الرباط - المغرب اليوم
تدخل قضية الصحراء المغربية منعطفاً جديداً في أجندة هورست كولر، المبعوث الأممي إلى الصحراء، بعد إعلانه أمام مجلس الأمن عزمه توجيه دعوات رسمية إلى المغرب وجبهة البوليساريو باعتبارهما طرفين مباشرين، وإلى الجزائر وموريتانيا باعتبار أن لهما عضوية مراقب في الملف، في شهر شتنبر المقبل، قبل انتهاء ولاية البعثة الأممية "المينورسو" بتاريخ الحادي والثلاثين من أكتوبر المقبل.
وحول تطورات القضية الوطنية ومحاولة الرئيس الألماني السابق تحريك رمال الصحراء الراكدة منذ سنوات، يُؤكد عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، في حواره هذا مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن أي محاولة لحلحلة النزاع لا يمكن أن تتم بدون موافقة المغرب أو إن مآلها سيكون الفشل على شاكلة مفاوضات مانهاست السابقة.
وحذّر الدبلوماسي المغربي من عدم تحمل الجزائر مسؤوليتها الكاملة في استمرار هذا النزاع، خصوصا بعد قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2414، الذي طلب من البلدان المجاورة وهي الجزائر وموريتانيا تقديم مساهمة مهمة في هذا المسلسل وإبداء التزام أكبر من أجل المضي قدما نحو حل سياسي.
إليكم نص الحوار:
بداية، ما هو تعليقكم على الإحاطة التي قدمها هورست كولر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، أمام مجلس الأمن الدولي؟
الهدف الأساسي من وراء هذا الـ Briefing هو إخبار أعضاء مجلس الأمن بتفاصيل جولته الإقليمية الثانية إلى المنطقة، التي قام بها في الفترة من 23 يونيو إلى فاتح يوليوز الماضيين. وطبعاً، لقد كان إيجابياً في تقييمه لهذه الزيارة؛ فقد أكد أن النقاش الذي أجراه مع المسؤولين المغاربة كان نقاشاً عميقاً وصريحاً، عبر فيه المغرب عن موقفه النهائي من قضية الصحراء وقراءته لتطورات الملف، خصوصا القرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2414.
وشكر كولر، في إحاطته، المغرب على فتحه لأبواب الصحراء في وجهه بدون قيود أو شروط مسبقة؛ وهذه أول مرة يقوم مبعوث أممي بزيارة لمدة أربعة أيام، التقى فيها مع كل من أراد بالأقاليم الصحراوية ولم يُمنع من لقاء من كان يريد لقائه، وهو المعطى الذي دفع كولر إلى التعبير عن امتنانه للسلطات المغربية.
وماذا عن أهم ما جاء في الإحاطة الأممية بخصوص عزمه دعوة أطراف النزاع إلى مفاوضات جديدة؟
بالفعل، هذا ما تضمنه الشق الثاني للعرض الذي قدمه أمام مجلس الأمن، حيث أعرب عن نيته إعطاء دفعة جديدة في المسار السياسي للملف قبل نهاية السنة الجارية. وهنا، أود أن أشير إلى أن غالبية الدول الأعضاء شددوا على ضرورة التقدم بحذر في إطار إحياء هذا المسلسل، من خلال التشاور مع الأطراف، وخاصة المغرب بشأن جميع الأفكار والمقترحات. وهذا الأمر إيجابي بالنسبة إلى المغرب؛ لأن مجلس الأمن عبر عن احترامه وتقديره لموقفنا، ولأنه يفهم أيضاً أنه لا يمكن إطلاق أي مسار ممكن بدون استثارة وموافقة المغرب؛ لأننا نحن المعنيون الرئيسيون.
