى كانت لغة الثقافة العالمية في القرون الوسطى، و في سياق الفكر الإنساني العام و الحوار الثقافي المعرفي بين مجتمعات الشرق و الغرب. من هنا إهتمامى بقضايا تأثير اللغة العربية و آدابها على الآداب الأوربية، خاصة أثر الحب العذري و المؤشحات و الأزجال على شعراء التروبادور، و الكلام في مدرستى إبن سينا و إبن رشد اللاطينيتين، و قضية المغول و جنسية البشكريين و التتر و دورهم في هدم بغداد، وقضايا المشترك السامى السنسكريتي أو الحوار اللغوي بين فصيلة اللغات السامية و الهندأوربية، و مرجعيات الغنوص في الفلسفة و التصوف ، و الوقوف على المنظومات المفاهيمية و المذاهب النقدية و السرديات الحديثة و المعاصرة، و رصد خيوط الوصل و الفصل بينها، و قرآءة التراث من المنظور الحداثي و ما بعد الحداثي، و سواها"
 
وعن استفادة اللغة العربية من الموروث الهندي أكد أن "الفلسفة الهندية سجّلت حضورها و تأثيرها البارزين على هياكل التاريخ المعرفي الإنساني القديم و الحديث. حتى الحضارة البابلية و الآشورية و الفرعونية ببعض أبعادها المعرفية و الأسطورية تفاعلت مع الفلسفة الهندية. كما دخلت مدارس الحكمة العالمية مثل الهلينيستية و الإشراقية الاسكندرية في سلسلة من الإلهام و الإستلهام أو الإحتكاك الرؤيوي مع مدارس الفلسفة الهندية. كما أن العربية مارست تأثيرا على المنظومة المعرفية و الثقافية الهندية و حتى على اللغة السنسكريتية (كلمة "عروس" دخلت السنسكريتية من العربية، مثلا، و هناك أوبنيشاد إسمه " الله أوبنيشاد"!) و حدث و لا حرج عن ثلاث أرباع مفردات اللغة الأردوية باعتبارها مستقاة أو مشتقة من العربية"

وإن هذا الجسر بين  الأوساط البراهمية – الفيدات و الأوبنيشاد خاصة – عبر مراحل عدة للرحلات التجارية و الحوار الثقافي و الغزو السياسي يدعمنا في استكناه العديد من هياكل المعنى و المبنى للعربية، مثل عشرات من الكلمات التى هى سنسكريتية الأصل هى مادة تاريخية للتفاعل الألسني بين اللغات السامية و الهند أوربية أو المشترك السامي السنسكريتي، كما يدعمنا في سبر أغوار الشعر الفلسفي و الصوفي، و أدب الرحلات، و التاريخ الفلسفي، حتى تاريخ علم الكلام في الإسلام.  فلسفة أبى العلاء المعري و أبى المغيث منصور الحلاج و الشيخ الأكبر محى الدين ابن عربي و الشيخ الرئيس أبى على إبن سينا و حكمة الإشراق حتى في مدارسها في الأسكندرية و إصفهان بأصحابها مثل فلوطين و شهاب الدين السهروردي و صدر الدين الشيرازي لم تحرر من أثر الغنوص الهندي، خاصة و أنه لا يمكن أن نتجاهل شخصيات هندية مثل دنداميس و قلانيموس، و معروف أثرهما على الإسكندر المقدوني و تاسوعات فلوطين.لا يمكن فهم مذهب الذرة في علم الكلام الإسلامي و آراء بعض الفرق الضالة في الإسلام  من غير إحالة إلى مذاهب الهنود.  

والتفكير المنهجي يوجب تحاشي الخلط بين قضايا الفيزيقا و الميتافيزيقا في منظومة الثقافة و المعرفة الإنسانية بما فيها اللغة. اللغات و الثقافات الإنسانية لا تتطور بين عشية و ضحاها، و لاتعيش في إنزواء، فهى تتأبى على شعارات التفخيم و التقزيم و التسييس.
 
وأشار أن العربية بمورثها اللغوي و العلمي و الأدبي و الحضاري و التاريخي – وبملهمها و مستلهمها  على السوآء - قلما تضاههيها لغة في العالم. و هذا نفسه مثلث القضية و المهمة و التحدي معا.  

وعن الاسماء الإبداعية التي تلفت نظره الآن قال "تستوقفني أسماء راهنة مهمة في حقل الإبداع العربي خصوصا في التجريب الحداثي و ما بعد الحداثي الذي تفاقم ظله، منها: عبد الرحمن منيف، إبراهيم الكوني، علاء الأسواني، صنع الله إبراهيم، رشيد بو جدرة، صلاح الجين بوجاه، واسيني الأعرج، زكريا تامر، غالب هلسا، سناء الشعلان، سحر خليفة، سيف الرحبي،غازي عبد الرحمن القصيبى، و قلة سواهم.
 
