الدار البيضاء: سعيد بونوار
قبل أن ترسل أشعة الشمس خيوطها من صباح الخميس في الدار البيضاء، معلنة عن إطلالة ثاني أيام عيد الأضحى المبارك في المغرب، تسللت أجساد آدمية لتحتل جنبات من درب البلدية "العتيق" تحمل أكياسًا وتجرّ عربات يدوية، وترجل آخرون من سيارات فارهة، إنها الطلائع الأولى لسوق شعبي لا يظهر إلا مرة في العام، وبضاعته الأساسية والمتفردة هي "اللحم المتصدق به". سيناريو يتكرر كلّ عيد أضحى معلنًا عن تجارة غريبة تمتد لساعات قليلة ثم تطوى إلى العام المقبل، ومكانها رصيف أزقة متسخة توضع فوقها أكوام اللحم غير المتجانس، وهو اللحم المتحصل من صدقات العيد.بلا صراخ أو ضجيج، وخوفًا من عيون السلطات يتوجه العشرات من المتسولين إلى الأزقة المُشار إليها لعرض ما حصلوا عليه من اللحوم، وانتظار زبائن خاصين للحم العيد المتصدق به، وهم في أغلبهم من ملاك المطاعم، أو باعة النقانق أو جزارين محترفين، ويتم الاتفاق على البيع بالكمية دون ميزان، حيث يرمق المشتري البضاعة الموضوعة على الأرض في غياب أبسط الشروط الصحية، ويجري الإتفاق على الثمن وتحميل اللحم إلى السيارة، ولا تخضع المساومة بين البائع المتسول والمشتري لأي نظام أسعار.وتؤكدّ إحدى المتسولات عائشة لـ"المغرب اليوم" أنها "نحصل على كميات كبيرة من اللحم خلال العيد، وأنا شخصيًا أتوجه مباشرة إلى هذا السوق من أجل بيع ما حصلت عليه، أنا لا أملك ثلاجة حتى أحتفظ به في البيت، وبيعه أحسن من تركه يتلف". ويرى عزيز أن بيع لحم العيد المتصدق به، لا عيب فيه، فالمتسولون لا يمكنهم أكل كلّ هذه الكميات الضخمة، لذلك فهم يعرضونها للبيع ويجنون أموالا طائلة من ذلك. ويعدّ لحم العيد مناسبة سانحة لأصحاب المطاعم الشعبية الذين يشترون كميات كبيرة بأثمان بخسة، ويحتفظون بها في ثلاجات ويعيدون بيعها مطبوخة لزبنائهم، كما أن باعة النقانق الذين يغزون أحياء الدار البيضاء يجدون في لحم العيد المتصدق به، ملاذًا لمواجهة ارتفاع أسعار اللحوم.ويحذر الطبيب البيطري عبد الرزاق المعاوي كثيرًا من هذا البيع العشوائي، ويرى أنه ينطوي على مخاطر صحية جمّة ويؤكدّ لـ"المغرب اليوم" أن "بيع لحم العيد بهذه الطريقة غير صحي، ومحاربة الظاهرة ينبغي أن تكون من الأولويات، فصحة المواطن أولى من أي اعتبارات اجتماعية أخرى".