الرئيسية » حوارات وتقارير
عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب

الرباط - المغرب اليوم

في حوار نادر، كشف عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، تفاصيل جديدة حول مساره في وزارة الاقتصاد والمالية في ثمانينات القرن الماضي وصولاً إلى توليه مسؤولية البنك المركزي، كما تحدث عن حيثيات تطبيق برنامج التقويم الهيكلي مع صندوق النقد الدولي عقب نفاد رصيد المملكة من العملة الصعبة وانهيار التوازنات الماكرو اقتصادية للبلاد.

الحوار الذي كان بصيغة “البودكاست” مع الجواهري، نُشر الأسبوع الجاري على موقع صندوق النقد الدولي ضمن عدد خاص من مجلة “التمويل والتنمية” بمناسبة استضافة المغرب الاجتماعات السنوية للصندوق ومجموعة البنك الدولي في أكتوبر المقبل، وهو الحدث الأبرز عالمياً الذي يجمع قادة المال والأعمال.

تطرق الحوار الذي أجرته تالين كورانشيليان، نائبة مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، لمسار الجواهري والإصلاحات التي نفذها المغرب ليصبح ضمن الاقتصادات المهمة في المنطقة، ناهيك العلاقات مع الصندوق والرهانات المطروحة على جدول أعمال الاجتماعات السنوية المرتقبة في مدينة مراكش.
نفاد العملة الصعبة

يتذكر الجواهري أنه تولى منصب وزير الاقتصاد والمالية عام 1981 لكون تلك السنة كانت مطبوعة بالأحداث الأليمة والاحتجاجات التي عمت عدداً من المدن المغربية عقب قرار الحكومة رفع أسعار عدد من المواد الأساسية.

وحكى الجواهري في الحوار أنه في يوم من أيام فبراير من سنة 1983، كان في مكتبه رفقة نائب والي بنك المغرب وأخبره مساعده بأن مدير المديرية الخارجية المكلف بتدبير رصيد المملكة من العملة الصعبة يريد لقاؤهما معاً ليخبرهما بأن البلاد لم يعد لديها أي رصيد من العملة الصعبة.

بعد تفكير، اعتبر الجواهري أن مثل هذا الخبر يجب أن يطلع عليه رئيس البلاد، وهو ما قام به في الحين، إذ اتصل بوالي بنك المغرب (آنذاك مولاي الحسن بن المهدي)، وأخبره بضرورة طلب لقاء الملك الراحل الحسن الثاني للحديث عن هذه الوضعية، وتوجها على وجه السرعة إلى مدينة فاس وأخبرا مدير البروتوكول في القصر الملكي بأن الأمر مستعجل.

استعجالية طلب اللقاء مع الملك أثارت استغراب مدير البروتوكول، وهو ما رد عليه الجواهري بالقول: “من الممكن غداً ألا تشتعل هذه الأضواء في جناحكم”، كانت الإجابة معبرة وفي الغد انعقد اللقاء مع الملك لكن دون والي بنك المغرب.
حَرْكَة الملك

حين دخل الجواهري على الملك سأله الأخير: “ما الذي يقع؟” أجابه: “ليس لدينا أي عملة صعبة”، وماذا تقترح إذن؟ صعوبة الموقف دفعت الجواهري لطلب مهلة من الملك حيث قال: “هذه الوضعية جديدة بالنسبة لي، لكن امنحني مهلة 48 ساعة لأبحث مع فريق صندوق النقد الدولي. وكذلك كان حيث ذهبتُ إلى واشنطن وفهمت آنذاك معنى نادي باريس (الممثل للديون العمومية) ونادي لندن (الممثل للديون الخاصة)”.

