تل أبيب ـ المغرب اليوم
بعد عدة شهور من سماع شكاوى المعتقلين الفلسطينيين أبناء قطاع غزة، الذين جرى اعتقالهم في 7 أكتوبر الماضي، بشبهة المشاركة في هجوم «حماس»، كُشِف النقاب في تل أبيب، الخميس، عن رسالة وجَّهها طبيب إسرائيلي خدم في خيمة طبية يستعرض فيها جانباً من التنكيل الذي يتعرضون إليه.
ويؤكد الطبيب في رسالته الموجهة إلى كل من وزيري الدفاع والصحة، وإلى المستشارة القانونية للحكومة، أن الممارسات الإسرائيلية في «المعتقل الطبي» تجعل الجميع، أي الطواقم الطبية والمستوى المسؤول عنها في وزارتي الصحة والدفاع، شركاء في خرق القانون. ويضيف: «والأكثر خطورة بالنسبة لي بوصفي طبيباً خرق الالتزام الأساسي حيال المرضى أولاً بوصفهم (مرضى)، عندما أقسمت عند انتهاء تعليمي قبل عشرين سنة».
ويجري الحديث عن المستشفى الميداني، الذي يدعى «سديه تيمان»، وكان قد أُقيم في الصحراء الجنوبية الإسرائيلية، لاحتجاز معتقلين من غزة، بعدما قام نشطاء يهود من أحزاب اليمين الحاكم بالتظاهر أمام المستشفيات الإسرائيلية لمنع تقديم العلاج لهم. وقد أُقيم معسكر الاعتقال هناك على الفور عند بداية الحرب، وهدف إلى استيعاب أعضاء «حماس»، ومن بينهم أيضاً عناصر يُشتبه في أنها شاركت بالهجوم على البلدات الإسرائيلية، وعُدّ معتقلاً مؤقتاً إلى حين يتاح نقلهم إلى السجون المزدحمة. وفي حينه، صادق الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) على تعديل للقانون يشدد من شروط احتجاز المعتقلين، ويجعل التنكيل بهم شرعياً، بدعوى أنهم إرهابيون. وبحسب رسالة الطبيب التي نشرها الصحافيان هجار شيف وميخائيل هاوزر طوف، في صحيفة «هآرتس»، الخميس، فإن «كثيرين منهم يتم إطلاق سراحهم بعد أن يتبين أنه لا علاقة لهم بالإرهاب». لكن هذا لم يرحمهم من التنكيل والتعذيب.
ويقول الطبيب في رسالته: «ظروف الاعتقال تعرض حياة المعتقلين للخطر، وتورّط دولة إسرائيل للمخاطر بخرق القانون الدولي؛ ففي هذا الأسبوع فقط اجتاز اثنان من المرضى بتر ساق بسبب التكبيل بالأغلال. وللأسف، الحديث يدور عن حادث عادي، فالتغذية تتم بواسطة مصاصة وقضاء الحاجة بالحفاضة والتكبيل بشكل مستمر، هذه ظواهر تعارض المعايير الصحية والقانون». ويضيف: «منذ الأيام الأولى لاستخدام هذه المنشأة وحتى الآن، أنا أواجه معضلات أخلاقية صعبة. إضافة إلى ذلك، أنا أكتب من أجل التحذير من أن خصائص عمل المنشأة لا تتفق مع أي بند من البنود المرتبطة بالصحة وبقانون احتجاز المقاتلين. والمستشفى الميداني لا يحصل على تزويد منظم بالأدوية والمعدات الطبية، وكل مَن يتم علاجهم فيه يتم تكبيلهم دون صلة بدرجة خطرهم، وهم معصوبو الأعين، وتتم تغذيتهم بواسطة مصاصة. في هذه الظروف أيضاً المرضى الشباب والمعافون بعد أسبوع أو أسبوعين من العلاج ينخفض وزنهم. ويتم تكبيلهم طوال اليوم ويتم عصب عيونهم. ونصف المرضى في المستشفى يوجدون هناك بسبب إصابة تطورت أثناء الاعتقال، في أعقاب التكبيل لفترة طويلة. فهذا التكبيل يتسبب بجروح خطيرة تحتاج إلى تدخل متكرر بالجراحة».
