حلب ـ نور خوام
كشف الجراح البريطاني، ديفيد نوت، عن تفاصيل إصابات الأطفال في إحدى المستشفيات الميدانية السورية، مشيرًا إلى أنه "قضيت الأسبوع قبل عيد الميلاد في إحدى المستشفيات الميدانية في سورية مع الأطفال الجرحى الذين تتأرجح حياتهم بين الحياة والموت، ويمكن القول أنني رأيت طفلتي في الطفلة اليتيمة مرام وعمرها 5 أشهر، لقد قمت بالعديد من الرحلات إلى سورية لعلاج المصابين لكن هذا الأسبوع كان الأكثر حزنًا والذي قضيته مع الأطفال في حلب، وبعد التعرّض إلى هذا الاستفزاز العاطفي عدت إلى لندن وكنت أتوق لعناق ابنتي وعمرها 17 شهرًا وزوجتي وعائلتي، إلا أن مرام لم تغب عن ذاكرتي وأجد نفسي أستيقظ ليلا وأشعر بالقلق عليها".
وأضاف نوت أنه "رأيت مرام لأول مرة في 20 ديسمبر/ كانون الأول بعد بضعة ايام من إجلائها من حلب في سيارة إسعاف، وأصيبت ساقيها وذراعها الأيسر في تفجير أدى إلى مقتل والديها واصابة شقيقيها، وكانت هناك جزء من القذيفة ضمن جروحها ولكن لأن الأطباء في حلب نفذوا من الضمادات والمواد المطهّرة فلم يكن لديهم خيار سوى العمل على أنسجة جسمها الملوّثة، وكنت أنظر إلى مرام على الطاولة وهي تبكي لأنها جائعة ومتعبة وتشعر بألم عظيم، ليس هناك أطباء للأطفال في حلب أو في المستشفى التي كنت أعمل فيها، وليس هناك شخص مؤهّل لاتخاذ قرارات صعبة بشأن المسكنات التي يجب الاستغناء عنها، وعلى الرغم من كل معاناتها حصلت مرام على جرعة صغيرة من الباراسيتامول وكان الأمر مفجعًا، وكذلك لا يمكنني أن أعرف الدواء الذي حصلت عليه بالفعل، وبدأت أفكر كيف يمكنني مساعدتها لكني شعرت بنفس النوع الذي يشعر به أي أب تجاه طفل مصاب، وأجريت لها جراحة وقمت بإزالة الأنسجة المتحلّلة، وعملت بالقرب من الكسر الذي أصاب ساق مرام اليسرى".
وكشف نوت أنه "من المحزن أن لدى مرام إصابة أخرى في الفخذ وهناك فجوة كبيرة في عظم ساقها جراء الانفجار، ودائمًا ما كنت أتسائل كيف كانت حياة مرام وعائلتها عندما تعرّضت حلب إلى القصف، وفي نفس الليلة التي رأيت فيها مرام شاهدت أطفالًا آخرين تم إجراء جراحة لهم بالفعل وتم بتر أطراف بعضهم، ومع نهاية حصار حلب كان الأطباء يجرون عمليات البتر لأي شخص لديه إصابة خطيرة، ولم يكن لديهم خيار بسبب نقص الإمدادات الأساسية، وتمثّلت المأساة الأخرى في توقّف السكان المحليين عن التبرع بالدم إلى المستشفيات بسبب خوفهم من جرح أنفسهم مع عدم وجود ما يكفي من الإمدادات الاحتياطية من الدم، ولذلك فإن أي إصابات من التفجيرات مع النزف بغزارة تؤدي إلى وفاة المريض فورًا ما لم يتم نقل دم له، وفي هذا الأسبوع تمكّنت من علاج 110 طفلا، وسمعت السبت أن مرام أُخذت إلى وحدة متخصّصة للعلاج في تركيا، إنها أخبار جيدة ولكن من المؤسف أنها فقدت عائلتها وربما يتم وضعها في دار أيتام في تركيا عندما تشفى جروحها، وأتمنى أن يتبنّاها أحد ما من قراء هذا المقال لأنها تحتاج الكثير من الحب والرعاية بعد ما مرّت به في حلب".
وختم نوت أنه "أعلم أن الأمر سيكون معقدًا قانونيًا وسياسيًا، وعندما كنت في سورية كان هناك حديث عن جسر جويّ لإنقاذ الأطفال الجرحى المتضررين بشدة من سورية إلى بريطانيا، وإن كان هناك طفل ما يمكن جلبه إلى هنا أتمنى أن يكون مرام، ليس فقط لأنها فقدت عائلتها وشقيقها الأكبر مصاب وأصغر من أن يعتني بها ولكن لطبيعة العلاج الذي تحتاجه، وربما تتلقى العلاج السليم في تركيا، ولكنها تحتاج إلى جراحات عظام سريعة كما في مستشفى غريت أورموند ستريت، إنها تحتاج إلى الإصلاح النفسي والجسدي وتحتاج إلى رعاية خبير لكنها لا زالت واحدة من الأطفال المحظوظين الذين خرجوا أحياء من حلب".