خالد علواش - الجزائر
تلقب تلمسان بعاصمة الزيانيين، فخورة بماضيها الفكري الثقافي والسياسي المجيد فقد تضافرت جهود الطبيعة السخية الحسناء وجهود الإنسان المبدع الخلاق لتكوين مدينة متفوقة راقية ممتعة للفكر وللقلب والروح معًا.
فقد بلغت أرفع مكانة في الجمال والجلال والكمال واستحقت بفضل ذلك كله أن تدعى جوهرة المغرب الكبير و غرناطة أفريقيا.
وتقع المدينة داخل مزارع الكروم والزيتون، كما تشتهر بصناعة الجلود، والزرابي وصناعة المنسوجات.
وتتربع تلمسان على قمة المناطق السياحية في الجزائر، وتعد المدينة العتيقة قطبًا سياحيًا من المستوى الرفيع نظرًا للثراء الحضاري والتاريخي والثقافي الذي تزخر به والذي من شأنه أن يجعل منها وجهة مفضلة لدى السواح من داخل وخارج الوطن.
ولعل ما يميز هذه المنطقة بالذات الثراء التاريخي النابع من أصالة سكان المنطقة والبارز في المعالم الأثرية الضاربة في عمق التاريخ منذ قرون و التي تبدو كلوحة فنية رائعة نحتتها أنامل فنان من الطراز الرفيع.
وتضم العديد من المعالم الأثرية والدينية والقصور التي تحكي كلها تراث وتاريخ وماضي المنطقة العريقة.
كما اشتهرت تلمسان بإشعاع علمي وفكري وديني لاسيما في فترة حكم الزيانيين الذين تركوا بصمات أثرية ما زالت قائمة لحد الآن .
قصرو قلعة ومساجد عريقة تشهد على تاريخ تلمسان العريق، من بينها المسجد الكبير الموجود في وسط المدينة والذي بني عام 1091 في فترة الموحدين ومسجد سيدي بلحسن الذي بناه السلطان أبو سعيد عثمان الزياني عام 1296م ومسجد سيدي حلوي عام 1353م ومسجد القبة سيدي إبراهيم بني عام 1363 م الى جانب المسجد العريق سيدي بومدين.
ولايمكنك أن تقصد تلمسان، جوهرة المغرب العربي، دون أن تتوقف بعشرات المعالم والآثار التاريخية في هذه المدينة الشاهدة على تعاقب حضارات كثيرة.
وحاول بعضهم إزالة ما وجده من قبله، ولكن الحضارات تفنى وتزول، والأيام تتوالى، وتختلف، ويبقى التاريخ وحده.
وتبقى تلك الشواهد التاريخية العريقة، من قصور، ومنازل، ومساجد، وساحات وحمامات، تروي لنا حكايات وأساطير الأولين· ومنحت المواقع الأثرية دفعًا قويًا للسياحة الثقافية لتلمسان.
قصر المشور·· شاهد على حضارات عريقة
القصر الملكي "المشور" الواقع قلب المدينة وهو بمثابة "جوهرة المغرب.
ويعد المشور قلعة بناها يغمراسن سنة 1234/1235 وتحولت فيما بعد إلى إقامة رسمية لبني عبد الواد ملوك تلمسان وكانت تتكون من بنايات فاخرة وحدائق لم يبق منها إلا بعض الأطلال والأحواض التي لا تزال تحتفظ ببعض الزخرفة والنقوش الجميلة في الأحياء العتيقة لعاصمة الزيانيين .
وهذا القصر الذي يمتثل شامخا، متحديًا الزمن، مكتنزًا أسرار وحكايات سلاطين، ملوك، وملكات، أمراء، وأميرات، وزراء وخدم وحراس، صنعوا ذات يوم مجد هذه المدنية العريقة ورحلوا تاركين لنا صدى أصواتهم وضحكاتهم وخطواتهم وأخبارهم خلف تلك الجدران التي استخرجت بعد حفريات كثيرة·
وأعيد بناء هياكل ومرافق القصر وتزيينه من التصاميم والأطلال وبعض الزخرفة الأولى، التي بقيت بادية على جدران المبني وصامدة حتى اليوم، وهو ما سمح للمشرفين على عملية إعادة ترميمه بتصور نمط الهيكل وهندسته المعمارية ثم محاكاته على أرض الواقع باستعمال أدوات ومواد بناء تقليدية.
كما استعملت في تزيين هذا الصرح التاريخي الزخرفة التي كانت شائعة في عصر الزيانيين مثل النقش على طوب الطين لتوشيح الجدران والأقواس المتعانقة وإحاطتها بالزليج بمختلف أشكاله الدقيقة والبراقة مع جعل الحوض المائي المبني بالمرمر الخالص محورًا لهذا القصر، وهو الحوض الذي يجعل الداخل إلى القصر يتصور نفسه في قصر الحمراء في غرناطة.