لما عاد الجواهري إلى المغرب سأله الملك: “ماذا تقترح على المستوى العملي؟” فرد عليه الجواهري بضرورة تشكيل لجنة للتفكير حول مشروع قانون تعديلي لقانون المالية ليشمل ذلك القطاعات التي تستهلك نفقات أكبر. المقترح استقبله الملك بقرار إدخال الجواهري في خلوة ليومين في الإقامة الملكية الثانية بمدينة فاس، حيث خاطبه قائلاً: “سأبعث لك الغداء والعشاء، وكما يتم في انتخابات البابا لن تغادر حتى تصل إلى مقترح قانون مالية تعديلي”.

يتذكر والي بنك المغرب هذه الخلوة، كانت يومي 30 أبريل و1 ماي من سنة 1983، وحين انتهى من عمله عاد إلى الملك وأخبره، ليقرر الأخير عشية اليوم عقد مجلس الوزراء الذي قال في افتتاحه: “حين كانت البلاد تواجه صعوبات كان أسلافي يقومون بالحَرْكَة (conquete)، وأنا أيضاً في ظل الوضعية الصعبة الحالية التي يعرفها المغرب سأقوم بحَرْكَة. لذلك، من يريد أن يتبعني فمرحباً به ومن لا يرغب في ذلك ويَعتبر أن الوضعية صعبة جداً سنتركه بسلام”، رد الوزراء فيما يشبه الإجماع: “نحن وراءك يا جلالة الملك”، آنذاك التفت الملك إلى الجواهري وقال له:

“Abdellatif, dites leur à quelle sauce ils vont être mangés”، وهو تعبير يعني أن الوزراء لم يكونوا على علم بالمرحلة الصعبة التي كانت تنتظرهم، ففي شتنبر من نفسها السنة تم تنفيذ برنامج التقويم الهيكلي مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولا يزال موشوماً في الذاكرة السياسية المغربية بسلبياته أكثر من إيجابياته.
برنامج التقويم الهيكلي

يُحيل مصطلح “الحَرْكَة” إلى حملات كان سلاطين المغرب يقومون بها لجبي الضرائب، سواء لمعالجة مشاكل تواجه البلاد أو لتطويع قبائل متمردة. وفي سياق عام 1983، كان يعني أن الحكومة ستضطر للتقشف لإعادة التوازنات الماكرو اقتصادية عبر برنامج التقويم الهيكلي.

كان البرنامج يهدف للتحكم في الطلب الداخلي وخفض الاستثمارات العمومية، وتعبئة الادخار وتحسين تخصيص الموارد في الميزانية وإصلاح سعر الصرف، وتم ذلك من خلال إطلاق العديد من الإصلاحات المتعلقة بالمالية العمومية والسياسة النقدية والتجارة الخارجية، لكن ذلك نتجت عنه اختلالات اجتماعية وعجز حاد في مؤشرات التنمية البشرية.

لا يخفي الجواهري اعترافه بذكاء ومرونة تعامل مسؤولي صندوق النقد الدولي مع المغرب خلال تطبيق البرنامج، حيث قال في الحوار: “أعترف بأنهم أظهروا ذكاء ومرونة نسبيين، فقد كانت لدينا قواعد صعبة من خلال سقف للنفقات الحكومية وسقف للقروض البنكية، ولم نكن نستوفي الشروط المطلوبة بشكل كامل (95 في المائة 97 في المائة)، وهنا وجدت الصندوق متفهماً ولم يتخذ موقفاً دوغمائياً”.
الجواهري والياً

بعد فترة كوزير للاقتصاد والمالية، أمضى الجواهري سنوات من العمل في القطاع الخاص، لكنه عاد من حيث بدأ مساره المهني في بنك المغرب لكن هذه المرة واليًّا عليه، إذ تم تعيينه في هذا المنصب عام 2003 ولا يزال يتولاه إلى حدود الساعة، أي عقدين من الزمن.

لم يكن مسار المغرب مع بداية الألفينات سهلاً؛ فقد واجه صدمات عدة متتالية، لكن قيامه بإصلاحات هيكلية ساهم في تقوية صلابة اقتصاده، وكانت الوصفة بالنسبة للجواهري تتضمن استقلالية البنك المركزي منذ البداية وتكريسها في القانون.