أفهم من كلامكم أنه لا مفاوضات حول الصحراء بدون موافقة الرباط عن مضامينها؟
أولا، الأمر لا يتعلق بمفاوضات؛ بل هو فقط حديث عن لقاء تشاوري مرتقب.. نحن لا نتكلم عن مفاوضات بل حول مسار سياسي للملف. وموقفنا من زمان يعرفه القريب والبعيد وجميع أعضاء مجلس الأمن، وخاصة الرئاسة الإنجليزية التي تتولى اليوم مجلس الأمن. كما أن أول رسالة توصلت بها الرئاسة البريطانية هي رسالة المغرب، وأكدنا من خلالها موقفنا بخصوص المفاوضات حول الصحراء، والتي لا يمكن أن تتم بدون الجزائر لأنها ستكون مضيعة للوقت.
وماذا إن رفضت الجزائر هذا الشرط المغربي، خصوصا أن تصريحات على لسان مسؤوليها تؤكد عدم قبولها التفاوض كطرف رئيسي مع الرباط؟
نحن نُعلن بصراحة عن موقفنا، بدون لف ولا دوران.. وفي حالة رفض شروطنا، فليتحمل الجميع مسؤوليته. القرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2414 بتاريخ 27 أبريل 2018 طلب من البلدان المجاورة وهي الجزائر وموريتانيا تقديم مساهمة مهمة في هذا المسلسل وإبداء التزام أكبر من أجل المضي قدما نحو حل سياسي. بالنسبة إلى موريتانيا، فهي تقوم بـ"حياد إيجابي" وتقول إنها متفقة مع أي قرار يفضي إلى إنهاء النزاع؛ ولكن الجزائر هي من تحتضن وتمول وتدافع عن البوليساريو، بل تقدم للانفصاليين جوازات سفر وتتفاوض مع الأمم المتحدة بخصوص ملف الصحراء وتناقش في الكواليس قرارات مجلس الأمن.. إذن، لا يمكن أن تقوم بجميع هذه الممارسات وعندما نأتي إلى المفاوضات نتهرب بداعي أننا غير مسؤولين عن البوليساريو.
لقد أخبرنا المبعوث الأممي بضرورة أخذ العبرة من التجارب السابقة، وخصوصا مفاوضات مانهاست.. لا يمكن لنا أن نعيد هذه الجولات بين المغرب والبوليساريو.. لم نتوصل حينها إلى أي نتيجة أو توافق. واليوم، كنا صرحاء مع كولر وأخبرناه بأن أي نجاح للخطوات التي يقوم بها تقتضي حضور الجزائر كطرف رئيسي في الملف، وفي غيابها عن الطاولة لا يمكن تغيير هذا الواقع، ونحن غير مستعدون لإضاعة وقتنا مع طرف لا يمتلك السلطة والقدرة والاستقلالية وأي حرية قرار للتعبير عن موقفها. البوليساريو مجرد أداة سياسية في يد الجزائر، وتتحرك بمنطق التعليمات، وهذا شيء معروف لدى الجميع اليوم. أنهي هذه النقطة بالقول: المفاوضات إما أن تكون مع الجزائر أو لن تكون نهائيا مع هذا الكيان الوهمي.
طيب، بالنسبة إلى مبادرة الحكم الذاتي الذي قدمها المغرب لإنهاء النزاع بالصحراء. هل يحظى هذا المقترح بدعم كاف داخل مجلس الأمن؟
يمكنك أن تعود إلى البيانات التي تصدرها وزارات خارجيات الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن؛ فكل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا تؤكد أن مقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية هو "جدي" و"إيجابي" و"بناء" ويمكنه أن يكون أساساً للمفاوضات وللحل. ومن جهة ثانية، المغرب لا يمكنه أن ينتظر حتى يتوافق جميع أعضاء مجلس الأمن حول المبادرة؛ لأنه على أرض الواقع هناك الجهوية المتقدمة. كما أن جهتي الداخلة والعيون تشهدان نهضة حقيقية ويتم اختيار المنتخبين عن طريق انتخابات شرعية وديمقراطية، ومنهم من كان بالأمس في المخيمات وانخرط اليوم في المسار الديمقراطي ويقوم بتسيير منطقته الصحراوية.
