القاهرة – المغرب اليوم
جاءت قمة دول مجلس التعاون الخليجي السادسة والثلاثين والتي عقدت بمدينة الرياض يومي التاسع والعاشر من ديسمبر الجاري، وسط متغيرات إقليمية ودولية بالغة الأهمية، ففي الوقت الذي ما زالت فيه بعض الدول العربية تعاني من تداعيات التطورات السياسية في عام 2011، طال العنف والإرهاب العديد من الدول الغربية، إما بسبب تدني الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيها، وإما كنتيجة للآثار السلبية التي لحقت ببعض الدول العربية جراء الصراع بين المعارضة ونظام الحكم وترتب عليه موجات من الهجرة إلى الغرب.
هذه الأوضاع الإقليمية والدولية، انعكست على قضايا قمة الرياض الـ36 وعلى بيانها الختامي، وجددت فتح الآفاق نحو البحث في رؤى دول مجلس التعاون الخليجي لمعالجة قضاياها المشتركة ومواقفها من تطورات الأحداث السياسية والاقتصادية ليس فقط في محيطها العربي بل في جوارها الإقليمي والعالمي.
وفي هذا السياق، تلاقت كل الرؤى والأطروحات من دول مجلس التعاون الخليجي وتناغمت الرؤى العُمانية بعقلانية وأخذت بمفهوم التكتل والتوحد والتجمع المشترك أساسا لمبادراتها في دفع مسيرة مجلس التعاون للأمام، سواء فيما يخص الشأن الداخلي لمنظومة المجلس، أو فيما يخص المواقف الخليجية من التطورات السياسية في المنطقة، وهنا يمكن الإشارة إلى بعض القضايا والمواقف على النحو التالي:
أولاً: فكرة الاتحاد الخليجي: فقد تضمن البيان الختامي لقمة الرياض الـ36 مد فترة المشاورات السياسية بين دول مجلس التعاون حتى يتم الاتفاق عليها، وذكر البيان أنه بعد اطلاع قادة المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون على ما وصلت إليه المشاورات بشأن مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، جاء توجيه المجلس الوزاري الخليجي باستمرار المشاورات واستكمال دراسة الموضوع بمشاركة رئيس الهيئة المتخصصة في هذا الشأن، وفق ما نص عليه قرار المجلس الأعلى في دورته الثالثة والثلاثين التي عقدت في الصخير بمملكة البحرين ديسمبر 2012م.
ولا شك أن إفساح المجال لمزيد من الوقت حتى يمكن الانتقال من التعاون إلى الاتحاد، يتسق مع الرؤية العُمانية الداعمة لذلك من الأساس، إذ رأت أن دفع مسيرة المجلس للأمام يقتضي البناء على الإيجابيات وعلى الموضوعات المتفق عليها، أما القضايا الخلافية فيمكن أن تترك للتطورات والمعطيات، مع الاستمرار في تدارسها حتى يمكن التوصل إلى توافق بين الأطراف المختلفة.
وأكدت الرؤية العُمانية أن التعاون هو الأساس الذي قامت عليه فكرة إنشاء المجلس، وألا ينظر إلى المجلس على أنه تجمع أنظمه سياسية بقدر ما هو تجمع إرادات سياسية، تبحث عن التعاون، وأن الاستمرار في توسيع مجالات التعاون وتطوير التجربة، يؤدي في مراحل لاحقة إلى تحقيق مستويات متقدمة من التوحد أو الاندماج الكامل.
ثانياً: قضايا الإرهاب والعنف: فإذا كان البيان الختامي لقمة الرياض الـ36 أكد أن التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب من أسس سياسة دول المجلس، الداخلية والخارجية ونبذ الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله وصوره مهما كانت دوافعه ومبرراته، وأياً كان مصدره، وتجفيف مصادر تمويله، فإن سلطنة عُمان لم تألوا جهداً في نشر قيم التسامح والسلام والتعايش المشترك بين مختلف الثقافات، من خلال وسائل وآليات تدعم بها، ليس فقط الجهود الخليجية المشتركة وإنما تدعم بها جهود منظمة الأمم المتحدة واليونسكو في ترسيخ قيمة السلام والتسامح واستيعاب الآخر والتواصل معه من خلال الاتفاق على كل ما هو مشترك، أبرز هذه الوسائل والآليات: معارض "رسالة الإسلام" والتي دشنتها السلطنة منذ عام 2010 في جميع دول العالم، ودعم السلطنة لكل وسائل الحوار باعتباره الآلية الأنجح لحل مشاكل العالم، مفردات الثقافة والفن العُماني ومن أهمها دار الأوبرا السلطانية مسقط، كراسي السلطان قابوس العلمية.
ثالثاً: الأزمتان اليمنية والسورية: جاء البيان الختامي مؤكداً على الالتزام الكامل بوحدة اليمن وسوريا واحترام سيادتهما واستقلالهما ورفض أي تدخل في شئونهما الداخلية، ومؤكداً كذلك على أهمية الحل السياسي للأزمة في اليمن وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومؤتمر الرياض، والتنفيذ غير المشروط لقرار مجلس الأمن رقم 2216 (2015)، مشيداً بالجهود التي تبذلها الأمم المتحدة من خلال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد بعد الإعلان عن استئناف المشاورات في سويسرا منتصف ديسمبر الحالي وبدعم من سلطنة عُمان.
ومنذ اندلاع الأزمة اليمنية، والدبلوماسية العُمانية لم تتوقف من أجل حقن دماء اليمنيين والتوصل لحل سلمي للأزمة، باعتبارها وسيط نزيه يقف على مسافة واحدة من أطراف الأزمة، الأمر الذي جعلها محل ثقة من هذه الأطراف.
وتكرر نفس المشهد في الأزمة السورية، ففي خضم موجة الحراك الدبلوماسي، جاءت الزيارات الرسمية المتبادلة بين سوريا وسلطنة عُمان، لتصنع آفاقاً جديدة باتجاه الحل السياسي، باعتبار أن سلطنة عمان من الدول الخليجية صاحبة المواقف المتوازنة والوسطية، وتتمتع بعلاقات قوية مع أطراف مختلفة، تشمل دول مجلس التعاون الخليجي بالدرجة الأولى، وإيران وأعضاء مجلس الأمن والقوى الفاعلة عالمياً، يدعمها في ذلك أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقاطع سوريا دبلوماسياً.
هذه الوساطة والتحركات الدبلوماسية العُمانية النشطة في الأزمتين اليمنية والسورية، جاءت داعمة، ليس فقط للجهود العربية، وإنما للجهود والمساعي الدولية لحل الأزمتين بشكل سياسي سلمي يضع حداً لنزيف الدم في البلدين اليمن وسوريا.
إجمالاً يمكن القول أن تلامس الرؤى العُمانية مع واقع وقضايا الشأن الخليجي والعربي والعالمي، يدعم وبقوة، ليس فقط مسيرة مجلس التعاون الخليجي، وإنما يدعم الموقف الخليجي العام في مواقفه وسياساته تجاه التطورات السياسية العربية والعالمية، باعتبار أن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي هي المنظومة العربية الإقليمية الوحيدة التي تغلبت على كافة التحديات سواء النابعة من البيئة الخليجية ذاتها، أو النابعة من البيئة العربية والدولية، في مسيرة امتدت نحو 35 عاماً من العطاء والاستمرارية.