ويتابع الطبيب: «إن عمل المنشأة لا يلبي الشروط المنصوص عليها في القانون، من بينها الحق في تلقي العلاج حسب الوضع الصحي للمعتقلين وحقهم في الطعام في ظروف نظافة والحصول على ترتيب للنوم المناسب الذي لا يعرض صحتهم للخطر أو يمس كرامتهم، أيضاً الحق في نزهة لساعتين في اليوم تحت أشعة الشمس. والمعتقلون لا يحصلون على العلاج المناسب، حتى لو تم إرسالهم إلى المستشفى. كل معتقل تم إرساله إلى المستشفى لم يبقَ هناك إلا لبضع ساعات. وقد حدث أن تمت إعادة مرضى بعد إجراء عملية كبيرة، مثل عملية استئصال في الأمعاء، فقط بعد ساعة مراقبة واحدة. وفي المنشأة الطبية التي يعيدونهم إليها في سديه تيمان، يوجد طوال اليوم طبيب واحد بمرافقة طاقم تمريض، بعض الأعضاء فيه تم تدريبهم على يد ممرضين فقط، هذا بدلاً من البقاء تحت المراقبة في قسم الجراحة. الطبيب في سديه تيمان يمكن أن يكون طبيب عظام أو طبيب أمراض نسائية، الأمر الذي ينتهي بتعقيد أو موت المريض».
وختتم الطبيب رسالته محذراً: «بهذا السلوك نحن جميعنا نصبح، أنتم والطواقم الطبية والمستوى المسؤول عنا في وزارة الصحة وفي وزارة الدفاع، شركاء في خرق القانون، والأكثر خطورة بالنسبة لي، بوصفي طبيباً، خرق الالتزام الأساسي لي بالمرضى؛ لكونهم مرضى عندما أقسمت عند انتهاء تعليمي قبل عشرين سنة».
ويضيف المراسلان أن مصدراً تحدث مع «هآرتس» قال إن كثيراً من المعتقلين يعانون من وضع جسدي سيئ، بعضهم أُصيبوا في الحرب، وأحياناً جراحهم ساء وضعها بسبب الظروف في منشأة الاعتقال مثل عدم النظافة. آخرون أُصيبوا بأمراض مزمنة. وخلال أشهر، منذ بداية الحرب، كان هناك نقص في الأدوية في المنشأة لعلاج الأمراض المزمنة، وبعض المعتقلين عانوا من نوبة صرع لفترة طويلة.
وحسب المصدر ذاته، فإنه رغم أن كثيراً من المعتقلين يعانون من مشكلات صحية، فإن معظمهم لا يتم علاجهم في المستشفى، بل يبقون في الخيمة ويتم علاجهم على يد ممرضين. وتوفير الدواء للأمراض المزمنة زاد منذ ذلك الحين. وأشارت المصادر إلى أن أيدي كثير من المعتقلين جُرِحت وتلوَّثت بسبب القيود. هذا الأمر موثَّق بصور لمعتقلين تم إطلاق سراحهم وعادوا إلى غزة، حيث تظهر آثار التكبيل على أيديهم.
وقد رد الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي على هذه الاتهامات قائلاً: «يتم تقديم الطعام للمعتقلين حسب وضعهم الصحي، وإنه يُسمح لهم بالذهاب إلى المراحيض أيضاً حسب الوضع الصحي. وإذا كان يتم تقييد حركتهم، فتتم مساعدتهم بواسطة الحفاضات». وكانت وزارة الصحة قد ذكرت أن «الإجراء المتبع للعلاج في المستشفى الميداني، حيث هناك المعتقلون مكبلون ومعصوبو العيون، جاء بسبب قيام أحد المرضى بمهاجمة الطاقم الطبي».
وذكرت الصحيفة العبرية أن «معسكر المعتقلين الغزيين في سديه تيمان يتكون من حظائر يتم احتجاز المعتقلين فيها، ومستشفى ميداني».
وحسب المصادر، فإن 600 - 800 غزي يتم احتجازهم هناك. عدد قليل ممن يحتاجون إلى العلاج يوجدون في المستشفى الذي تسود فيه الظروف التي وُصِفَت في رسالة الطبيب. وبعض المعتقلين في المنشأة يتم نقلهم بعد ذلك إلى السجون في إسرائيل، وبعضهم تتم إعادتهم إلى غزة بعد التحقيق، إذا لم يتم العثور على سبب للاستمرار في اعتقالهم.
وحسب معطيات مصلحة السجون التي تم إرسالها إلى جمعية «موكيد» الإسرائيلية للدفاع عن الفرد، فإنه في أول أبريل (نيسان) كان يوجد 849 معتقلاً غزاوياً تم احتجازهم في السجون، هذا إضافة إلى المعتقلين في سديه تيمان.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :