تونس - كمال السليمي
فتح نواب في البرلمان التونسي، تحقيقاً لملاحقة وكشف الأطراف والجهات المتورطة في قضية التحويلات المالية المشبوهة، التي قام بها ضابط في القوات المسلحة القطرية عبر فروع بنكية تونسية، لأهداف لها صلة بـ تمويل التطرف وبث الفوضى، وزعزعة الاستقرار في تونس والمنطقة.
وكشفت وثائق جديدة أعلن عنها النائب بكتلة "الحرّة" البرلمانية الممثلة لحركة " مشروع تونس " الصحبي بن فرج، تورط بعض العسكريين والمدنيين في الانتفاع ببعض الأموال القطرية، لأهداف لا تزال غير معلومة، خاصة بعد ثبوت وجود تحويلات مالية مشبوهة قام بها "جنرال متقاعد بالقوات المسلحة القطرية لفروع بنكية تونسية، قبل أن يتبين أن الحساب تضمن أموالا متأتية من حساب مفتوح باسم القوات المسلحة القطرية المتفرع عن الحساب البنكي باسم سفارة دولة قطر بتونس".
وفي هذا السياق قال الصحبي بن فرج في تصريح لـ"العربية.نت"، إن كتلته بالبرلمان تنوي "متابعة الملف للكشف عن ملابسات وتفاصيل هذه القضية الخطيرة ومصير المتورطين فيها، من خلال توجيه مساءلة لوزير الدفاع لمعرفة نتائج التحقيق الذي فتحه القضاء العسكري، بشأن تورط عسكريين ومعرفة رتبهم العسكرية إن كانت عالية أو متوسطة والإجراءات القانونية التي ستتخذ بشأنهم".
وأضاف بن فرج، أنه سيتم "التواصل كذلك مع البنك المركزي ومراسلته، لمعرفة المعاملات التي وردت بحساب العقيد القطري ومعطيات إضافية عن المبالغ التي تم سحبها ووجهتها وهوية الجمعيات أو المنظمات التي انتفعت بها والأطراف التي تقف وراءها والأهداف التي صرفت لأجلها، والفترات الزمنية للتحويلات المالية، قصد إنارة الرأي العام على خفايا هذا الملف الخطير وكشف الحقيقة بعيدا عن أي محاولة للتعتيم عليه".
وكان الصحبي بن فرج كشف قبل يومين، أن كتلته بالبرلمان تلقت بعد إلحاح شديد، يوم الثلاثاء الماضي مراسلة من البنك المركزي إجابة على سؤال توجه به النائب مروان الفلفال، حول موضوع التحويلات المالية المنسوبة إلى الضابط القطري على حساب مفتوح لدى أحد فروع البنوك التونسية، جاء فيها أن لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي تلقت يوم 14 أكتوبر 2014 تصريحا بشبهة حول النشاط المصرفي لأحد المواطنين القطريين يخص حسابا مفتوحا بفرع بنكي بمحافظة تطاوين جنوب البلاد، يحوي أموالا متأتية من حساب مفتوح باسم القوات المسلحة القطرية المتفرع عن الحساب البنكي باسم سفارة دولة قطر، ليتبين أنه تابع لجنرال متقاعد بالقوات المسلحة القطرية.
وقُدّرت الأموال موضوع الشبهة والمسحوبة "نقدا" من الحساب ب4 مليارات ونصف من المليمات "حوالي 2 مليار دولار أميركي"، عاينت اللجنة مؤشرات شبه عالية شملت عسكريين انتفعوا بهذه المبالغ، فتم إعلام رئيس الحكومة آنذاك مهدي جمعة بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين ثان 2014 ووزارة الدفاع التي تولت سماع الجنرال القطري محل الشبهة بتاريخ 4 ديسمبر/كانون أول 2014، قبل أن تحيل الملف إلى القضاء العسكري.
وحسب نفس الوثيقة، قام رئيس الحكومة آنذاك الحبيب الصيد في 4 أبريل/نيسان 2015 بإثارة دعوى لدى القضاء العدلي مما أدى وبمقتضى إذن قضائي صادر في 4 أبريل/نيسان 2015 إلى تسليم معطيات الملف إلى رئيس الإدارة الفرعية للأبحاث في جرائم الإرهاب، قبل أن يتم تجميد كل حسابات الجنرال القطري موضوع الشبهة بإذن من قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي في 24/07/2015 (المبلّغ المجمّد يُقدَّر بـ3 ملايين دينار).
