الرئيسية » تحقيقات
الحمامات المغربية

الرباط-المغرب اليوم

«سْوا اليوم سْوا غداً.. الحمام لا بُدّا (سواء اليوم أو غداً فالحمام ضروري)» بهذه العبارات شقَّت نسوة عاملات بالحمامات الشعبية في الدار البيضاء عدداً من أزقة وشوارع أكبر المدن المغربية التي حتَّم عليها الحجر الصحي وارتفاع أعداد المصابين بفيروس «كورونا» إقفال مجموعة من المرافق ومن بينها الحمَّامات.مرت ثمانية أشهر طويلة على إغلاق الحمامات التقليدية في الدار البيضاء دون أي بصيص أمل في إعادة فتحها أمام أهالي المدينة، على الرغم من فتح أبواب الآلاف منها في مدن مغربية أخرى عقب التخفيف التدريجي للحجر الصحي ابتداء من يونيو 2020 الماضي.

وقبل أيام قليلة، تناقلت وسائل إعلامية محلية أنباء عن قرار بإغلاق جميع الحمامات التقليدية والعصرية يشمل كل المدن المغربية دون استثناء، إلى حين تحسن الوضعية الوبائية في المملكة حماية لصحة المواطنين، الأمر الذي نفاه ربيع أوعشى، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات أرباب ومستغلي الحمامات التقليدية والرشاشات في المغرب.وقال إن قرار الإغلاق شمل حمامات مدينتي الرباط وسلا فقط لأسباب صحية على أن يتم فتحها لاحقاً، لافتاً إلى غياب أي قرار رسمي صادر عن وزارة الداخلية والقائل بإغلاق الحمامات بربوع البلاد «نؤمن ببلاغات الداخلية لا بالأخبار والشائعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي» يقول أوعشى.وأوضح أن الجامعة الوطنية لجمعيات أرباب ومستغلي الحمامات التقليدية والرشاشات في المغرب ما زالت تطرق جميع الأبواب من أجل إيجاد حل للموضوع، وفق ما تكفله القوانين والدستور المغربي، واستطرد قائلاً: «راسلنا المسؤولين والتقينا رؤساء الفرق الحزبية دون استثناء، ونستعد للتواصل مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، فإذا غلقت جميع الأبواب دوننا سنقوم باستعطاف الملك محمد السادس، لأنه سيعطف علينا».

غضب وسخرية

وإلى جانب حمامات الدار البيضاء، يشمل الإغلاق التام كلاً من فاس والقنيطرة وأغادير لتنضاف إليها مؤخراً مدينتا سلا والرباط. وعرفت عدة مدن مغربية احتجاجات مطالبة بالسماح للحمامات باستئناف نشاطها بشكل عادي، كما انتشرت موجة من الغضب والتندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.ودعت نقابة «الحمَّامات والرشاشات العمومية للاتحاد العام للمقاولات والمهن بالدار البيضاء» الأرباب إلى إجراء خبرات للوقوف على مدى الأضرار التي ألحقت بحماماتهم وتجهيزاتها من أجل الاستعداد لرفع دعوة قضائية ضد الحكومة المغربية من أجل التعويض عن الضرر».واستغربت النقابة من القرار الحكومي القاضي بتمديد «فترة الحجر الصحي لمدة أسبوعين إضافيين، مع الاحتفاظ بجميع الاحترازات المتخذة من قبل ومن بينها الإبقاء على إغلاق الحمامات وهو قرار حكومي وليس بقرار ولائي أو عاملي» تقول الهيئة النقابية.

بالنسبة لأوعشى الذي نعى القطاع مؤكداً تعرضه لانتكاسة كبيرة، فإن المشتغلين بالحمامات يعانون الأمرَّين، وتساءل: «كيف ستكون نفسية عامل لم يشتغل منذ شهور؟».تشكل «الكسّالات» وهن النساء اللواتي يعملن داخل الحمامات التقليدية في المغرب، الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة اقتصادياً واجتماعياً، ويُقدِّمن خدمات متعددة للزبونات، ابتداء من دهن مواد طبيعية على أجساد الزبونات كالحناء والصابون الأسود المغربي (البلدي) وتقشير الجلد والتدليك مما يجعل النساء يتمتعن ببشرة ناعمة ونظيفة‬ ويتخلَّصن من التعب والتوتر.18 عاماً قضتها «مي حليمة» في هذه الحرفة، متنقلة ما بين فضاءات الحمام ذات درجات الحرارة المتناقضة ما بين الخارجي البارد – حيث تضع النسوة أمتعتهن ـ وبين قاعات الاستحمام الداخلية الثلاث التي تتدرَّج فيها درجات الحرارة من الأبرد إلى الأكثر سخونة.

وعلى الرغم من كل المجهودات التي تبذلها العاملة الخمسينية بأحد الحمامات التقليدية في مدينة سلا (قريباً من الرباط) فإن أجرها اليومي تتقاضاه في الأساس من الزبونات ويُحدَّد على الغالب في 5 دولارات للواحدة، ويبقى لكل زبونة أن تجود بما تستطيعه فوق عتبة الأجر المتعارف عليها.«ساعات طويلة أقضيها في الحمام تصل إلى عشر ساعات، متنقلة ما بين مكان ساخن ومليء بالبخار ومكان بارد حيث أنتظر إشارة من إحدى الوافدات لأتبعها من جديد نحو الداخل» تحكي «الكسَّالة» متابعة: «في آخر اليوم يكون لزاماً عليَّ أن أمنح صاحب الحمام يومياً ثلاثة دولارات، وأربعة يومي السبت والأحد، على اعتبار أن التوافد على الحمام يزيد خلال عطلة نهاية الأسبوع».بالنسبة لحليمة وزميلاتها، فإن جائحة «كورونا» كانت بمثابة كابوس جثى على صدورهن، تحكي مي حليمة بأسى وأسف كبيرين «عشت على معونات الدولة خلال بداية الحجر الصحي المنزلي، قبل أن يتم السماح بفتح الحمامات من جديد وإن بقي التوافد قليلاً بسبب الخوف من العدوى، قبل أن يتقرر إعادة إغلاقها منذ أيام».

