كييف - المغرب اليوم
بعد قرابة عامين من الحرب، باتت الأضرار بارزة أكثر في بيلغورود الحدودية الروسية التي شهدت تصاعداً للضربات الأوكرانية خلال الأسابيع الأخيرة رداً على قصف روسي طال مناطق في أوكرانيا، إذ تظهر في مشهد المدينة نوافذ محطمة وأسطح منازل مدمّرة، فيما تسعى أوكرانيا في عام 2024، كما صرح وزير خارجيتها إلى بسط سيطرتها على المجال الجوي الذي تهيمن عليه روسيا راهناً، مشيرةً إلى أنّ الانتصار على موسكو سيتطلب «وقتاً» ودعماً من الدول الغربية. ويأتي هذا التصريح في وقت يظهر الأميركيون والأوروبيون مماطلة في شأن المساعدات لكييف، فيما تخشى أوكرانيا من أن يؤدي ذلك إلى ترجيح كفة الصراع لصالح روسيا التي تحتل نحو 20 في المائة من أراضيها.
أعلنت كل من أوكرانيا وروسيا عن هجمات بطائرات مسيرة استهدفت أراضيهما في الساعات الأولى من صباح الأربعاء طالت أوديسا الأوكرانية وبيلغورود الروسية.
ويقوم أندري بدورية في شوارع مدينة بيلغورود الروسية المستهدفة منذ أسابيع بهجمات متزايدة من أوكرانيا، حيث يقاتل نجله مع قوات موسكو. أندريه الملقّب بـ«دوشمان» هو أحد أعضاء قوات الدفاع الإقليمية المنتشرة في المدينة. ويظهر على معطفه شعار النبالة الخاص بالمنطقة، وهو عبارة عن أسد وصقر، بالإضافة إلى رمز القوات الخاصة السوفياتية. ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عندما يقع هجوم نكون أول الحاضرين».
ويشير الرجل البالغ عمره 49 سنة إلى أنّ معظم أعضاء قوات الدفاع الإقليمية كانوا حتى مرحلة قريبة متمركزين على الحدود، لمساعدة الجيش الروسي المنهك على منع تسلل الأوكرانيين.
وبسبب تصاعد الضربات، نُقل هؤلاء المقاتلون إلى بيلغورود، وهي مدينة تضم نحو 345 ألف نسمة، وتقع على بُعد حوالي خمسين كيلومتراً من أوكرانيا.
في 30 ديسمبر (كانون الأول)، تعرضت بيلغورود لهجوم أوكراني أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة أكثر من مائة. وأتت هذه الضربات التي تُعدّ الأعنف على الأراضي الروسية منذ بدء الصراع عام 2022، رداً على قصف روسي مكثف طال مدناً أوكرانية. ويشير أوليغ غيراسيموف الذي كان يعمل سائق شاحنة قبل الحرب ويدير راهناً وحدة دفاع إقليمية، إلى حضور كبير للمتطوعين منذ هجوم ديسمبر الماضي.
تنظم قوات الدفاع الإقليمية دوريات لمساعدة السكان على الاحتماء في حال صدور إنذار، ودورات إسعافات أولية. ومع أنّهم يرتدون بزات عسكرية لكنّهم ليسوا جنوداً.
ويشكل استهداف مدينة روسية كبيرة ضربة للكرملين، الذي دأب على التأكيد أنّ الضربات الأوكرانية لا تؤثر على حياة الروس بشكل مباشر. ويدرك أوليغ أنّ الأمور لا تسير كما ينبغي. ويشير إلى أن «الوضع صعب في الوقت الراهن»، مضيفاً «لكننا نأمل أن ينتهي قريباً التهديد الذي يطال مدينتنا والبلد برمّته، ونحن مقتنعون بذلك». لكن يبدو أنّ أهالي بيلغورود لا يشعرون أنهم في أمان. فبعد تمديد العطلات المدرسية وإلغاء مناسبات عامة، نفذت السلطات المحلية عمليات إجلاء أولية.
ويقول أندريه، وهو عامل في مجال التعدين يبلغ عمره 36 سنة وانضم إلى قوات الدفاع الإقليمية: «ينتابنا قلق كبير جداً على مدينتنا في كل مرة يتم استهدافها».
ويأمل كثيرون أن تعاود القوات الروسية هجومها على خاركيف، وهي مدينة أوكرانية كبيرة تقع على الجهة المقابلة من الحدود، لوقف الضربات الأوكرانية على بيلغورود.
وداخل المدينة، يشعر السكان بوطأة الحرب أكثر من أي منطقة أخرى في روسيا. وتظهر على لوحات إعلانية عملاقة مقاطع فيديو عن كيفية مساعدة الجرحى، فيما أُنشئ عدد من النصب التذكارية تخليداً لذكرى المدنيين الذين قتلوا في 30 ديسمبر. وقال أناتولي كرولوفتسكي، وهو متقاعد من سكان المنطقة، إنه لا يزال في حالة صدمة. ويقول هذا المهندس السابق البالغ عمره 69 سنة: «وقعت في ذلك اليوم انفجارات متتالية عدة كانت قوية جداً».