قصر المشور هو الوحيد المتبقي من أربعة قصور كانت تشكل فيما مضى قلعة المشور، وهي "دار الملك" و"دار أبي فهر" و"دار السرور" و"دار الراحة"، تم تحويل القلعة إلى ثكنة عسكرية، وأزيلت العديد من الآثار التي كانت متواجدة به، كما حول قصر المشور إلى مستشفى عسكري.
ويستقطب هذا المعلم الأثري والتاريخي الفريد من نوعه، العشرات من الزوار، الذين يبدون في كل مرة إعجابهم بروعة البناء والتصميم والزخارف والنقوش، وغيرها، إلى جانب أنهم يستغلون فرصة تواجدهم بالقصر لأجل التقاط الصور التذكارية، في واحد من أجمل الأماكن السياحية والتاريخية في تلمسان.
" لالا ستي" المرأة اللغز التي جاءت من العراق
ومن المعالم التي تميز تلمسان ضريح “ لالا ستي"، الذي يقع فوق هضبة تعلو عاصمة الزيانيين بـ 600 متر.
و تحيط بها مساحات غابية خضراء مهيأة بطريقة جميلة حتى أصبحت تعج بالسياح من كل أقطار الوطن للتمتع بالهواء النقي.
ويعتبر ضريح “لالا ستي" التي تتحدث الروايات عن قدومها من العراق في القرن الـ 11 واستقرارها في المنطقة، حيث شكّلت بوقارها وأعمالها الخيرية وزهدها في الدنيا مرجعًا إضافيًا للسلوك السوي والتمسك بقيم الدين.
وأصبحت “لالا ستي" منطقة سياحية بامتياز تسمح لزائرها بزيارة الحظائر الوطنية، التي تتوفر عليها والمتحف التاريخي للولاية الخامة وشرفة عالية تسمح لك بمشاهدة كل المدينة في منظر رائع.
ويحسب لتلمسان ربط هضبة “لالا ستي" بالتليفريك إلى وسط المدينة بغرض التجول في المعرض الحضاري لتلمسان والإطلاع على مختلف الحقب التاريخية التي عاشتها عاصمة الزيانيين .
ضريح الولي الصالح سيدي بومدين
إقبال كبير على ضريح سيدي بومدين هناك في أعالي هضبة العباد، حيث يرقد الولي الصالح سيدي أبو مدين بن الحسين الأنصاري الأندلسي الأصل.
وتكثر الحركية في هذا الموسم جراء توافد أعداد هائلة من الزوار ممن يقصدونه من ولاية تلمسان وخارجها، تقديرًا لمكانة هذا الرجل الذي جمع بين الشريعة والحقيقة في قلوبهم.. وما أكثرهم من النسوة اللواتي يقصدن الضريح طمعًا في دعاء مستجاب.
وفي هذا المكان حيث يرقد سيدي بومدين يوجد باب الضريح مقابل باب المسجد، يؤدي إلى مدرج ينزل بواسطته إلى قبر الشيخ أبي مدين المدعو محليًا ''سيدي بومدين''.
وهذا الباب صغير ذو قوس يحيط به إطار من الفسيفساء، وفي داخل الضريح غرفة مربعة يعلوها سقف ملوّن جميل، هرمي الشكل في الخارج.
ويدخل الضوء إلى هذه الغرفة من أربعة نوافذ صغيرة تضئ قبري الشيخين أبي مدين شعيب على اليمين والفقيه ابن عبد السلام التونسي المتوفى بالعباد على اليسار.
ومع مرور الوقت، تحول المكان إلى مجمع ديني بعد أن بنيت به مجموعة المعمارية من طرف المرينيين، تكريمًا لأبي مدين.
وتضم هذه المجموعة الهندسية إضافة إلى الضريح مسجدًا ومدرسة ودار السلطان.
أما مسجد سيدي أبو مدين فيعد من أهم منجزات الفن المغربي الأندلسي في الجزائر شيد وفقًا للنمط الأندلسي المريني، حيث جمع نمط بنائه بين التصميم الشامي والمدني نسبة للمدينة المنورة.
ويوجد بمسجد سيدي أبي مدين منبر يزيد عمره عن 100سنة، ويقال أن الأمير عبد القادر صعد عليه، كما أنه أسس الدولة الجزائرية انطلاقًا من هذا المسجد العتيق.
وصار هذا الضريح مقصدًا للزوار من أهل تلمسان ومن خارجها للعبادة في الجامع والتعلم في المدرسة والتبرك بالضريح.
لكن تبقى الإشارة ضرورية إلى بعض الطقوس التي تمارسها بعض النسوة الزائرات للمكان، رغم دلالاتها الإيجابية ومعانيها الراقية، إلا أنها أصبحت تمارس تحت تأثير اللاوعي، مما يفقدها معانيها الجميلة.