يؤكد الجواهري ضمن الحوار أن استقلالية بنك المغرب كانت مضمونة منذ البداية باعتباره تابعاً للملك الذي يعين مسؤوله الأول، وفيما بعد أصبحت هذه الاستقلالية منصوصاً عليها في القانون، وهو ما أعطى للبنك المركزي المغربي وزناً وتقديراً بحيث لم يكن مرتبطاً بالحكومات ولا الأحزاب.

حرص الجواهري حين تولى مهامه كوال على قيام البنك المركزي بدوره في التوعية والتحسيس بشأن عدم إغفال التوازنات الماكرو اقتصادية لأنها تدخل ضمن السيادة الوطنية، حيث قال إن “هذا المجهود البيداغوجي والتوعوي والحوار المستمر مع الحكومة مكن المملكة من الحصول على اعتراف صندوق النقد الدولي عام 2012 من خلال موافقته على خط الوقاية والسيولة ثم خط ائتمان مرن عام 2023”.
خطوط ائتمان

عن إصلاح نظام سعر صرف العملة الذي بدأه المغرب عام 2018، كشف الجواهري أن صندوق النقد الدولي كان له دور كبير في دعم هذا الإصلاح، وسبق أن طلب مسؤولوه أكثر من مرتين المرور إلى المرحلة الثانية بعد جائحة “كوفيد-19″، لكن المغرب رفض ذلك بمبرر أن الظرفية لم تكن مناسبة وأن الفاعلين الاقتصاديين لم يكونوا مستعدين.

فيما بعد، وفي إطار المراجعات التي يقوم بها صندوق النقد الدولي طبقاً للمادة 4، لم يُبق الصندوق على توصية ضرورة المرور إلى مرحلة جديدة من سعر الصرف (حالياً نطاق التقلب المعتمد بنسبة ± 2,5٪)، واعتبر الجواهري أن هذا الموقف كان ذكاء من الصندوق لأنهم اقتنعوا بما يقوله المغرب.

أما عن حصول المغرب على خط الائتمان المرن بقيمة 5 مليارات دولار في مارس من العام الجاري، فقد أوضح الجواهري أن ذلك كان مشروطاً بالخروج من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، وضمان الاستدامة الميزانياتية، والتوفر على رصيد من العملة الصعبة.

خبرة وتجربة الجواهري الطويلة وتعامله مع المؤسسات المالية الدولية لأكثر من أربعة عقود، تجعله مؤهلاً لرصد تطور إحدى أهم هذه المؤسسات وهي صندوق النقد الدولي، ويقول في هذا الصدد: “التطور كان كبيراً، في الثمانينات كان التعامل يتم بمنطق menu à la carte، لكن اليوم تطورت الأمور حيث يتم الأخذ بعين الاعتبار وضعية كل بلد بتحليل معمق واستحضار الخصوصيات والالتزامات والوعود المقدمة”.

كما لاحظ الجواهري أن عدداً من المواضيع كانت تشكل بالنسبة للصندوق طابوهات أصبحت اليوم تثار بشكل عادي، مثل محاربة الفساد وتوزيع ثمار النمو، حيث بات يدعو دائماً إلى ضرورة محاربة الفساد وتحقيق النمو المستدام والشامل واستهداف الدعم.
سيطرة السياسة تقلق

في حديثه عن الوضع الحالي في العالم، قال الجواهري إن سيطرة السياسة هو أكثر ما يقلقه حُيال الاقتصاد العالمي، وزاد موضحاً: “هناك تفكك جيو-سياسي هائل لا نرى أي حل له، إلى أين نتجه؟ هل سنعود إلى حرب باردة أو حرب حضارات؟ لأننا بدأنا نتحدث عن الغرب وغير الغرب، أرى أن الجميع يبحث عن نفسه وإلى أي جانب سيصطف أم سيبقى في الوسط، وهذا ينتج عنه عدم اليقين وغياب الرؤية، وليس هناك أسوأ من هذا بالنسبة للاقتصاد والتنمية”.

