مراكش - المغرب اليوم
استغرقت غرفة الجنايات الاستئنافية في مراكش، ساعتين في الاستماع إلى ثلاثة شهود للنفي في ملف كازينو السعدي، قبل أن تؤجل المحاكمة لجلسة 20 ايلول/سبتمبر المقبل من أجل المرافعات. وشهادة عبد الإله الذهبي، العضو السابق بالمجلس الوطني لحزب الاستقلال، لم تقدم جديدا، ولم تخرج عن سياق التناقض الذي شاب تصريحاته طيلة مراحل القضية، فقد أشار إلى أن الشريط الصوتي المنسوب للمتهم عبد اللطيف أبدوح وأعضاء أغلبيته في بلدية المنارة ـ جليز، وهو يتداولون في اقتسام رشوة يُشتبه في أنه تلقاها من الشركة المستغلة للكازينو مقابل التصويت على مقرّر تفويته إليها، لم يكن واضحا، وأنه سبق له أن تسلمه من طرف مسجله، والذي ليس سوى شاهد الإثبات الوحيد في الملف، لإيصاله إلى القيادي الاستقلالي، مولاي امحمد الخليفة، بحكم أنه كان من المقرّبين منه، ليعرضه هذا الأخير على الأمين العام السابق للحزب، عباس الفاسي، ويطلعه على ما كان يعتبره مسجل الشريط “دليلا ماديا على الخروقات المالية بالبلدية المذكورة التي ترأسها أبدوح بين 1997 و2003″، فيما سبق للذهبي أن صرّح أمام قاضي التحقيق بأنه سلم الشريط، بحضور مسجله، إلى الخليفة بمنزله بالرباط.
وأما خلال تصريحه أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، فقد أكد بأنه تسلم الشريط في ظرف بريدي مغلق دون أن يطلع على مضامينه، مضيفا بأنه اتصل بالخليفة مخبرا إيّاه بالموضوع، فطلب منه هذا الأخير إيداع الظرف منزله بمراكش، من أجل أن يسلمه لاحقا للأمين العام السابق للحزب، وبعد أن أجرت له الفرقة مواجهة مع مسجل الشريط، الذي لم يكن سوى مصطفى بنمهدي، كاتب مجلس المنارة ـ جليز، الذي عاد واعترف بأنه استمع للشريط قبل تسليمه للخليفة. أما خلال التحقيق التكميلي، الذي قامت به غرفة الجنايات الابتدائية، فقد أكد، في معرض رده على سؤال لأحد القضاة، بأنه اطلّع على الشريط، دون أن يتمكن من الاستماع جيدا للأصوات، قبل أن يعقب عليه القاضي بعبارة "أنا بعْدا سْمعت"
الشاهد قال إن شاهد الإثبات كانت له عداوة مع أبدوح، متهما إيّاه بأنه فبرك الشريط، من خلال توضيب مداولات الأعضاء بالدورات، التي كان يسجلها باعتباره كاتبا للمجلس مكلفا بتحرير المحاضر، وهو الاتهام الذي سبق لشاهد الإثبات أن فنّده، خلال إفادته أمام المحكمة، موضحا بأن دورات المجلس كان يحضرها ممثل السلطة والموظفين ووسائل الإعلام، ولا يمكن للمستشارين أن يثيروا فيها الاستفادة من امتيازات مقابل التصويت، مشددا على أن الشريط يتضمن مفاوضات بين أبدوح ومن معه حول اقتسام رشوة.
وقد سبق لقاضي التحقيق أن خلص إلى أن تفويت الكازينو لشركة "فيرما ديتم" شابته عمليات مشبوهة، وهو ما زكته تصريحات المتهمين عبد الرحيم الهواري ولحسن أمردو، حين عرض عليهما الشريط، فاعترفا أمامه بأنهما كانا يتحدثان حول مبالغ مالية، وكان كل واحد منهما يحاول استدراج الآخر لمعرفة الحقيقة، إذ جاء على لسان الأول مبلغ 200 مليون، ليعقب عليه الثاني بأن القضية فيها 500 مليون.
والعداوة بين شاهد الإثبات والمتهم الرئيس عاد وأثارها شاهد النفي الثاني، مختار الشلح، الذي كان مستشارا سابقا بالبلدية نفسها لعدة ولايات تنقل خلالها بين عدة أحزاب، زاعما بأن التصويت على مقرّر التفويت لم تشبه شائبة، فيما سبق له أن صرّح، خلال التحقيق الإعدادي، بأنه، وبحكم عمله في المعاملات العقارية، فإن ثمن تفويت الكازينو (600 درهم للمتر المربع) لم يكن مناسبا، كما أكد بأن المبلغ الذي حددته المفتشية العامة للإدارة الترابية في 20 ألف درهم للمتر المربع، هو السعر المناسب.
الشاهد نفسه سبق له أن وقّع، إلى جانب 27 عضوا من أصل 39 المشكلين للمجلس المنارة، بتاريخ 9 مارس 2000، على طلب إقالة أبدوح، قبل أن يتراجع، يوما واحدا بعد ذلك، ويوّقع مع 22 عضوا آخرين، بينهم أبدوح نفسه، على رسالة أخرى للوالي يتبرؤون فيها من الطلب.
شاهدة النفي الثالثة لم تكن سوى “فاطمة.أ”، الموظفة لدى المقاول المتقاعد، عبد الغني المتسلي، المدان ابتدائيا بثلاث سنوات نافذة لاتهامه بتقديم 6 شقق لأبدوح كرشوة لتسهيل حصوله على الوثائق الخاصة بمشروعه السكني “سينكو”، وإحداث طريق بتمويل من البلدية في قلب المشروع نفسه، فلقد صرّحت بأن أبدوح كان يدفع لها مبالغ مالية نقدية على شكل دفعات وتسلمه وصولات، قبل أن يواجهها ممثل الحق العام بأن أي مبلغ يتجاوز مليون سنتيم كان من المفروض أن يؤدى بواسطة شيك، لترد عليه بأن أبدوح شخص معروف ولم تطبق معه المسطرة المذكورة، وحين استفسرها عن السجل الذي يتضمن الدفعات المزعومة أجابت بأن الشركة لم تعد تحتفظ به.
وقد سبق لقاضي التحقيق أن خلص إلى أن عدم إدلاء أبدوح بما يفيد أداءه ثمن الشقق، وأن ما يدعيه من كونه أدى المبلغ نقدا، يعتبر قرينة على أنه تم تقديمها له كرشوة من طرف المنعش العقاري مقابل منحه مختلف التراخيص الضرورية لمشروعه، كما سبق لممثل الحق العام، خلال المرحلة الابتدائية، أن أكد بأن أبدوح لا تتوفر فيه من الأصل شروط الاستفادة من السكن الاجتماعي، وأنه حاز العقارات على سبيل الرشوة.