القاهرة ـ خالد حسانين
تعد منطقة "وسط البلد" قلب القاهرة النابض، والشاهد على تاريخ مصر الحديث، منذ عهد الخديوية وإلى يومنا الحاضر، بكل متغيراته، قبل وبعد ثورة "اللوتس". توجه "المغرب اليوم" إلى منطقة وسط البلد، ليقدم تاريخ تلك المنطقة، وأهم ما فيها من أماكن سياحية، تشعرك بدفء التاريخ، وعراقة الإنسان، فضلاً عن كتابة الحاضر، واستشراف المستقبل
.
وتتميز المنطقة بميادين عدة، وشوارع تفضي في دائرة ميدان التحرير، منها شارع البستان، وشارع طلعت حرب، وشارع محمد محمود، وشارع القصر العيني، والتي تبدأ جميعها عند ميدان التحرير أو تنتهي فيه لتتوسع حلقات المنطقة وتشمل أحياء وسط القاهرة، والموسكي، وباب الشعرية، والعتبة، ولاظوغلي، وقد بناها الخديوي إسماعيل، لتكون واجهة مشرفة لمصر، وقد تم تخطيطها وتصميمها على أحدث الطرازت الأوربية، وتم إدخال الإضاءة في شوارعها، قبل أن تدخل شوارع باريس.
ويُعد ميدان التحرير، حديث العالم، ومسرح أحداث الثورة المصرية، منذ الـ 25 من كانون الثاني/يناير 2011، ورمز الحرية في العالم الآن، حيث حظي بشهرة عالمية، لاعتباره مكان تجمع، وانطلاق الثوار، خلال الثورة وبعدها.
ومن ميدان التحرير يتفرع شارع التحرير، الذي توجد في محيطه منطقة باب اللوق، حيث اسواق الكمبيوتر، واتحاد الغرف التجارية، وينتهي عند قصر "عابدين"، أشهر قصور مصر، الذي شهد سنوات الحكم، والعديد من الأحداث التاريخية الهامة، منذ العهد الملكي، حتى العصر الحديث، وأهمها حادثة أحمد عرابي ضد الاحتلال الإنكليزي، عندما قال مقولته الشهيرة "لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا عبيدًا".
ويعد قصر "عابدين" تحفة تاريخية نادرة، بالشكل الذي جعل منه متحفًا يعكس الفخامة التي شيد بها، والأحداث الهامة التي شهدها، منذ العصر الملكي، وحتى قيام ثورة يوليو 1952، والذي يحرص الكثير من المهتمين بالمتاحف على زيارته، لأنه من أهم وأشهر القصور، التي شيدت خلال حكم أسرة محمد علي، حيث كان مقرًا للحكم من العام 1872 حتى العام 1952.
ومع الاتجاه يمينًا، تصل إلى منطقة "لاظوغلي"، حيث مقر وزارة الداخلية المصرية، بتحصيناتها الحالية، بعد أن كانت رمزًا لقوة الدولة، والمكان الأكثر جدلاً، والذي يخافه الناس، ويتحاشون الاقتراب منه، وما إن قامت الثورة، حتى صار مركزًا للمظاهرات، والهجوم عليه كل فترة من جانب الثوار، وغيرهم، سواءًا من التيار المدني أو الإسلامي، وقرب وزارة الداخلية، تجد وزارة العدل، وعلى بعد بضعة كيلومترات توجد وزارة الصحة، التي يقع بالقرب منها مقر مجلسي الشعب والشورى، ومجلس الوزراء (أي أنها منطقة الحكومة المصرية كلها)، ومعظمها تقع في شارع "القصر العيني"، الذي تجد في نهايته نقابة الأطباء، في مبنى يسمى بـ "دار الحكمة"، والتي تأسست عام 1920.
