واشنطن - سليم كرم
يسعى معرض جديد إلى كشف غموض المومياوات الحيوانية من التماسيح إلى ضمادات القطط المدفونة في دمى خشبية، حيث كان المصريون القدماء يعدون المومياوات بعناية بالملايين كنذور للآلهة، وبعد مرور آلاف السنين يسعى المعرض إلى كشف محتويات هذه المومياوات غير العادية للجمهور باستخدام الأشعة السينية وأشعة اكس.
ويهدف معرض الهدايا المقدمة للآلهة في متحف "مانشستر" إلى توضيح الخلفية وراء تلك الهدايا في سياق الحياة في مصر القديمة والتي تبدو الآن من الشعائر الدينية الغريبة.
ويتصور البعض أن مصر القديمة كانت أرضًا برية رملية لكنها كانت بلد مراع خصبة، ويوضح معرض التحنيط شكل الحيوانات المحنطة عندما كانت على قيد الحياة، ومن أغرب المومياوات الحيوانية في المعرض مومياء حيوان جاكال والتي تحتوى على شظايا من العظام البشرية.
وأفادت الباحثة ليديجا مكنايت من مركز "KNH" للعلوم الطبية المصرية القديمة في جامعة مانشستر في حديث لجريدة "ميل أونلاين" حول الموضوع: "حنط قدماء المصريين العديد من الحيوانات مثل القطط والكلاب والأسماك والتماسيح والقوارض والطيور والرباح، والأكثر دهشة هي المومياوات التي لا تحتوي على الحيوانات نفسها أو التي تحتوى على أكثر من نوع ملفوفين معًا".
وأوضحت الباحثة أنه من المعروف أن بعض المومياوات لا تحتوي على حيوان حقيقي، كما أنه أمر لا يهم المصريين الذين كانوا يشترونهم كقرابين للآلهة.
وأظهر العمل بواسطة جامعة مانشستر أن ما يصل إلى ثلث المومياوات الحيوانية التي تم فحصها لا تحتوي على حيوان حقيقي، ويحتوي الثلث الآخر على أجزاء من الحيوانات أما الثلث المتبقي فيحتوي على حيوان في الداخل.
وأضافت ليديجا: "جميع الحيوانات المحنطة من قبل المصريين القدماء لديها علاقات وثيقة بالآلهة، وذلك أساسًا بسبب الخصائص التي يشاركونها مع الآلهة أو من خلال ظهورهم في مواقع مهمة".
وتابعت: "على سبيل المثال كانت القطط مقدسة بالنسبة لباستيت الذي كان إلهًا للحرب، أما حيوان جاكال فكان مرتبطًا بأنوبيس إله التحنيط، وارتبط طائر أبو منجل مع تحوت إله الحكمة والكتابة ".
وتتخذ كثير من الآلهة المصرية أشكالًا حيوانية للتعبير عن طبيعتها التي تفوق طاقة البشر، ويهدف المعرض إلى استكشاف كيفية استخدام صور الحيوانات والتماثيل والمومياوات في التواصل مع الآلهة، وكانت المومياوات الحيوانية والتماثيل البرونزية من القرابين الأكثر شيوعا للآلهة، وسوف يتيح المعرض للزوار إمكانية الدخول إلى السراديب الجوفية للحيوانات.
وستوضع مومياوات الحيوانات في صفوف تتمحور حول نقطة مركزية للعبادة، ولكنه من غير الواضح كيفية تركيب مومياوات الحيوانات في الطقوس الدينية، فلا تزال الأدلة قليلة حول طبيعة وكيفية العبادة النذرية.
وأشارت ليديجا إلى أن المومياوات الحيوانية تقدم كعروض رمزية تُعطى للآلهة، وأن الشخص الذي يقدم النذر لا يعبد الحيوان نفسه أو المومياء، ولكن ينظر عليها باعتبارها رمزًا مناسبًا لأخذ صلواتهم إلى الآلهة، ويمكن رؤية دورهم كجهاز اتصال في الدين الشخصي، وفي حين عنى المصريون القدماء بشكل كبير بتحنيط البشر فيعتبر تحنيط الحيوانات النذرية تم بشكل متسرع بالمقارنة .
وأبرزت الباحثة: "هناك دلائل على وجود النطرون المستخدم في التحنيط وهو عبارة عن خليط من كربونات الصوديوم وديكا هيدرات، ولكن استخدامه مع الحيوانات ليس بنفس القدر مع تحنيط البشر، بالإضافة إلى استخدام مستحلب من شمع العسل وشجرة ريسينس، باختصار كان تحنيط الحيوانات أمر أكثر بساطة من تحنيط البشر".
وأشار التصوير الإشعاعي للمومياوات أن إزالة الأعضاء الداخلية لم تنفذ في كثير من الأحيان بما بسبب حجمها أو بسبب سرعة إجراء عملية تحنيط الحيوانات، ولكن بعض الأنماط الزخرفية المستخدمة في تحنيط الحيوانات لا تعكس ما نراه في مومياوات البشر في فترات معينة، حيث أعطيت مومياوات الحيوانات أحيانًا بعض الأغلفة التفصيلية مع الضمادات المتقاطعة بإسراف، مما يشير إلى استهلاك المزيد من الوقت.
ويلقي المعرض نظرة على الدراسة العلمية للمومياوات الحيوانية التي تجريها جامعة مانشستر، من خلال الكشف عما يوجد داخل المومياوات الملفوفة جزئيًا باستخدام الصور الفوتوغرافية والتصوير الإشعاعي والمقطعي والتصوير بالمجهر الضوئي، وسوف يتم عرض عينات محنطة من القطط والتماسيح والطيور وبعض القطع الأثرية مثل التماثيل الحجرية والبرونزية، بالإضافة إلى أعمال فنية تعود إلى القرن الـ 19 لم ترى من قبل في مصر القديمة.
وأردفت ليديجا: "هذا المعرض يسلط الضوء على الدور الذي لعبته بريطانيا في الكشف والتنقيب والجمع والبحث العلمي لدراسة الموضوع، وتقود جامعة مانشستر بتاريخها الطويل في مجال البحوث في المومياوات المصرية هذا البحث بما يساعد في إلقاء الضوء على المواد المتبقية من تلك الممارسة القديمة، ونأمل في كشف المزيد عن كيفية وسبب تحنيط هذه المومياوات الحيوانية".
ويعد معرض هدايا الآلهة والكشف عن المومياوات الحيوانية المعرض الأول للمومياوات الحيوانية الذي يعقد في بريطانيا، حيث أفاد الدكتور كامبيل برايس من متحف مانشستر: "المعرض يمثل فرصة لجمع مواد المومياوات من المواقع الأثرية المختلفة للمرة الأولى منذ أكثر من قرن، وسيضم المعرض أكثر من 60 مومياء بما فيها مومياوات لم يسبق لها مثيل".
ومن المقرر أن يفتح المعرض في متحف مانشستر في 8 تشرين الأول / أكتوبر حتى 17 نيسان / أبريل، قبل أن تذهب المومياوات للعرض في معرض ف"نون كيلفينغروف" ومتحف "غلاسكو" ومتحف "العالم" في ليفربول.