وتقوم النساء برفع الحلقة الدائرية للباب الحديدي عند مدخل الضريح، والذي يعني بحسب الثقافة الإسلامية الاستئذان من الأرواح الموجودة في المكان.. إلا أن حركة رفع تلك الحلقة لم تعد سوى مجرد عادة بالنسبة للعديد من الزوار ممن يجهلون مغزاها الحقيقي.
تلمسان مركز للإشعاع العلمي والفكري
المدارس العريقة التي ورثتها المنطقة عبرعصور متتالية، من بين هذه المدارس الشهيرة مدرسة سيدي بلحسن التنسي عام 1296م ومدرسة الإمام في 1320م ومدرسة سيدي بومدين الغوث الإشبيلي .
كما تحتوي تلمسان على مقابر لأولياء الصالحين من بينها ضريح سيدي بومدين في منطقة العباد ومقبرة الأميرة وكذا مقبرة أبو إسحاق الطيار وضريح الولية الصالة لالا ستي إلى جانب المدينة القديمة الشبيهة في هندستها المعمارية لمدينة القصبة العتيقة .
تلمسان ثراء طبيعي بإمكانه تلميع السياحة في المنطقة
مغارات بني عاد
كما تتوفر المدينة على ثاني أكبر المغارات في العالم بعد مغارة المكسيك يتطلب العناية بها لاستغلالها في المجال السياحي لتفادي سقوط الصواعد والنوازل الكلسية التي تشكلت على امتداد القرون أو تلوث جوها الداخلي الذي يحتفظ على درجة حرارية مستقرة.
مغارة بني عاد هي مغارة طبيعية تتواجد في بلدية عين فزة في ولاية تلمسان في غرب الجزائر، هذه التحفة الربانية بمواصفاتها العالمية ونفائسها المزدهرة وكنوزها الأثرية، التي تتوّج ناصية عاصمة الزيانيين، وهو ما خلب مخيالات مؤرخين مشاهير من قامة عبد الرحمن بن خلدون وابن أبي زرع، وشعراء بوزن ابن خفاجة وابن الخميس التلمساني.
مغارة بني عاد تراث طبيعي يزاوج بين الإبهار والدهشة يقع على بعد 57 مترًا تحت سطح الأرض، وتمتد على طول 700 مترًا ولها درجة حرارة ثابتة طوال العام بحدود 13 درجة.
ويعتبر أول مكتشفيها قبائل الأمازيغ الذين استوطنوا الجزائر، وحسب الخبراء تمتد المغارة حتى تراب المملكة المغربية.
ويمكن للزائر أن ينتعش بصفاء المكان ويتمتع بهديل الحمام الذي يتخذ من المغارة مسكنًا آمنًا، وسط صواعد صخرية كلسية عجيبة تزيد المكان رونقًا ومهابة.
شلال لوريط
شلال الأوريت أو شلال لوريط هو أعلى شلال في الجزائر.
ويقع على بعد سبعة كيلومترات من مدينة تلمسان، بالقرب من الطريق الوطني في الجزائر في منطقة جبلية تغطيها أشجار الصنوبر.
ويبلغ طول الشلال 350 مترًا و120مترًا سقوط مستقيم .
وكان شلال الأوريت يتكون من سبع طبقات طبيعية مكونة واد الأوريت وبقي 40 سنة جافًا بعد أن تم بناء سد مفروش قبل عودته للظهور في 2009.
ويعتبر شلال الأوريت تابعًا للحديقة الوطنية تلمسان وشُيد فوق هذا الشلال جسر من الصلب للسكك الحديدية من قبل الفرنسي المشهور غوستاف إيفيل صانع برج إيفيل وذلك في القرن 19 وسمي بلقبه إيفيل .
الصناعة التقليدية رفيعة بعاصمة الزيانيين وأعيادها شهيرة
تتميز منطقة تلمسان بصناعة تقليدية محلية رفيعة تظهر جليًا في الألبسة التقليدية المطرزة من بينها الشدة والبلوزة والحلي المصنوعة بالأحجار الكريمة والنسيج والفن التشكيلي على غرار فن الطبخ منها "الحريرة" و "الكعك "التلمساني.
وتحتفل ولاية تلمسان برأس السنة الأمازيغية حيث لهذا العيد نكهة مميزة يتم من خلاله إبراز الموروث الثقافي المرتبط بطقوس وعادات "يناير" المنطقة.
الحمامات المعدنية
ويوجد في الولاية حمام مشهور يدعى حمام بوغرارة وهو مقصد الأشخاص المصابين بالأمراض الجلدية، ويقع على بعد 50 كيلومترًا من عاصمة الولاية.
وتبلغ درجة حرارة ماء الحمام 43 درجة مئوية ويتكون من بيكربونات الكلور إضافة إلى أنه يتمتع بالمرافق الاستقبالية اللازمة ومزود بالأجهزة المتطورة والمستخدمة للعلاج الحموي مثل الأدوات الكهرو علاجية.
كما قال الشاعر مفدي زكريا
تلمسان مهما أطلنا الطوافا إليك تلمسان ننهي المطافا