بغداد – نجلاء الطائي
في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، يحاول شبابها الدخول خلسة إلى صالونات حلاقة هي في الأساس محال للوشامين الذين يعملون بالخفية، خوفا من مطاردة الأجهزة الأمنية وفرق التفتيش الصحية. زبائن الوشامين من كلا الجنسين، شباب وشابات في بعض الأحيان، وبالطبع تختلف الأذواق والأمزجة والموضات، فبعضهم يسارع لتجريب أي جديد، والبعض الآخر يفضل وشماً معيناً لفترة زمنية محدودة، ثم يقوم بإزالته وتجريب غيره، وهناك من يندم على فعلته ويحلف أن لا يعيدها. البداية، وعن دخول ظاهرة التاتو إلى الناصرية يقول أحد الوشامين ل"العرب اليوم "، وهو خريج معهد الفنون الجميلة، فضل عدم ذكر اسمه، إن "دخول التاتو إلى ذي قار بدء بعد العام 2003". ويضيف "حولت موهبتي في الرسم إلى وسيلة أجسّد من خلالها ما يدور في العالم الخارجي من عائدات وتقاليد غير موجودة لدينا، وطوّرتُ هذه الموهبة في الوشم من خلال كراريسَ خاصة بالتاتو أو عن طريق الانترنت". ويتابع بالقول "أدخلنا هذه المهنة إلى ذي قار بشكل سري ولا زلنا نعمل بها حتى الآن خفية خوفا من المراقبة والمنع من قبل الأجهزة الامنية وفرق التفتيش التابعة لدائرة الصحة، كوننا نعمل بدون إجازة لممارسة هذا العمل". ويوضح الوشام "عملنا بجد لإدخال وسائل متطورة في مجال الوشم وتجاوز الوسائل البدائية المعمول بها في السابق وهي الأبر والمواد المصنعة يدويا باستخدام الحبر (الجيني)". يذكر أن الحبر (الجيني) وهو حبر خاص كان يستخدم في العراق للوشم منذ زمن بعيد وحتى وقت قريب قبل دخول الأحبار والمواد المستخدمة في التاتو. الفراغ يروج للتاتو ويرى الوشام أن "لجوء عدد كبير من الشباب لعمل وشوم في مناطق محددة من أجسادهم جاء بسبب الفراغ الذي يعيشونه، خاصة العاطلين عن العمل"، مضيفاً أن "اختيار أنواع من الصور أو الأسماء الخاصة لينقشها على جسده تضفي جمالية على أجسادهم أو يعتبرونها مصدر قوة". ويختتم حديثه قائلاً "الوشم لا يختلف عن الحجامة أو العلاج باستخدام أنواع من النقش التي كان يستخدمها آباؤنا وأجدادنا أو تستخدم لأغراض الجمال أو لجذب الشخص الآخر". ويبين أن الزبائن "بأعمار 18 سنة فما فوق وأحيانا بعض من كبار السن، لكن اللافت هو أن رغبة الفتيات بالوشم أكبر من الفتيان لكننا نرفض عمل الوشم لهن". يشار إلى أن التقاليد والأعراف الاجتماعية العراقية تبيح للنساء وشم وجوههن ومعاصم وكفوف وأصابع الأيدي والأرجل، سواء للفتيات الصغيرات أو الشابات أو الكبيرات في السن، وتعده نوعاً من الزينة المسموح بها وخاصة في المحافظات الوسطى والجنوبية والغربية، وفي المناطق الريفية في جميع المحافظات العراقية، على العكس من التاتو الذي تتحفظ منه العوائل العراقية في المحافظات والمناطق المذكورة. للتاتو أسعاره ويؤكد الوشام "عدد زبائني زاد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة كوننا نعمل الوشم بشكل حديث جدا وباستخدام أساليب وأجهزة متطورة ومعقمة جيداً، لاسيما وأننا نركز على النظافة في عملنا خوفا من انتقال الأمراض". ويوضح أن أسعار الوشم "تبدأ من 100 دولار إلى 400 دولار، بحسب نوعية وحجم الوشم المراد نقشه والأجهزة المستخدمة، أو بحسب عدد الجلسات". ويشير إلى أن "أنواع الوشم تختلف بحسب رغبة وذوق الشباب، فالبعض يميل إلى النقوش، والبعض الآخر يفضلون الطيور، وغيرهم ينقشون أسماء أقارب أعزاء فقدوهم، وهناك من يرغب بزخارف ملونة في منطقة الظهر أو على الساعد، وآخرون يطلبون نقش الطلاسم"، مبيناً "نعرض للزبائن كراس يحتوي النقوش الحديثة والمميزة ليختاروا منها". تاتو نسائي صاحب محل آخر متخصص بإزالة الوشم وما يعرف بـ"تاتو النساء" طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الوشامين الرجال لا يقومون بنقش تاتو النساء بل هناك فتيات متمرسات يقمن بذلك في محال خاصة، ويتم عمل نقوش خاصة على حواجب الفتيات". وبخصوص إزالة التاتو يبين "إزالة الوشم تستغرق نحو 20 يوماً وهناك طريقتان لإزالته، الأولى تقليدية وتتم بالكي ويبلغ سعر الجلسة 80 ألف دينار، والثانية بالليزر وبسعر 75 دولار للجلسة". ويشكو صاحب المحل من مطاردة الأجهزة الأمنية وفرق الرقابة الصحية لهم على الرغم