تونس ـ حياة الغانمي
نشر عضو مجلس نواب الشعب عن كتلة الحرة الصحبي بن فرج تدوينة على "فيسبوك" كشف فيها عن ما وصفه بـ"فساد حارق" يتعلّق بالضمادات المشربة التي تستعمل في حالات الحروق الخطيرة والممتدة.
وفي ما يلي نصّ التدوينة التي نشرها بن فرج في حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي الـ"فايسبوك":
" كيف كشفت حادثة القصرين عن فساد كبير؟
وبمناسبة زيارتنا لستشفى الحروق البليغة في بن عروس، حادث القصرين أبلغنا رئيس القسم بفقدان الضمادات المضمخة (المشربة) (compresses imprégnées) من السوق وهي ضمادات لا غنًى عنها في حالات الحروق الخطيرة والممتدّة.
عادت بي الذاكرة مباشرةً الى شهر مارس/أذار الماضي حين اتصل طبيب رئيس قسم الحروق البليغة بالنائبة نادية زنڤر عن كتلة الحرة واشتكى من تلاعبٍ فاضح خلال إعداد كراس الشروط الخاص بهذا النوع من الضمادات في إدارة الDPM بوزارة الصحة الخاص (dossier d'AMM) .
ثم بيّن لنا الطبيب وبالوثائق والمراسلات الرسمية كيف إعترض وراسل واحتج على تصرفات الادارة خلال تهيئة كراس شروط طلب العروض (cahier des charges d'appel d'offre) الخاص باقتناء هذه الضمّادات والذي صُنع على قياس إحدى الشركات الخاصة بحيث تصبح هذه الشركة في وضع تفاضلي يمكنها من شبه احتكار سوق هذه المادة الحيوية.
تذكرت أيضا، ذلك الوفد من إطارات الصيدلية المركزية الذي اتصل بخلية متابعة قضايا الفساد في الكتلة (وبهيئة مكافحة الفساد) للتبليغ عن التلاعب الذي يقع في مصالح الصيدلية المركزية، بما يخدم مصالح شركات دون أخرى يتم تبجيلها ومحاباتها على حساب قوانين المنافسة
وذكروا لي كمثال موضوع الصفقات المشبوهة بل والمفضوحة للضمادات الطبية، وحذّروا من أن إدارة الصيدلية المركزية تقوم عمليا بعملية مدروسة لـ"تجفيف السوق" وتسليمها الى مصنّع واحد وماركة بعينها...وذلك عبر الامتناع عن شراء أو تسويق أي ماركة أخرى منافسة للشركة المدللة.
وبالفعل، وصلنا اليوم الى حالة فقدان هذه الضمادات، من السوق خاصة في الاحجام الكبرى(40سم/40سم) ولم يبق سوى الاحجام الصغرى(10سم/10صم التي لا تفي أصلا بالحاجة(.
كانت هذه قصة الفساد المخذي والآن إليكم الفضيحة:
في طريق العودة من مستشفى بن عروس، أعلمني أحد المزوّدين (المغضوب عليهم) بأنه توجد حاليا في مخازن الصيدلية المركزية 2000 علبة من الضمادات المضمخة تابعة لشركته، هذه الكمية المهمة وقع توريدها على وجه الخطأ وهي تقريبا محجوزة في مخازن الصيدلية التي ترفض قطعيا بيعها الى المستشفيات المحتاجة (لأن وضعيتها غير قانونية(
اتصلت فورا بالصيدلية المركزية واستفسرت عن الامر(من مسؤولين في أعلى مستوى) فجاءني الرد كما يلي:
الجواب الاول: بصراحة سيد النائب، لا يمكننا قانونيا التصرف في هذه العلب لان وضعيتها غير قانونية!!!
الجواب الثاني: مممممم سيد النائب، والله نكلم المدير العام ونشوف معاه عن إمكانية التصرف في هذه العلب
(Procédure de régularisation)
لاحظوا التناقض1
الجواب الثالث (بعد جلسة عمل داخلية): في الحقيقة سيد النائب، يوجد لدينا مخزون كافٍ من الضمادات المضمخة تابعة لشركات وماركات أخرى، ولا داعي أبدًا للقيام باجراءات استثنائية للافراج عن الـ2000 علبة المحجوزة (قمت شخصيا بوسائلي الخاصة وعبر مصادر متعددة بالتثبّت من حجم المخزون المتوفر وثبت لديَّ انه لا يتجاوز احتياطي أيام معدودة(
الجواب الرابع: لقد قمنا بإطلاق طلبيات مستعجلة لشراء هذه الضمادات، وعندنا وعود من المزودين بأنها ستصل خلال ثلاث او اربع أسابيع
لاحظوا التناقض 2
الجواب الخامس: سيد النائب، المفروض ان نقوم بإرجاع هذه العلب "المارقة" الى دولة المنشأ (rapatriement de la marchandise)
لاحظوا الفضيحة
سأترجم لكم هذه الأجوبة وألخص العملية كاملة في خمسُ نقاط:
1- الذراع الاداري للوبي الأدوية قام بإعداد النصوص القانونية التي تضمن إهداء السوق الى شركة بعينها(إدارة الDPM بوزارة الصحة)
2- الذراع التنفيذي لنفس اللوبي (الصيدلية المركزية) قام طيلة أشهر بتجفيف السوق "واغتيال" المنافسة عبر مسالك توزيع التي تسيطر عليها حصريا الصيدلية المركزية، بحيث يصبح إحتكار السوق أمرا واقعًا ومضمونة للشركة المدللة.
3-تأتي حادثة القصرين فجأة لتُعرّي العملية: تهاطل الطلب على الضمادات مقابل مخزون يقارب الصفر (المفروض حسب وثائق الإدارة أننا نمتلك مخزون استراتيجي يكفي 4 أشهر)
4- ترتبك الادارة وتسرع بإرسال طلبيات مستعجلة الى المزودين يوم 1 سبتمبر (24 ساعة بعد الحادث) رغم ان مطالب التوريد موجودة منذ ماي الفارط
5- نُعلم الادارة بوجود 2000 علبة قادرة على تغطية الحاجيات المستعجلة للمستشفيات وأقسام الحروق، فترفض وتتعلل بوضعية غير قانونية (وهي تعلم جيدا أن لها الآليات القانونية والإدارية الكفيلة بتسويتها خلال ساعات، وتعلم جيدا انها استعملت سابقا هذه الاليات في وضعيات أخرى ) وتفضل ان تترك البلاد لمدة 4 أسابيع بدون هذه المادة الاستراتيجية الحيوية بل وتفكر في إعادة العلب المتوفرة إلى بلد المنشأ!!!
المهم هو الا يتم كسر إحتكار سوق الضمادات الطبية الذي إشتغل عليه هذا اللوبي طيلة أشهر
عذرا عن الإطالة.. شيئ يحرق
ملاحظة: الملف أبلغته النائبة نادية زنڤر الى وزير الصحة السابق، وأبلغه الطبيب رئيس القسم الى كل من يهمه الامر، وقام أعوان الصيدلية المركزية بالتبليغ عنه الى هيئة مكافحة الفساد وقمت شخصيا بإبلاغ وزيرة الصحة الحالية منذ ساعات، وقد وعدت بالتدخل العاجل للافراج عن العلب "المارقة".