كما انتقد الجواهري التفكك على مستوى النخب السياسية في العالم، خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا، حيث أكد أن هذا التفكك يهم كل دول العالم، سواء النامية أو الصاعدة أو تلك التي توجد في طريق النمو، وهو أمر جعل ثقة المواطنين معدومة في السياسة وكل ما يتعلق بالقطاع العام.

مع ذلك، يتمسك والي بنك المغرب بالتفاؤل، ودعا في هذا الصدد المنظمات الدولية لإعادة التفكير حول أدوارها الجديدة وتحديد الأولويات ومستقبل الأجيال المقبلة، وهي أمور يجب أن تكون ضمن تصميم السياسات والعمل على ضمان الالتقائية والتكامل بين الدولة والقطاع الخاص لحشد الجهود.

وعن انتظاراته بخصوص الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أكتوبر المقبل بمدينة مراكش، قال الجواهري إن “المشكل معقد اليوم أكثر من الاجتماعات السابقة، لأن التفكك والتجزأ الجيو-سياسي والاقتصادي سائد، إضافة إلى المخاطر المحدقة من كل جانب. لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يجب أن نوليه اهتماماً وكيف سنضمن التتبع والتقييم حول ما قمنا به وما سنقوم به؟”.

يُقر الجواهري بصعوبة تحديد الأولويات، وهو ما سيكون ضمن نقاشات قادة المال والأعمال ومحافظي البنوك المركزية العالمية ومسؤولي المؤسسات المالية الدولية في مراكش، وختم الحوار مؤكداً: “على كل حال، لا ينبغي دفن التعددية لأن ذلك سيعيدنا عقوداً إلى الوراء، ويجب التمسك بالتفاؤل رغم كل شيء”.

قد يهمك أيضا

البنوك تُعيق تطور المقاولات الناشئة بمجال التكنولوجيا المالية في المغرب

 

الجواهري يؤكد أن بنك المغرب عمل على تخفيض تكاليف التحويلات المالية للجالية

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

خبير يُقدر الخسائر المادية والبشرية لزلزال المغرب بالمليارات
والي بنك المغرب يكشف كيف واجه الملك الراحل الحسن…
تركيا تؤكد أنه لا بديل من اتفاق تصدير الحبوب…
اليماني يكشف عن وجود تواطؤ بين شركات المحروقات في…
رباح يُصرح "لا يمكن لدولة تنافقنا ولا تعترف بالصحراء…

اخر الاخبار

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل…
الرئيس الفلسطيني يعتز بالعلاقات القائمة على الأخوة والتضامن مع…
القوات المسلحة الملكية المغربية تُشارك بدورة تدريبية حول إزالة…
مجلس الحكومة يدرس اتفاقا بشأن التعاون العسكري والتقني بين…

فن وموسيقى

سلاف فواخرجي تؤكد أنها شاركت في إنتاج فيلم "سلمى"…
نادين نسيب نجيم تكشف عن سبب عدم مشاركتها في…
النجمة ماجدة الرومي تُحقق نجاحاً كبيراً في حفل خيري…
المغربية فاتي جمالي تخوض تجربة فنية جديدة أول خطوة…

أخبار النجوم

سلاف فواخرجي تخطف الأنظار بحكاية سلمي في مهرجان القاهرة…
شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية
حسين فهمي يردّ على انتقادات عمله بعد أيام من…
محمود حميدة يكشف سرّاً عن مشاركته في "موعد مع…

رياضة

أبرز المحطات في مسيرة لاعب التنس الاستثنائي نادال التي…
المغربي أشرف حكيمي ضمن المرشحين الخمسة للفوز بلقب أفضل…
محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

صحة وتغذية

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على…
فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات…
نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية

الأخبار الأكثر قراءة

كريستين لاغارد ترى أن المصارف المركزية قد تواجه تقلبات…