ويتابع «ثم سُجّلت ضربة قوية جداً لدرجة أنني أردت أن أجري وأختبئ، لكنّ وقع الانفجار كان قوياً لدرجة أنه أوقعني أرضاً». ويقرّ كرولوفتسكي الذي تلقى تعليمه في خاركيف بأوكرانيا السوفياتية، بأنّ العيش في ظل خطر الضربات بات من يومياتهم. ويقول متنهداً: «ترتاد مكاناً ما لكن عليك مراقبة السماء باستمرار، كي ترى إن كانت هناك أشياء تطير... بات السلام من الماضي».
كما تسعى أوكرانيا في عام 2024 إلى «طرد» روسيا من أجوائها، مشيرةً إلى أنّ الانتصار على موسكو سيتطلب «وقتاً» ودعماً من الدول الغربية.
ويأتي هذا التصريح في وقت يظهر الأميركيون والأوروبيون مماطلة في شأن المساعدات لكييف، فيما تخشى أوكرانيا من أن يؤدي ذلك إلى ترجيح كفة الصراع لصالح روسيا التي تحتل نحو 20 في المائة من أراضيها.
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية: «في عام 2024، الأولوية هي طرد روسيا من أجوائنا؛ لأن من يسيطر على الجو سيُحدد متى وكيف تنتهي الحرب». وأضاف «هزمناهم في 2022 على البر، هزمناهم في 2023 في البحر ونركّز على هزمهم في الجو في 2024».
وشنت روسيا هجومها على أوكرانيا في فبراير (شباط)، لكنها فشلت في احتلال كييف، ثم طُرِدت من شمال البلد وشمال شرقه وجزء من جنوبه. في 2023، تمكّنت القوات الأوكرانية بفضل مسيّرات بحرية وصواريخ من رفع جزء من الحصار المفروض على موانئ البلاد على البحر الأسود واستئناف قسم من صادرات البلاد لا سيما من الحبوب.
وقال كوليبا إن بلاده تحتاج من أجل السيطرة على الجو، إلى أن يمدها الغرب بطائرات وصواريخ بعيدة المدى وقذائف. وأضاف متحدثا خلال حلقة نقاش أن «هذا سيتطلب إمداد أوكرانيا بطائرات... وصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة»، مشيرا إلى أن أوكرانيا «زادت إلى حدّ بعيد من إنتاج المسيّرات». وقال كوليبا: «نقاتل عدواً قوياً جداً، عدواً كبيراً جداً، عدواً لا ينام، هذا سيتطلب وقتاً».
وأكّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضاً، أنّ أي تأخير في المساعدات لبلاده يعرّض «أمن أوروبا» للخطر. وأضاف «من دون مساعدات، سنفتقر بصورة كبيرة إلى المدفعية، وسنواجه نقصاً كبيراً جداً في الصواريخ الدفاعية المضادة للطائرات. وهذا يعني أننا لن نكون قادرين على صدّ الهجمات»، ما يثير احتمال «حرب مستقبلية بين حلف شمال الأطلسي وروسيا».
وأبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من ناحيته، شكوكاً في احتمال وقف إطلاق النار في أوكرانيا، قائلا إن موسكو لم تبد أي رغبة في «التفاوض بحسن نية» بعد نحو عامين من بدء الصراع.
وتستهدف طائرات مسيرة هجومية وصواريخ تطلقها روسيا من الأرض أو البحر أو الجو بشكل شبه يومي الأراضي الأوكرانية. وأعلنت أوكرانيا أنها أسقطت 19 من أصل 20 مسيّرة هجومية أطلقتها روسيا خلال الليل، لا سيما ضد مدينة أوديسا الساحلية في جنوب البلاد، حيث أصيب ثلاثة أشخاص بجروح.
ولم تقدّم الدول الغربية سوى كمية محدودة جداً من الأسلحة البعيدة المدى التي تعدها كييف ضرورية لتنتصر على موسكو. ورأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء أن وجود الدولة الأوكرانية بات على المحك، في أعقاب فشل الهجوم المضاد الذي شنته كييف خلال الصيف، والذي لم يمكّن كييف من تحرير الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية.
وقال بوتين خلال اجتماع نقله التلفزيون: «لم يفشل هجوم أوكرانيا المضاد فحسب، بل باتت المبادرة على الجبهة حصراً بيد القوات المسلحة الروسية. وإذا استمر الوضع القائم، فقد تتعرّض مكانة الدولة الأوكرانية لضربة خطرة جداً وقاضية».
قد يهمك ايضـــــا :
الكرملين يُصرح أن لا سلام في أوكرانيا دون الحّوار مع موسكو
بعض زعّماء العالم يستعدون لإحتمال شّن روسيا حرباً عالمية ثالثة