دبي ـ حسام أبو جبارة
تتميز بروكسل، بأنها أكثر المُدن الأوروبيّة اهتمامًا بالمعارض والأحداث الفنيّة والثقافيّة، التي تستأثر بمساحة مُهمّة في أجندتها السنويّة، ورغم أنها خامس أكبر مدينة في بلجيكا، إلا أنها عاصمة هذه المملكة الجميلة،
والعاصمة غير الرسميّة للاتحاد الأوروبيّ.وتحتل بلجيكا موقعًا مركزيًا في قلب القارة الأوروبيّة، فهي محاطة بثلاث دول رئيسة هي فرنسا وهولندا وألمانيا، ويفصلها عن بريطانيا بحر الشمال، مما جعل عاصمتها بروكسل من أهم العواصم الأوروبيّة، بل ويعتبرها الكثيرون العاصمة غير الرسميّة لأوروبا، بسبب وجود مجلس الاتحاد الأوروبي فيها، وهو الذراع القضائيّ للاتحاد الأوروبيّ، ويُشار إليه أحيانًا بعبارة "مجلس الوزراء"، كما تقع المفوضيّة الأوروبيّة في بروكسل أيضًا،
وفيها كذلك أحد الفروع الرئيسة الثلاثة للبرلمان الأوروبيّ (يقع الفرعان الآخران في ستراسبورغ ولوكسمبورغ)، ومقر حلف شمال الأطلسيّ (NATO)، الجهاز الدفاعيّ الأهم في القارة الأوروبيّة.ولا تتوقف شهرة بروكسل عند حدود السياسة، فهي أيضًا عاصمة الفنون والثقافة والأدب، ويشهد لها بذلك تاريخها المُتعمق في هذا المجال، وواقعها المعاصر النشط، ففي القرن الخامس عشر، قام فنانون بلجيكيون مثل جان فان إيك وروجيير فان دير ويدن، برسم لوحات تنم عن إخلاص عميق وعناية فائقة بالتفاصيل، وفي القرن الميلاديّ السادس عشر، قام بييتر بروجيل الأكبر برسم مشاهد مُفصّلة وغنية بالألوان من الحياة العامة، وأصبح أنطون فان دايك واحدًا من أهم رسامي البورتريه في القرن السابع عشر،
كما رسم بيتر بول روبنز أعمالاً ذاع صيتها بسبب ألوانها الزاهية وعاطفتها القوية، وظهرت صور الشياطين وصور الوجوه الغريبة في اللوحات الزيتيّة العديدة التي رسمها الفنان البلجيكيّ اللامع جيمس إينسور، في القرن التاسع عشر،وحقق كل من بول ديلفو ورينيه ماغريت، في أوائل القرن العشرين، شهرة للوحاتهم السرياليّة التي جمعت بين التصوير الواقعيّ والأحلام.وفي الموسيقى، أسهم جوهانز أوكيجهام وأورلاندو دي لاسو بشكل كبير في الموسيقى الغنائيّة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وفي القرن التاسع عشر، ألّف سيزر فرانك أعمالاً ممتازة للأوكسترا والأرغن والبيانو، وفي العام 1840م، اخترع أدولف ساكس آلة الساكسفون الموسيقيّة.
وفي مجال الأدب، تُعتبر الرواية الكوميديّة "أسطورة أولنشبيكل" لشارل دي كوستر العمل الأدبيّ البلجيكيّ الأكثر شهرة في العالم، كما فاز الأديب موريس ميترلينك بجائزة نوبل للآداب في العام 1911م، لمسرحياته التي تشمل "الطائر الأزرق" و"بيلسياس" و"ميليساندي"، وفي أواخر القرن التاسع عشر، ساهم كثير من البلجيكيين ممن كتبوا باللغة الفرنسيّة في مجلة سُميت بـ"بلجيكا الفتية"، وشكل عددٌ من هؤلاء الكتّاب والأدباء، ومن بينهم كميل لومونيه وإميل فيرهيرن، جماعة أدبية عُرفت أيضًا باسم "بلجيكا الفتية"، ولمعظم هؤلاء الفنانين والموسيقيين والأدباء والكتّاب معالم بادية للعيان، يمكن زيارتها والإطلاع عليها عن قرب في مختلف أحياء وشوارع بروكسل، بدءًا من البيوت والأماكن التي عاشوا وعملوا فيها، والتي تحول غالبيتها إلى مناطق ثقافيّة تخضع لحماية وإشراف الحكومة المحليّة بهدف المحافظة على التاريخ الفنيّ والثقافيّ العريق للمدينة وأهلها، كما تحمل الشوارع أسماء هؤلاء المشاهير الذين يفتخر بهم سكان بروكسل، ويعتبرونهم مصدر إلهام لكل مُقيم في المدينة.
ولا تتوقف أهمية بروكسل كعاصمة للفنون والثقافة عند حدود المجد الغابر الذي تركه أبناؤها، وإنما تتعداه لتصل إلى سلسلة متواصلة من الأحداث والمعارض والمؤتمرات التي تكاد تكون واقعًا يوميًا يعيشه كل من يقيم في المدينة أو يزورها، فإعلانات هذه الأنشطة تملأ وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، إضافة إلى الشوارع الرئيسة وأعمدة الإنارة، معرض شخصي لأحد الفنانين هنا، وعرض لمسرحية غنائيّة هناك، أيام للاحتفاء بذكرى مولد أحد الشعراء، وأخرى لعرض أعمال تشكيليّة لفنان شهير.
وتحتوي بروكسل على عددٍ كبيرٍ من المتاحف المُتخصّصة في شتّى أنواع الفنون والاهتمامات، وأشهرها "متحف الشوكولاته" الذي يؤرّخ لرحلة البلجيكيين مع هذه الحلوى اللذيذة، ويكشف أسرار تميّزهم فيها، حيث تعتبر الشوكولاته البلجيكيّة الأجود والألذ على مستوى العالم، وهناك متحف آخر للرسوم الكاريكاتوريّة التي تميز بها البلجيكيون أيضًا، إذ تصدر في بروكسل وحدها عشرات المطبوعات اليوميّة والأسبوعيّة والشهريّة التي لا تنشر على صفحاتها إلا الكاريكاتير الساخر والقصص المصوّرة، والتي تحول بعضها إلى مسلسلات وأفلام شهيرة.