واشنطن ـ يوسف مكي
هناك عدد لا يحصى من الصيادين الذين يعيشون في أعماق منطقة الأمازون على طول فروع أكبر شجرة في العالم في النهر، وبدلا من استخدام كلمات تعبّر عن كميات محددة يستخدم هؤلاء الناس مصطلحات مثل "عدد قليل" أو "بعض من"، على عكس حياتنا التي يحكمها الأرقام، وبالمعنى التاريخي فلم يكن لدى البشر قبل 200 ألف عام تقريبا أي وسيلة لتمثيل الكميات بدقة، وما هو أكثر من ذلك أن نحو 7 آلاف لغة من اللغات الموجودة اليوم تختلف بشكل كبير في كيفية استخدام الأرقام، ويوضح المتحدثون باللغات الخالية من الأرقام كيف أعادت الأرقام تشكيل تجربة الإنسان، وتشمل الثقافات من دون أرقام أو برقم واحد أو اثنين لغة Munduruku ولغة Pirahã في الأمازون.
ودرس الباحثون أيضا بعض البالغين في نيكاراغوا والذين لم يدرسوا أي كلمات تعبر عن الأعداد، ودون الأرقام يعاني الأشخاص البالغون للتمييز بين الكميات، وفي إحدى التجارب وضع أحد الباحثين المكسرات في علبة واحدة ثم أزالها واحدة تلو الأخرى، وطلب من الشخص المشاهد الإشارة عند إزالة جميع المكسرات، وأشارت الاستجابات إلى أن الأشخاص الذين يتحدثون لغة خالية من الأرقام كان لديهم بعض المشاكل في تتبع عدد المكسرات المتبقي حتى في حالة وجود 4 أو 5 قطع فقط من المكسرات.
وتوضح التجربة وغيرها من التجارب السابقة أن الأشخاص الذين ليست لديهم كلمات للتعبير عن الأرقام يجدون صعوبة في التعبير عن الكميات وهو ما قد يبدو شيئا بسيطا بالنسبة إلى الأشخاص العاديين.تأتي دماغ الإنسان عامة مجهزة بمميزات كمية محدودة، إلا أن البشر ليسوا الأنواع الوحيدة الذين يمكنهم التمييز بين الكميات، حيث يقوم الشمبانزي والقرود الأخرى بهذه المهنة أيضا، كما تتميز أنواع أخرى بعيدة عن الثدييات مثل الطيور بإمكانية الاستدلال الكمي الأساسي مثل البشر، كما تبين أنه يمكن صقل الفكر الكمي لدى الببغاوات، ويصبح السؤال، كيف ابتكر البشر أرقاما غير طبيعية في المقام الأول، حيث إن معظم لغات العالم استخدمت القاعدة 10 أو 20 أو 5، وأصبحت هذه الأعداد الصغيرة هي أساس للأعداد الأكبر، ومن ثم فالإنجليزية لغة عشرية، ويتحدث البشر الإنجليزية كلغة عشرية وفقا للغة الأجداد proto-Indo-European، وهذا هو السبب في اشتقاق كلمة "5" من "اليد".
وتصبح النظم العددية نتيجة لعاملين رئيسيين هما القدرة البشرية على اللغة والميل إلى التركيز على الأيدي والأصابع، وساعد هذا التثبيت اليدوي على إنتاج الأعداد في معظم الثقافات وليس كلها، حيث تقدم الثقافات من دون أرقام نظرة ثاقبة على التأثير المعرفي من التقاليد الرقمية، على سبيل المثال اليوم محكوم بالدقائق والثواني ولكن هذه الدقائق والثواني هي أعداد لقاعدة 60 الرقمية المستخدمة في بلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين، وعلى الرغم من وجود أوجه معرفية مشتركة في كل المجتمعات البشرية فإن الثقافات المتنوعة تبني خبرات معرفية مختلفة.