الرباط - بشرى بلال
كشفت مصادر محلية أن جهة بني ملال خنيفرة سجلت ما بين عام 2017 إلى حدود الآن ارتفاعا مهولا في عدد المنتحرين الذين لا يقل عددهم عن 90 شخصا، بينهم 18 طفلا تم تسجيلهم منذ مطلع السنة الجارية 2018 في ظروف تبقى أغلبها مجهولة.
وأفاد مصدر طبي "المغرب اليوم" بأن آخر حالة سُجلت تعود إلى الخميس الماضي، حين أقدم مريض يرقد في المركز الاستشفائي الإقليمي لمدينة خنيفرة على الانتحار بطريقة مروعة من خلال رمي نفسه من الطابق الثاني للمستشفى المذكور.
وكشف المصدر ذاته أن الهالك يتحدر من حي أسكا في المدينة، وهو حلاق سابق ومهاجر منذ سنوات طويلة بالديار الخليجية، إلا أنه فارق الحياة على الفور بعد إصابته بجروح خطيرة على مستوى الرأس.
وأشار المصدر نفسه إلى أن حالة انتحار أخرى تم تسجيلها في نفس اليوم لشابة ابتلعت سم الفئران لأسباب تعود إلى مشاكل نفسية كانت تعانيها، ليتم نقلها على وجه السرعة إلى المستشفى، حيث جرى إنقاذ حياتها في آخر لحظة.
وأمام تفاقم ظاهرة الانتحارات بالجهة، خرج العشرات من المواطنين في وقفة احتجاجية أمام المستشفى بمدينة خنيفرة تعبيرا عن غضبهم الشديد من تفاقم هذه الظاهرة، مسجلة مصادرنا 71 حالة انتحار خلال السنة الماضية، قبل أن تنضاف إلى الحصيلة 18 حالة أخرى جلها من الأطفال منذ مطلع السنة الجاري 2018.
من جهته، يرى علي الشعباني أستاذ باحث في علم الاجتماع، في حديثه مع "المغرب اليوم" أن "ظاهرة الانتحار بالمغرب لا حل لها، وذلك في غياب الإمكانيات المتاحة للتقليل منها. وهو يقصد غياب المواكبة النفسية لمرضى الاكتئاب من قبل الجمعيات ومراكز خاصة، كما لم يستثن وسائل الإعلام التي أعاب على عدم تعاطيها مع هذه المواضيع الشائكة بأهمية كبرى"، مشيرا إلى أن هناك عوامل متداخلة، تقف وراء إقدام الشخص على التخلص من حياته، بعدما يدخل على إثرها في حالة اكتئاب لا ينتبه لها المحيطون به إلا بعد التخلص من حياته بطريقة ما، على حد قوله.
حذر جواد الخاني رئيس المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان، في حديثه مع "المغرب اليوم"، من تفاقم ظاهرة الانتحار بمدن المملكة، بمن فيها مدينة القنيطرة التي شهدت -حسبه- في الآونة الأخيرة ارتفاعا وصفه بالمهول من حيث أعداد المنتحرين خاصة في صفوف الشباب.
وتأسف الخاني لهذا الارتفاع في غياب عدد من الإمكانيات غير المتاحة أمامهم، والمتعلقة أساسا بضعف فرص الشغل ومراكز الاستماع لمواكبة الحالات المصابة بالاكتئاب وغيرها من العوامل المساهمة في الانتحار، مشيرا إلى أن الحصيلة الرسمية لأعداد المنتحرين في مدن المملكة تبقى غير محددة، لوجود حالات كثيرة قد تكون في الغالب غير معلن عنها من قبل وسائل الإعلام أو الجهات الرسمية، ما يجعل حسبه تحديد الحصيلة العلمية والدقيقة لهذه الظاهرة أمرا صعبا.
والتمس المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان من الجهات الوصية والمتمثلة في كل من وزارة العدل، وزارة الداخلة، وزارة الصحة، والمديرية العامة للأمن الوطني ووزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، تدخلها جميعا لرصد عاجل لهذه الظاهرة المخيفة التي اكتسحت المدينة.
وطالب المنتدى المغربي في رسالته الموجهة إلى الجهات المعنية بالبحث في الجوانب النفسية والمعيشية والاجتماعية لشباب المدينة الذين دخلوا – حسبه منعطفا خطيرا أمام تكرار محاولات الانتحار في صفوفه.
وأمام هذا التطور المقلق، التمس المنتدى المغربي من المسؤولين، بمعالجة المسببات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكل عوامل اليأس خاصة وسط الشباب والشابات، وذلك من خلال توفير البنية الاستقبالية الملائمة للعلاج النفسي والصحي وللمصابين باضطرابات نفسية أو الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان والمخدرات، والقضاء على كل مظاهر الإهمال والضياع والتشرد، والحد الأمني من فرص الوصول إلى وسائل الانتحار، والقيام بدراسات علمية حول الظاهرة في كل أبعادها وتجلياتها وكذلك رصد لتحولات المجتمع خاصة في مدينة القنيطرة، وإعطاء الأهمية لأدوار وسائل الإعلام والمدرسة المغربية والمجتمع المدني في التوعية والتنبيه والتعبئة المجتمعية من خلال بلورة استراتيجيات وبرامج واضحة للعمل وللتعاطي.