الجزائر ـ المغرب اليوم
عاشت الجزائر أمس الأحد، سخطاً شعبياً ضد برنامج في التلفزيون الحكومي لبثه مشاهد عن ضحايا الإرهاب في الجزائر. وسرى الغضب الشعبي في الأوساط الإعلامية والسياسية، ولدى عامة المواطنين، بعد أن أحالتهم المَشاهد إلى سنوات الدم والدموع في مناسبة ترمز إلى التصالح بين الجزائريين، وإلى طي صفحة حرب أهلية مدمرة خلفت جرحاً نفسياً غائراً. ورأى مراقبون أن نشر صور القتل والدمار بمثابة حملة تخويف تقودها الحكومة لتحذير الجزائريين من مجرد التفكير في تغيير الأوضاع السياسية، لأن ذلك يعني العودة إلى سنين الإرهاب.
وأطلق التلفزيون الرسمي على الشريط الوثائقي "ذكرى وعرفان"، وهو يركز على الذكرى بعد مرور 12 سنة على استفتاء السلم والمصالحة الوطنية في 29 سبتمبر/أيلول 2005، أما العرفان فيقصد به أن الفضل يعود إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في المبادرة بسياسة المصالحة التي أصدرها في 2006 في شكل قانون يقترح على المتطرفين المسلحين تسليم أنفسهم، مقابل الاستفادة من إبطال المتابعة القضائية بحقهم.
وعاد الشريط إلى بداية تسعينات القرن الماضي ببث مشاهد كانت ممنوعة طيلة 12 سنة، تخص أشلاء متناثرة لأطفال انفجرت فيهم قنبلة بمنطقة تقع غرب البلاد. وتبنى العملية وقتها تنظيم "الجماعة الإسلامية المسلحة"، الذي خرجت من عباءته "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وامتزجت هذه الصور المرعبة، التي أظهرت وجوه الأطفال القتلى من دون غطاء، مع بكاء نساء ورجال من مكان الانفجار ومن مناطق أخرى عاشت مجازر مرعبة، ورزحت تحت سيطرة الجماعات المتطرفة لسنوات. كل هذه الصور تخللتها موسيقى حزينة، بهدف التأثير على المشاهد، وإثارة الخوف فيه وعدم نسيان الفترة الحالكة التي مرت بها الجزائر.
إلا أن اللافت في البرنامج التلفزيوني، الذي يعاد بثه كل مساء منذ أسبوع، أن معدَه الصحافي القديم لطفي شريَط، هو في الوقت نفسه عضو في سلطة ضبط الإعلام السمعي البصري، ومكلف بمهمة مراقبة محتويات برامج 40 قناة تلفزيونية خاصة زيادة على التلفزيون الحكومي.
وكتب الصحافي البارز علاوة حاجي، معلقاً على البرنامج: برهن التلفزيون، الذي يغرف من الخزينة العمومية وأموال دافعي الضرائب، على عجزه عن إنتاج عمل توثيقي مهني يليق بحجم المأساة التي عاشها الجزائريون خلال العشرية السوداء. وفي مقابل هذا العجز الفادح، في الأفكار كما في التقنية، جرى الاتكاء على الدعاية، ووضع الإعلام وأخلاقياته جانباً.
خلال الشريط يبدو للمشاهِد أنه أمام حملة انتخابية مبكرة. ولعله يتساءل عن مناسبة بثه، وعما إذا كان قد أعد للبث في 2019 موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، ثمّ حدث خطأ ما. وأضاف الصحافي: بعد سنوات الوفرة المالية، ليس في مخزون السلطة أي إنجازات تتباهى بها. وعودُ بوتفليقة عن المواطن الذي لا يهان في الجزائر أو خارجها تحققت، إنما بشكل عكسي. الورقة الوحيدة المتبقية هي المصالحة الوطنية التي طبقت على طريقة إخفاء الغبار تحت السجّادة.