الرباط - المغرب اليوم
أعلنت المملكة المغربية مؤخرا، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية اتهامها وفقَا لمعطيات بيان وزارة الخارجية المغربية بتقديم دعم عسكري سري بطريقة مباشرة للبوليساريو عبر توفير الغطاء الدبلوماسي لكوادر بحزب الله اللبناني، حتى يتمكنوا من ولوج بوابات الحدود الجزائرية، وكذا الانتقال إلى مدينة تندوف لعقد لقاءات عمل مشتركة وبطريقة غير مباشرة من خلال تدريب عناصر الجبهة الانفصالية على أساليب حرب العصابات وتكوين فرق كوماندوز وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب، وتأييد الجبهة الإنفصالية ضمنيا في طرحها الانفصالي لقيام جمهورية صحراوية والعمل على دعمها في استهداف المغرب في أمنه واستقراره.
وانبرت العديد من المنابر الإعلامية مستعينة برهط غير يسير من المحللين والخبراء، والذين أجمعوا على أن تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية كاف لتأييد ما جاء في البلاغ الرسمي المغربي، وأن الأخير كان جامعا مانعا لما وجب قوله وملخصا لمسطرة سلكتها الدبلوماسية المغربية في إعلان موقفها السيادي الرافض لكل تدخل أجنبي في ملف وحدتها الترابية؛ وعليه فتقييمنا للحدث سيتضمن ثلاث نقط، أولها الجهد الدبلوماسي، ثانيها تفاعلات الدول المعنية، وثالثها تحليل نوعية التهديد الذي قطع العلاقات.
الجهد الدبلوماسي
أظهر البلاغ المغربي أن القرار السيادي المغربي يعيد تقديم تحذير ليس فقط على المستوى الثنائي بين الدولة المغربية ودولة أخرى، وإنما رسالة موجهة لأي دولة تضع يدها داخل الملف المغربي للوحدة الترابية، ولم تعتمد الخارجية المغربية فقط على ما تداوله الإعلام بشأن اجتماع بين بعض موفدي البوليساريو وبعض المحسوبين على حزب الله في بيروت، وإنما أيضا على ما رصدته الخارجية المغربية عبر مصادرها من تحركات السفارة الإيرانية وتواصلها مع مخيمات تندوف، في استعراض واضح لتتبع المغرب لما يحدث داخل المخيمات بدقة، وما يجري أيضا على مستوى السفارة الإيرانية؛ وبالتالي يمكن تخمين أن التتبع المغربي لما يجري سيكون بكل تأكيد شاملا لتحرك البعثات الأجنبية داخل الجزائر.
هذا الترصد والتتبع وضع على طاولة اجتماع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، معززا التأكيد المغربي على وجود تنسيق ودعم أيراني لمليشيات البوليساريو بشريا ولوجيستيا.
هذا الملف الذي انتقل من أجله وزير الخارجية، ليس فقط عمل مراكز بحث علمية أو استنتاج دوائر الإعلام الحكومية التي تتابع ما ينشر على صفحات الجرائد والمواقع الإعلامية، وإنما ملفا معززا بمعطيات نعتها الوزير بـ"الدامغة"، ويحيلنا هذا النعت على اعتبار أن ما قدم معلومات استخباراتية موثوقة ومعززة بأدلة مادية قد تكون صورا ووثائق جمعت من مصدرها؛ وهذا ما أربك الخارجية الإيرانية وجعلها تخرج بتصريح ضعيف.
واعتبر بهرام قاسمي، المتحدث باسم الخارجية الإيراني، التصريحات المنسوبة إلى وزير الخارجية المغربي بشأن تعاون أحد دبلوماسيي إيران مع جبهة البوليساريو "غير صحيحة، وتتنافي مع الواقع"؛ في حين استقبل السفير المغربي بالجزائر من طرف الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الذي أطلعه على "استنكار السلطات الجزائرية للتصريحات غير المؤسسة كليا والمقحمة للجزائر بطريقة غير مباشرة التي أدلى بها وزير الخارجية المغربي بمناسبة إعلان قطع علاقات بلده الدبلوماسية مع جمهورية إيران الإسلامية"، وفقًا لما أكده الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية عبد العزيز بن علي شريف.
واحترمت المملكة المغربية الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها في ما يخص العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فمعاهدة فيينا لسنة 1815 أسست لتبادل البعثات الدبلوماسية، ليتم تتميمها ببروتوكول ايسك لاشابيل سنة 1818 وبعدها الاتفاقية الدولية الموقعة بفيينا سنة 1961، والتي تحمل عنوان "الاتفاقية حول العلاقات الدبلوماسية"، وتعتبر قيام العلاقات وتبادل البعثات الدبلوماسية لا يتم إلا بعد اتفاق ثنائي بين الدول. هذه العلاقات تقطع في حالة وجود اختلاف حاد حول ملف أو قضية ما، وتقطع أيضا في حالة الحرب.
ويتم قطع العلاقات إذا كان استدعاء سفير الدولة للتشاور غير كاف للتعبير عن موقف الدولة من نظيرتها بخصوص موقف ما كما حدث في هذه الحالة، إذ إن وزير الخارجية المغربي وبعد تقديمه للأدلة التي تثبت تورط إيران في تدعم وتسليح البوليساريو استقدم سفير المغرب بطهران معه في رحلة عودته إلى البلاد؛ وهو بذلك وبمجرد التحاقه بالوزارة أعلن قطع المغرب لعلاقاته بإيران كتحرك سيادي مغربي لإيقاف العبث الإيراني وحشر نفسها في نزاع بعيد كل البعد عنها.
وعليه كان اللقاء بين الوزيرين أول خطوات إعلان القطيعة، بعدها استقدام السفير المغربي وتقديم تصريح صحفي للرأي العام الوطني والدولي حول خلاصات الزيارة وقرارات المغرب، ليعلن الوزير أن السفير الإيراني صار شخصا غير مرغوب فيه ولم يعد له مبرر للبقاء. وهنا يجب إيضاح أن قطع العلاقات الدبلوماسية، وإن كانت تعني مغادرة السفير وكل الدبلوماسيين، إلا أن مصالح الدولتين في كل منهما قد تستمر تحت حماية سفارة أجنبية أخرى وتستمر مقرات السفارة والإقامة بالتمتع بالحصانة الدبلوماسية اللازمة.
كما يمكن للمصالح القنصلية البقاء رغم ذلك، لكنها لا ترتبط بعلاقات مصلحية مع السلطات السياسية لبلد الاستقبال، إذ تعنى بالحفاظ على المصالح المدنية والتجارية للرعايا الأجانب التابعين لتلك الدولة كما هو مبين في فصول معاهدة فينا لسنة 1963.