لا عبرة بالأكثر مبيعًا زمن الإستهلاك المعولم. من آفة الوعي الأدبي أن يفقد صاحبه قوة التمييز بين أدب السرير و أدب الأسرار. السرير هام بكل مرافقه البيولوجية و توهجها الكيمياوي، لكنه لأجل مسمى، و ما سواه خير و أبقى!
 
وعن تكريمه في الهند  وغيرها من الدول قال "العمل عبادة، والعبادة لا تربط أصلاً بالأجر، و إلا يتحول إلى كدح محترف و متاجرة،   الاعتراف بقيمة العمل بأشكاله المتعددة مثل الجوائز و غيرها أراه نوعاً من النقد البناء، و النقد تلقيح للعمل. و هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ كما يقول القرآن الكريم.

وعن وصفه للمشهد الإبداعي العربي أكد أن "القرائح الإبداعية لأمة مثل العرب لن تخمد و لن ترتحل بوجه تام. طبعا المشهد لا ينافس نظيره العالمي أفقاً أو عاموداً. أين الأقلام العربية التى يضاهى هيكل منتوجها رؤى و فناً قوة المنتوج الإنكليزي أو الفرنسي ؟ و هذا لا يعنى أن نتنكر لأهمية الإبداع العربي في بعض قطاعاته لاسيما في التجريب ما بعد الحداثي المفعم بالحيوية و العبق الجمالي و المبشر بخير كثير. و لكنى لا أحب أن تختزل قائمة الجبابرة – لا الأقزام - المعاصرين بأسماء معدودة ( عبد الرحمن منيف، إبراهيم الكوني، علاء الأسواني، صنع الله إبراهيم، رشيد بو جدرة، صلاح الجين بوجاه، واسينى الأعرج، زكريا تامر، سناء الشعلان، سيف الرحبى،غازي عبد الرحمن القصيبى، و قلة سواهم".

لا عبرة بالأكثر مبيعاً زمن الاستهلاك المعولم. من آفة الوعي الأدبي أن يفقد صاحبه قوة التمييز بين أدب السرير و أدب الأسرار. السرير هام بكل مرافقه البيولوجية و توهجها البيوكيمياوي، لكنه لأجل مسمى، و ما سواه خير و أبقى!   

وعن أكثر بيت شعر يحبه قال "أحب هذا البيت: لى كبد مقروحة من يبيعنى بها كبدا ليست بذات قروح" ويؤمن بحكمة "من جد وجد" والشخصية الإبداعية العربية التي أثرت في وجدانه أجاب "الذي لم يفقد ظله!
 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

رحيل شاعر الملحمة السوداني هاشم صديق
الدكتورة هبة القواس تتحدث عن حفلها الفني الثقافي الخيري…
خطاط كسوة الكعبة المشرفة يحرز المركز الأول في ملتقى…
انتظارات مدنية لتحقيق "القراءة للجميع"
المستشارة هالة الطويل تُطالب "اليونسكو" بعدم التزامها الصمت وإدانة…

اخر الاخبار

الأردن يؤكد ضرورة دعم سوريا بدون تدخلات خارجية ويدين…
حزب التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة المغربية بالكشف عن مَبالغُ…
إشادة فلسطينية بالدعم المغربي المستمر لصمود الشعب الفلسطيني وثباته
الملك محمد السادس يُؤكد على عمق العلاقات الأخوية بين…

فن وموسيقى

سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…
المغربي حاتم عمور يستنكر عدم حصوله عن أي جائزة…
منى زكي تؤكد أنها تتأنى دائما في اختياراتها لأعمالها…

أخبار النجوم

أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال "العتاولة 2"
نيللي كريم تجتمع مع روبي وكندة علوش في "جاني…
هبة مجدي تكشف أسباب مشاركتها في الجزء الخامس من…
بشرى تكشف عن أمنياتها الفنية في المرحلة المقبلة

رياضة

المغربي أشرف حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024
نجم منتخب البرازيل وريال مدريد فينيسيوس جونيور يفوز بجائزة…
ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح
يوسف النصيري يواصل تألقه رفقة فريقه فنربخشة في الدوري…

صحة وتغذية

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…
اختبار عقاراً جديداً يُعيد نمو الأسنان المفقودة

الأخبار الأكثر قراءة

رحيل شاعر الملحمة السوداني هاشم صديق
الدكتورة هبة القواس تتحدث عن حفلها الفني الثقافي الخيري…
خطاط كسوة الكعبة المشرفة يحرز المركز الأول في ملتقى…
انتظارات مدنية لتحقيق "القراءة للجميع"
المستشارة هالة الطويل تُطالب "اليونسكو" بعدم التزامها الصمت وإدانة…