باريس - المغرب اليوم
يجمع المحللون على اعتبار أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيتحول إلى «بطة عرجاء» إذا نجح الجمهوريون في وضع اليد على مجلسي الشيوخ والنواب، وسيجد نفسه مغلول اليدين في سياستيه الخارجية والداخلية. ويرى هؤلاء أن العامين القادمين اللذين سيقضيهما في البيت الأبيض سيكونان بالغي الصعوبة بالنسبة إليه، خصوصاً أن نسبة كبيرة من المرشحين الجمهوريين تتبنى طروحات الرئيس السابق دونالد ترمب الذي سيرى في نتائج الانتخابات النصفية «منصة إطلاق» لوضعه في المدار الرئاسي، علما بأنه من المرجح أن يعلن ترشحه خلال أيام.
وبالنظر لهذه التحولات، فإن أولويات الإدارة في الداخل والخارج ستتعدل بمعنى أنها ستكون مدعوة لإعادة النظر في سلم الأولويات إذا كانت حريصة على إبقاء أبواب البيت الأبيض مفتوحة أمام المرشح الديمقراطي أكان ذلك الرئيس بايدن شخصياً أو نائبته كمالا هاريس أو أي مرشح آخر يختاره الحزب.
ومنذ ما قبل حلول الانتخابات النصفية، انطلقت التساؤلات حول ما سيتغير في سياسة بايدن الخارجية. ورغم أن الناخب الأميركي، كما بينته استطلاعات الرأي المتلاحقة في الأسابيع الأخيرة، لا يدرج السياسة الخارجية بين العوامل المؤثرة على خياره الانتخابي، فإن العالم الخارجي ينظر بنوع من القلق لتبعات ما سيخرج من صناديق الاقتراع بما في ذلك القارة الأوروبية.
ترى مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس أن هناك ملفات تتعلق بالسياسة الخارجية، على الأقل، يمكن أن تتأثر بنتائج الانتخابات أولها الحرب في أوكرانيا، ومدى استمرارية السياسة الأميركية على حالها في دعم كييف. وتربط هذه المصادر بين المعلومات المتواترة التي تتحدث عن حصول محادثات سرية بين واشنطن وموسكو بشأن حرب أوكرانيا وعن طلب أميركي من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن يترك باب المفاوضات مفتوحاً مع موسكو، وبين استشعار الإدارة وجود «حالة تعب» لدى الرأي العام من تواصل الحرب واستمرار تدفق المليارات الأميركية كمساعدات عسكرية ومالية وإنسانية. ويكمن التخوف الأوروبي من أن سيطرة الجمهوريين على المجلسين ستحرم بايدن من حرية الحركة، وستحد من نهجه المعلن في دعم أوكرانيا حتى النهاية رغم تكلفة ذلك على الميزانية والمواطن الأميركي. وجاء كلام رئيس كتلة النواب الجمهوريين في مجلس النواب كيفين مكارثي الذي حذر من أنه لن يعطي الإدارة «شيكاً على بياض» لمواصلة دعم أوكرانيا ليفاقم القلق في كييف أيضاً، خصوصاً أن جميع المراقبين يربطون بين نجاحات القوات الأوكرانية ميدانياً، وبين تدفق الأسلحة المتقدمة الأميركية. وتجدر الإشارة إلى أن 57 نائباً جمهوريا صوتوا ضد مشروع منح أوكرانيا مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليار دولار في شهر مايو (أيار) الماضي. كذلك، فإن انقساماً بدأ يبرز في صفوف الحزب الديمقراطي، حيث إن جناحه اليساري غير راض هو الآخر عن أداء بايدن. ولذا، فقد وجه ثلاثون نائباً رسالة له مؤخراً يحثونه فيها على استكشاف إمكانية التوصل إلى حلول عبر المفاوضات للحرب الأوكرانية وليس الاكتفاء بالدعم العسكري. ولأن الإدارة تتخوف من هذه التحولات، فمن المرجح جداً أن تعمد إلى إقرار حزمة جديدة من المساعدات لأوكرانيا قبل أن يبدأ الكونغرس الجديد ممارسة صلاحياته مع انطلاق العام الجديد لوضع الجمهوريين والمتمردين من الديمقراطيين أمام الأمر الواقع.