ومن ميدان التحرير أيضًا تستطيع الوصول نحو كورنيش النيل، الذي يضم العديد من الفنادق الفخمة، مثل سمير أميس، وشبرد، وجراند حياة، والفورسيزون، وهو مكان التقاء العشاق من الشباب، الذين يملأون الكورنيش صيفًا بثنائيات جميلة، ترسم لوحة إنسانية فريدة من العشق، والتواصل الإنساني، حتى في وقت التظاهرات والمشاكل، وسواءًا من البسطاء، الذين يسيرون بضعة كيلومترات على النيل، أو مرتادي البواخر الفخمة، المتراصة على جانبي النيل الساحر.
وشارع طلعت حرب، هو أحد الشوارع المتفرعة من ميدان التحرير، وأهم ما يميزه تمثال طلعت باشا حرب، رمز الاقتصاد المصري، ومقهى "ريش" الثقافي، الذي ارتاده عمالقة الفكر والثقافة المصرية، وفي ميدان طلعت حرب، تجد مقهى "جروبي" الشهير، وأيضًا عمارة "يعقوبيان"، المنسوبة إليها الرواية الشهيرة للكاتب علاء الأسواني، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي حصد العديد من الجوائز، فضلاً عن دور السينما، ومنها سينما ومسرح ميامي. ومن ميدان طلقت حرب يتفرع شارع قصر النيل، الذي يُعد أهم الشوارع التجارية، حيث تصطف المحلات التجارية على جانبيه، وتجد هنا البورصة المصرية، وينتهي الشارع عند ميدان الأوبرا، والذي يقع على ناصيته مسجد "الكخيا" الأثري.
ويلتقي شارع طلعت حرب مع شارع "26 يوليو"، الذي يرمز لثورة يوليو، والذي يتميز بوجود دار القضاء العالي، ذو المكانة القضائية العريقة، ورمز العدالة في مصر، والذي تقع بالقرب منه نقابتي المحامين والصحافيين، كبري النقابات المصرية، من حيث التأثير السياسي.
وعلى امتداد شارع "26 يوليو" تجد مثلث "ماسبيرو"، الذي يضم وكالة البلح، أشهر أمكان مصر التجارية القديمة، وأرخصها، وهنا ستجد مبنى "ماسبيرو"، الذي يضم التليفزيون المصري، وبجواره مبني وزارة الخارجية الشاهق، المطل على كورنيش النيل، وعند العودة يسارًا، تتوجه إلى ميدان عبدالمنعم رياض، والمتحف المصري، المطل على ميدان التحرير، وفندق هيلتون الشهير.
وفي شارع "26 يوليو" تجد بعض المحلات التجارية، والفنادق القديمة جدًا، صغيرة الحجم، ومنازل تحتفظ بالطابع القديم، والفخامة في البناء، والشكل الخارجي، ومنه إلى منطقتي العتبة، والموسكي، وهنا ستجد دار الأوبرا القديمة، أو دار الأوبرا الملكية، التي افتتحت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1868، واحترقت في حريق القاهرة الكبير، في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1971، والتي كانت تعد دار الأوبرا الأولى في أفريقيا والشرق الأوسط.
وبنيت دار الأوبرا بأمر من الخديوي إسماعيل، للاحتفال بافتتاح قناة السويس، وقام المعماريان بيترو أفوسكاني (من ليفورنو)، وروتسيي، بتصميم مبنى الأوبرا، وقد صنعت من الخشب، وكانت تسع 850 مقعدًا، والتي حل محلها الآن موقف كبير للسيارت، فيما يظل تمثال إبراهيم باشا قائمًا في مكانه مطلاً على منطقة وسط البلد، وهو آخر الميادين التي بنيت في عهد الخديوي إسماعيل، ليكون الحاجز ما بين وسط البلد وأحياء القاهرة القديمة والحديثة الأخرى.
ومن ميدان الأوبرا (إبراهيم باشا)، تجد منطقة العتبة، أكبر الأسواق الشعبية المصرية، حيث مئات المحلات المتناثرة في الشوارع الرئيسية والفرعية، تقدم بضاعتها لأبناء الطبقة الوسطى والفقيرة، ويتوافد عليها الآلاف يوميًا.