وبعد 4 سنوات من بدء التحقيق في هذا الملف، وعدم التوصل والإعلان عن الأطراف المتورطة فيه والمسؤولة عليه من قبل الجهات الرسمية سواء وزارة الدفاع أو البنك المركزي ووزارة العدل، كشف النائب مروان الفلفال في تصريح للعربية، أن كتلة الحرة بالبرلمان، ستقوم بـ"تشكيل لجنة للتقصي والمتابعة في إطار دورها الرقابي والنيابي، حتى الكشف عن مآلات هذه القضية الخطيرة ومعرفة الأطراف المورطة فيها ومحاسبتها"، مضيفا أنه "لا أحد فوق القانون خاصة إذا تعلق الأمر باختراق الأمن التونسي من قبل دولة قطر والتعامل مع جهات أمنية خارجية خارج الأطر الرسمية لأهداف زعزعة استقرار البلاد والمنطقة".
وكان الناطق الرسمي باسم القطبين القضائيين المالي والخاص بمكافحة الإرهاب، سفيان السليطي، أكدّ شهر يونيو الماضي، أن البحث الأولي في موضوع التحويلات المالية من قطر لتونس بيّن أنه "يتعلق بتمويل مخيّم للاجئين، في جنوب تونس"، الذي سكنه لاجئون ليبيون إبّان الثورة على نظام العقيد معمر القذافي، مشيرا إلى أن "النيابة العامة تحقق في الموضوع منذ عام 2014، بعد تلقيها إشعارا من محافظ البنك المركزي بتلقي مواطن قطري لتحويلات مالية ببنك تونسي تقارب 8 مليون دينار (3.2 مليون دولار أميركي).
وحول نشاط المواطن القطري، قال السليطي، حسب الأبحاث الأولية، إنه "قدم إلى تونس عام 2011 بعد اندلاع أزمة النازحين الليبيين، لأجل تنفيذ مهمة تمويل المخيم بإشراف وتمويل من وزارة الدفاع القطرية، من مهامه تركيز مخيم اللاجئين في ولاية تطاوين، الأمر الذي أجبره على فتح حساب جار باسمه، كما قامت وزارة الدفاع بتحويل جملة من المبالغ المالية إلى ذلك الحساب في تطاوين بشكل رسمي عبر الجهاز المصرفي التونسي".
قطري و4 تونسيين
وأوضح السليطي أن النيابة العامة بدأت التحقيق، بعد انتهاء البحث، شهر يوليو 2015 مع خمسة أشخاص، قطري و4 تونسيين، من أجل تهم متعددة منها "غسل الأموال وتعمد توفير الدعم والتمويل لأشخاص وتنظيمات وأنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية"، كما قام قاضي التحقيق بتجميد أموال المواطن القطري في كل البنوك التونسية وإيقاف جميع حساباته البنكية.
وكان النائب عن حزب نداء تونس منجي الحرباوي كشف سابقا، أن الضابط القطري المشتبه فيه هو "علي سالم الجربوعي" يبلغ من العمر 52 عاما، ويشغل خطة عميد بالجيش القطري، وهو مكلف بمهمة ملحق عسكري بشمال إفريقيا، لدى المخابرات القطرية، ويشرف على أعمالها في موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، دون أن تكون له أيّ صفة ديبلوماسية، وأنه كان على علاقة مباشرة بقائد أركان القوات المسلحة القطرية حمد بن علي العطية وقد كلف وقتها بالإشراف على مخيم اللاجئين الليبيين بالجنوب التونسي".
وأضاف الحرباوي أن المعلومات التي تم رصدها وجمعها من قبل فرق الجهات المختصة بوزارة الداخلية، حول نشاط الجربوعي، كشفت أنه "يقيم علاقات بعدد من الأطراف الإسلامية من بينها إحدى الجمعيات الخيرية بمدينة جرجيس جنوب تونس والتي يديرها أشخاص من أتباع التيار السلفي".
وبدورها كشفت القيادة العامة للجيش الليبي على لسان ناطقها الرسمي أحمد المسماري، في شهر يونيو الماضي أن "العميد بالاستخبارات القطرية، الذي كان يشغل الملحق العسكري لقطر في شمال إفريقيا، سالم علي الجربوعي، يملك الكثير من الحسابات المصرفية في تونس، اشترى بها ذمم العديد من الضباط التونسيين والليبيين".
وقال المسماري إن "الجربوعي قام بتحويل مبلغ 8 مليارات دولار من البنك القطري التونسي إلى بنك الإسكان في محافظة تطاوين جنوب تونس، ليتم فيما بعد إرساله إلى ليبيا لدعم الجماعات الإرهابية وتمكين فاسدين وإرهابيين من الوصول إلى القيادة في ليبيا".