من وجود محال مميزة في العاصمة بغداد ومحافظة البصرة، "إلا أن ذي قار تمنع ذلك بشدة من دون معرفة الأسباب، مؤكداً "نحن نطمح للحصول على إجازة ممارسة مهنة، لكننا لا نعرف من أين نحصل عليها ومن أية الجهة المسؤولة عن إصدارها". تقليد النجوم الشاب أحمد وادي، كان موجوداً في محل وشام، سبب رغبته بعمل التاتو، مبيناً "حبي لتقليد المشاهير لاسيما لاعبي كرة القدم زاد من اهتمامي بوشم بعض الرسومات على أماكن محددة من جسمي". ويضيف ل"المغرب اليوم "،"أنا افتخر بهذه الرسومات أمام أصدقائي بل أنها أصبحت علامة تميزني". ويستدرك وادي "في البداية كنت متخوفاً من حصول مضاعفات صحية للوشم، إلا أن تشجيع الأصدقاء ممن سبقوني في ذلك دفع بي إلى ارتياد أماكن متخصصة لهذا الغرض"، مبيناً "استغرقت وقتاً طويلاً لإتمام هذه الرسومات وبعد الانتهاء منها ترددت في الكشف عنها لكن وجدت أن هناك تقبلاً لها والجميع ينظر لي باهتمام لاسيما الجنس اللطيف". المخاطر الصحية مدير قسم الصحة العامة في دائرة صحة ذي قار الدكتور حيدر علي، يحذر ، من أن "الوشم وسيلة لانتقال مجموعة من الأمراض، أبرزها التهاب الكبد الفايروسي بنوعيه (B و C)، وكذلك مرض العوز المناعي الإيدز، خاصة إذا تمت عملية الوشم بأيد غير مهنية". ويضيف "الأبر المستخدمة في عمل الوشم تمثل عاملاً مساعداً لنقل الأمراض من الإنسان المصاب إلى السليم"، مشيرا إلى أن "دائرة الصحة لا تمنح إجازات عمل لمحال عمل الوشم، وستغلقها وتقدم أصحابها للمساءلة القانونية". اكسسوار جسدي الخبير النفسي لبرنامج "ثقافتنا النفسية" كريم الفارس، يرى في تصريح ل"العرب اليوم "أن "الوشم ظاهرة أخذت تحتل مساحة ليست بالقليلة من اهتماماتنا اليومية، وأيضا بدأت تشكل ضغطاً ماديا على الأسر، كونها أصبحت من مكملات الجمال لدى من يبحث عن الجمال الظاهري وخاصة الشباب، وشريحة المراهقين الباحثين عن التميز ولو بالمظهر فقط". ويبين "نظرا للتطور الذي شهده العراق في مختلف النواحي الحياتية، بدأت هذه الظاهرة تتسع بشكل كبير جدا، بينما كانت محصورة لدى عدد محدود من أفراد المجتمع، كالسجناء أو الذين يعانون من مشكال نفسية واجتماعية، تقع تحت عنوان مشكال التوافق النفسي والاجتماعي". تاريخ الوشم ويلفت الفارس إلى أن "الوشم كان ينتشر بين الشخصيات المضطربة وخاصة اضطراب الشخصية الماسوشية والشخصية الاستعراضية، إذ يتلذذ هؤلاء الأشخاص غير الأسوياء بالألم الناتج عن الوشم". وفي الوقت نفسه، يبنه الفارس إلى أن الوشم "وجد منذ القدم في المجتمعات القديمة". ويعزو أسباب اللجوء للوشم إلى أسباب عدة منها "البطالة وما تسببه من فراغ لدى الشباب، وأيضا التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع، وكذلك ندرة البرامج الإستراتيجية التي تنهض بالإنسان والمجتمع وتعزز الثقة بالنفس وتبعده عن اللجوء للوشم كوسيلة تعويضية عن نقص ما يشعر به". ويضيف الفارس "كما لا يمكننا إنكار ظاهرة الاغتراب التي يعاني منها إنساننا الحالي نظرا لاتساع المسافة السيكولوجية بين أفراد الأسرة الواحدة، وكذلك ابتعاد الآباء عن الابناء لفترات ليست بالقصيرة". دلالات الوشم ويلمح إلى أن "بعض علماء النفس يرون أن الوشم يتخذ دلالات وأشكال متنوعة ولكن تغلب عليها إيحاءات العنف والقوة بالنسبة للرجل، وإيحاءات جنسية متنوعة بالنسبة للمرأة"، مستدركاً "ولابد من التأكيد على أن إظهار إيحاءات القوة والعنف لا يعكس بالضرورة واقع حال الشخص، إذ ربما يلجأ الشخص الضعيف الخائف إلى إظهار ما ليس فيه للشعور بالطمأنينة والأمان". فيما يقول الناشط المدني حيدر يعقوب، إن "ظاهرة التاتو استشرت في مجتمعاتنا بعد عام 2003، وهي ظاهرة طارئة ومرفوضة ولا تمثل القيم الاجتماعية والأخلاقية ويرفضها العرف العشائري والقبلي على حد سواء". ويدعو يعقوب "المؤسسات الحكومية والدينية والاجتماعية إلى أن تأخذ دورها في وضع إيديولوجية لمحاربة هذه الظاهرة الطارئة"، معتبراً انتشار هذه الظاهرة في مدينة الناصرية "تهديدا خطيرا لبنية النسيج الاجتماعي والعشائري، وكيان العائلة من الناحية القيمية والأخلاقية، فبعض الآباء يشكون من ارتياد أبناءهم وبناتهم لمحال الوشامين تحت عنوان الحرية الشخصية والانفتاح".