وتتخوف المصادر الدبلوماسية الأوروبية من أن تكون إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الضحية الأولى لسيطرة الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والنواب. وتشير هذه المصادر إلى أن النواب والشيوخ الجدد تدين غالبيتهم بالولاء للرئيس السابق الذي أسهم إلى حد بعيد في تمكينهم من الترشح باسم الحزب، وبالتالي هم قريبون جداً إلى رؤيته للاتفاق النووي الذي ضرب به عرض الحائط في عام 2018، وعاود فرض العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران، وهدد بعقوبات كذلك على من يتعامل معها من الشركات الأميركية وغير الأميركية فيما سمي العقوبات «عابرة الحدود». وبما أن المفاوضات حول إعادة إحياء الاتفاق متوقفة منذ أبريل (نيسان) الماضي رغم الجهود التي بذلها الوسيط الأوروبي وبما أن الغربيين، بشكل جماعي، ينحون باللائمة على طهران التي يحملونها مسؤولية الفشل، فإن هيمنة الجمهوريين على المجلسين ستعني، وفق المصادر المشار إليها، وأد المفاوضات وفتح الباب أمام المجهول، خصوصاً أن صقور الجمهوريين يرون أن إدارة بايدن «ضعيفة»، وأنه يتعين مواكبة أي مفاوضات بتهديدات عسكرية لإجبار إيران على إظهار المرونة، والتخلي عن طموحاتها النووية.
مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وانخراط واشنطن في دعم كييف، تمكنت الولايات المتحدة من إعادة هيمنتها على الحلف الأطلسي. وتشير المصادر الأوروبية إلى أن الضحية الأولى لهذا الوضع تهافت الدعوات لما يسمى بـ«الاستقلالية الاستراتيجية» لأوروبا التي يعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاملاً للوائها. والحال أن الدعوة الفرنسية لاقت نوعاً من الممانعة من دول وسط وشرق أوروبا التي لم ترد التخلي عن المظلة الأميركية - الأطلسية لصالح مظلة أوروبية غير موجودة حقيقةً. وجاء طلب فنلندا والسويد بالانضمام إلى الحلف الأطلسي ليعطي هذا التوجه مزيداً من المصداقية. من هنا، فإن سيطرة الجمهوريين على السلطة التشريعية في واشنطن ربما سيعني، على المدى المتوسط، تراجع القبضة الأميركية على الحلف الأطلسي، وتوافر مساحة أمام دعاة الاستقلالية الاستراتيجية لتنشيط دعواهم من أجل إيجاد قوة أوروبية تكون قادرة على المساهمة في الدفاع عن المصالح الأوروبي، أقله في محيط أوروبا المباشر أي في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا... من غير الحاجة للتدخل الأميركي. إلا أنه فيما يخص العلاقة مع روسيا، تبقى القيادة معقودة اللواء للحلف الأطلسي.
يبقى أن مخاوف جدية أخذت تظهر إلى العلن من أن تنعكس خسارة بايدن للأكثرية على حضور واشنطن على المستوى الدولي بما في ذلك دورها في المؤسسات الدولية الذي تراجع في عهد دونالد ترمب، وانسحابه من العديد منها. وترى المصادر الأوروبية أن التخوف الأول يتناول التزام الرئيس الأميركي بملف المناخ الذي يتناقض تماماً مع سياسة سلفه ومع رؤية الجمهوريين. وتعد الولايات المتحدة ثاني أكبر «منتج» لثاني أكسيد الكربون بعد الصين، وبالتالي فإن تحللها من الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق باريس للعام 2015، وفي اتفاق غلاسغو للعام الماضي، ومنها توفير 100 مليون دولار في العام للبلدان الفقيرة، وفي طور النمو لمواجهة الكوارث الطبيعية ومساعدتها على النقلة البيئية سيكون له أثره الكبير على الجهود الدولية المبذولة لتدارك الكارثة البيئوية.
قد يهمك ايضاً