أريد أن أؤكد أنه كيف ما كانت قرارات مجلس الأمن حول الصحراء، فمواقف المغرب محسومة، ولا حل للقضية الوطنية خارج السيادة المغربية ومقترح الحكم الذاتي.
تُواصل جبهة البوليساريو شن هجمات قوية على حلفاء المغرب بمجلس الأمن، خصوصا فرنسا. هل يؤثر ذلك على مواقف المنتظم الدولي؟
هذا ما يُسمى بـ"الإرهاب الفكري"Terrorisme Intellectuel، وأساليب الترهيب والتخوين والتهديد ليست بجديدة عنهم. مواقف هذه الدول من الصحراء مبنية على دراسة وأسس متينة وتقدير واقعي لقضية الصحراء وجذورها التاريخية والقانونية والسياسية والنبوية والديمغرافية. مثلا موقف فرنسا ليس بموقف حزب معين، بل موقف عشرات السنين منذ بداية نزاع الصحراء. ولغة الشتم والسب لا يمكن أن تقنع دولا بتغيير مواقفها الداعمة لمغربية الصحراء. في الجهة المقابلة، نحن لا نسب من يعارض موقفنا؛ بل ندعو إلى الواقعية ومساندة المسلسل التفاوضي الذي ترعاه الأمم المتحدة، بلغة دبلوماسية حضارية لأن سب الدول هو سلاح الضعفاء الذين لا يتوفرون على حُجج علمية.
ماذا عن ما يروج بخصوص تغييرات جذرية مرتقبة في عمل بعثة "المينورسو" بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية؟
أولا، ليس الولايات المتحدة الأمريكية من طلبت هذا الافتحاص؛ بل يأتي في إطار افتحاص 16 بعثة أممية في العالم، في إطار تحليل استراتيجي شامل يهدف إلى الوقوف على الإمكانات السياسية والعسكرية والمادية المتوفر لهذه البعثات، في إطار إصلاحات السلم والأمن داخل أجهزة الأمم المتحدة، التي جاء بها الرئيس أنطونيو غوتيريس.
إذن، التقييم يخض جميع البعثات وليس فقط "المينورسو" بالعيون. وعند الانتهاء من هذه العملية، يتم بعث تقرير مفصل إلى الأمين العام وهو تقرير داخلي لا يتم إرساله إلى الدول، يتم فيه الوقوف على وضعية البعثات الداخلية، خصوصا أن هناك من تقوم بصرف أموال طائلة بدون فائدة.. مثلا عندما نرى أن المينورسو تكلف 50 مليون دولار بينما البعثة الموجودة في مالي أو الكونغو تكلف مليار و200 درهم سنوياً، فهو مبلغ مكلف جداً لمالية الأمم المتحدة.
أثارت الآلية الإفريقية المهتمة بقضية الصحراء جدلاً واسعاً بين المغرب والبوليساريو. هل قدم كولر خلال الإحاطة التي قدمها موقفاً بخصوصها؟
لا لا، لم يتحدث نهائياً عن هذا الأمر.
وهل من توضيحات صادرة من قبل الأمم المتحدة حول كيفية التعاون أو التنسيق لتفعيل الآلية الإفريقية؟
لا توجد أي توضيحات بخصوص التعاون أو التنسيق في هذا المجال. موقفنا واضح من دور الوحدة الإفريقية، وعندما عاد المغرب إلى بيته الإفريقي راسلنا الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن للتأكيد على أن المسار السلمي التفاوضي حول الصحراء هو أممي مائة في المائة، ونرفض أي تدخل للاتحاد الإفريقي في هذا المسار. يمكن أن نقبل بتدخل إفريقيا في الموضوع في حالة طرد شرذمة البوليساريو، أما أن تبقى المنظمة الإفريقية محتضنة للكيان الوهمي فموقفنا لن يتغير.