طقوس لا تتقادم

«للاَّ (سيدتي) زينة وزادها نور الحمام» مثل شعبي مغربي يؤكد أن الحمام لا يزيد المرأة إلا نوراً وجمالاً، وسر المغربيات يتمثل في المراحل أو «البروتوكول» الذي يتَّبِعنه منذ ولوجهن الغرفة الأولى للحمام (الأقل سخونة) حيث يبدأن بتدليك ناعم لكامل الجسد بالاستعانة بالصابون الأسود المغربي (الصابون البلدي).للمغربيات علاقة وطيدة مع الحمام، فعلى الرغم من المشاغل الكثيرة والضغط اليومي لا بد من زيارة أسبوعية واحدة على الأقل للحمام الذي لا يعد مكاناً للنظافة فحسب بل فرصة للاسترخاء، وحتى عِمارة الحمام الشعبي المغربي تختلف عن باقي البنايات المجاورة له بنوافذ خاصة وفسيفساء مميزة، وثلاث غرف فسيحة وساخنة تؤدي إحداها إلى الأخرى، فيما يُخفِّف البخار من وَهَج الإضاءة.بداية، يُستعمل «الصابون الأسود» وهو أفضل أنواع الصابون، ويصنع من مواد طبيعية ودون مواد حافظة معتمداً على خصائص مرطبة ومغذية، وقد يُمزج بزيوت عطرية وببعض الأعشاب التجميلية الطبيعية.
قبل المرور للتَّقشير، وهي عملية حك الجلد برفق قصد التخلص من الجلد الميت، لا بد للمستحِمَّة أن تنعش جسدها بخليط الحناء والقرنفل والريحان ما يجعل النساء يتمتعن ببشرة مشرقة وناعمة ونظيفة.

ولعل آخر خطوة تختم بها المستحمة مُتعَتها هي تدليك وتمديد الأطراف للتَّخلص من تعب أسبوع كامل، وهي العملية التي يطلق عليها «تْكسال» ومنها اشتقت تسمية العاملات بالحمامات التقليدية بـ«الكسَّالات».بالعودة إلى «مي حليمة» فهي لا تعلم كم من الوقت ستتوقف فيه عن العمل وإن كان إعادة فتح الحمامات بمدينتها سيتأخَّر، أم إنها مسألة أسبوع أو اثنين، كل ما تعلمه أن عليها العمل بشكل يومي ضماناً لقوتها وقوت والدتها وابنيها. أما ربيع أوعشى رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات أرباب ومستغلي الحمامات التقليدية والرشاشات في المغرب، فما زال ينتظر انفراجةً عساها تكون قريبة، بعد تلقيه وعوداً من طرف مسؤولين وسياسيين، ممن أبدوا تفهمهم وتعاطفهم مع الملف واعدين بنقله نحو قبة البرلمان.

قد يهمك أيضا:

 السماح لحمامات كلميم في المغرب باستئناف عملها

 تفاصيل جديدة بشأن فتح الحمامات في الدار البيضاء

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

دول الجوار ترفع التأهب مع تطورات سوريا وإسرائيل تحشد…
مسودّة الاتفاق الذي تم التوصّل إليه بين حزب الله…
تقرير سري لـ"البنتاغون" يكشف عن أعطال في المقاتلة "إف-35"…
إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7…
منظمة الغذاء العالمي تكشف أن إسرائيل تقيد عمل المخابز…

اخر الاخبار

وزير الداخلية المغربي يؤكد الاهتمام الذي يوليه الملك محمد…
وفد برلماني شيلي يشيد بدينامية المشاريع التنموية بمدينة الداخلة
وزير الخارجية الأميركي يُشيد بالشراكة مع المغرب في مجال…
لفتيت يُبرز مجهودات وزارة الداخلية لمحاربة البطالة ودعم المقاولات…

فن وموسيقى

سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…
المغربي حاتم عمور يستنكر عدم حصوله عن أي جائزة…
منى زكي تؤكد أنها تتأنى دائما في اختياراتها لأعمالها…

أخبار النجوم

الفنانة زينة تكشف عن مفاجأة جديدة في مشوارها الفني
تامر حسني يشوق جمهوره لدويتو مع رامي صبري
أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
أحمد السقا يكشف عن مفاجأة حول ترشحه لبطولة فيلم…

رياضة

المغربي أشرف حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024
نجم منتخب البرازيل وريال مدريد فينيسيوس جونيور يفوز بجائزة…
ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح
يوسف النصيري يواصل تألقه رفقة فريقه فنربخشة في الدوري…

صحة وتغذية

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…
اختبار عقاراً جديداً يُعيد نمو الأسنان المفقودة
المغرب يُنتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في أفريقيا

الأخبار الأكثر قراءة

مكتب نتنياهو يواجه 5 قضايا بعضها قيد التحقيق
نتنياهو قلق من انتقام محتمل لبايدن بعد فوز ترامب…
اليونيسيف تُحذر من آثار خطيرة للحرب الإسرائيلية المستمرة في…
واشنطن تتجاهل مئات التقارير عن استعمال الأسلحة الأميركية في…
700 عائلة إسرائيلية تسجل للاستيطان في غزة وحماس تنتقد…