الجزائر ــ عمّـــار قـــردود
كشفت مصادر أمنية جزائرية متطابقة أن المصالح الأمنية الجزائرية قد تلقت أوامر فوقية مشددة تقضي بإخضاع كافة المسافرين الجزائريين القادمين من تركيا أو الراغبين في زيارة تركيا أو الذين سبق لهم زيارة هذا البلد إلى تحقيقات مكثفة عبر المطارات والموانئ والمعابر الحدودية البرية، وخاصة هؤلاء الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و45 عامًا.
وأضافت المصادر لـ"المغرب اليوم" أن وزارة الداخلية الجزائرية والتنسيق مع وزارات النقل والعدل والدفاع أمرت بإجراء مراقبة دقيقة تشمل قوائم المسافرين وفحص وثائقهم وجوازات سفرهم وفتح تحقيقات مع المشتبه بهم إن اقتضى الأمر ذلك، كما يخضع هؤلاء المسافرين إلى إجراءات صارمة في المراقبة والتفتيش باستخدام وسائل وأجهزة متطورة زودت بها المطارات والموانئ وحتى المعابر الحدودية البرية أخيرًا.
وبحسب ذات المصادر فإن المصالح الأمنية الجزائرية تتخذ مع هؤلاء الجزائريين إجراءات وتدابير خاصة واستثنائية من طرف شرطة الحدود التي تخضعهم إلى تحقيق معمق من أجل معرفة أسباب ودوافع سفرهم إلى تركيا، مع التدقيق بشدة في هوياتهم وإن كانت لهم سوابق قضائية، كما أفادت مصادرنا أن إقدام السلطات الجزائرية على وضع الجزائريين القادمين من تركيا أو الراغبين في زيارتها تحت الرقابة الأمنية المشددة وإخضاعهم إلى تحقيقات أمنية مكثفة جاء كخطوة احترازية لمنع التحاق بعض الجزائريين بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" عبر تركيا،وأن هناك إجراءات أمنية صارمة تخص على وجه التحديد الجزائريين غير المتزوجين والذين أعمارهم أكبر من 20 وأقل من 45 عامًا، وأن هذه المراقبة الأمنية تأتي في إطار إجراءات مكافحة الإرهاب ومنع نشر الفكر المتطرف، وأن هذه الإجراءات تم التشدد في تنفيذها بعد اكتشاف محاولة أزيد من 544 جزائريًا تتراوح أعمارهم ما بين 20 و45 عامًا في الالتحاق بالتنظيم المتطرف "داعش" عبر تركيا بواسطة خلايا مختصة في تسفير الشباب الجزائري إلى تركيا ومن هناك إلى سورية وليبيا وحتى اليمن.
وأشارت نفس المصادر إلى أن المصالح الأمنية اعترضت أخيرًا تحركات مهمة ومثيرة للشكوك والشبهات في عدة ولايات جزائرية قام بها "جهاديون" مشبوهون قادمون من تركيا وأنه تم منع في ظرف شهر واحد حوالي ألف جزائري من السفر نحوتركيا للاشتباه في التحاقهم بتنظيم "داعش".
وتابعت مصادرنا إنه تم إنشاء بنك معلومات خاص بالأشخاص المشتبه التحاقهم بالجماعات المتطرفة خارج حدود الوطن، ومراجعة إجراءات مراقبة المسافرين عبر الحدود. وأكدت المصادر ذاتها أن السلطات الأمنية شرعت في مراقبة المسافرين الجزائريين المتوجهين إلى تركيا، وأنه تم إعادة بعض أولائك المسافرين وتوقيفهم في المراكز الحدودية بعد أن ثبت محاولة التحاقهم بالجماعات المتطرفة بفضل التحريات الأمنية والاستجوابات الأمنية التي طالت أولائك المسافرين، ومن بين ما يتم الاستعلام حوله هو" مقر حجز فنادق الإقامة في هذه الدولة، معرفة ما إذا كانت قرب الحدود أوفي المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة "، وكشفت نفس المصادر أنه تم إعادة شباب كانوا ينوون التوجه إلى مناطق النزاعات في سورية والعراق وليبيا.
كما أفادت ذات المصادر عن تشكيل لجنة قطاعية على مستوى الحكومة الجزائرية تتكون من مختلف القطاعات على غرار الأمن والداخلية وغيرها، تشتغل على ملف المقاتلين الأجانب ومن أجل تعديل الإجراءات القانونية لمتابعة الذين ينوون السفر إلى الخارج وقد تمخض عن اجتماع اللجنة الوزارية اقتراح يقضي بمتابعة الشباب الذين ينوون السفر إلى الخارج مستقبلاً، لافتة إلى أن عدد الجزائريين المنخرطين في صفوف تنظيم داعش في سورية قليل نسبيًا وذلك راجع للمراقبة والتحسيس التي جعلت الشباب الجزائري لا يقبل على هذا التنظيم المتطرف.
من جهة أخرى، أفادت بعض التقارير الإعلامية أن عدد الجزائريين المسافرين إلى تركيا يبلغ سنويًا أو يفوق الـ150 ألف جزائري بين السياحة والعمل والعلاج، وأن تركيا أصبحت خلال السنتين الأخيرتين وخاصة بعد تدهور الوضع الأمني في تونس الوجهة السياحية الأولى والمفضلة للجزائريين.
وعلى إثر الإجراءات الأمنية والرقابية المشددة التي فرضتها المصالح الأمنية على الجزائريين الراغبين في السفر نحو تركيا، انتبه بعض من هؤلاء الشباب الجزائري الراغب في زيارة تركيا إلى حيلة السفر إلى تونس، ومن هناك السفر نحو تركيا، خاصة وأنه لا يوجد هناك فارق كبير في ثمن التذكرة من مطار قرطاج في تونس نحو إسطنبول مقارنة بالرحلات من الجزائر العاصمة أو عنابة نحو إسطنبول وهو الأمر الذي انتبهت له المصالح الأمنية وسارعت إلى فرض إجراءات وقائية عبر المعابر الحدودية الجزائرية البرية مع تونس، لمنع كل الشباب المشتبه به من السفر إلى .
وعند المعبر الحدودي البري الرابط بين الجزائر وتونس "بوشبكة" بولاية تبسة تشدد المصالح الأمنية والجمركية إجراءات التفتيش والتدقيق في وثائق المسافرين الجزائريين، خاصة الذين سبق لهم السفر إلى تركيا التي باتت نقطة عبور للجزائريين للالتحاق بتنظيم "داعش" المتطرف.
وككثير من المسافرين وقفت أنا شخصيًا بانتظار التأشير على جواز سفري للسماح لي بالمرور نحو تونس، لكن العون المكلف بالعملية توقف برهة من الزمن وحدق فيّ جيدًا ثم طلب مني التريث قليلاً، خرج من مكتبه لفترة وجيزة من الزمن ثم عاد برفقة عوني أمن وطلب مني مرافقتهم، وفي مكتب خاص استسمحوني إن كانوا قد تسببوا في تعطيلي عن السفر وقاموا بطرح أسئلة مباشرة منها: لقد سبق لك وأن زرت تركيا؟ كم مكثت بها؟ وأي المدن التركية قمت بزيارتها؟ ولماذا زرتها؟ وبرفقة من؟ وماذا أخذت معك من الجزائر وماذا جلبت من تركيا؟ هي أسئلة مثيرة للتساؤل، وجعلت الشكوك تحاصرني من كل اتجاه، لكن سرعان ما أوضح لي عون شرطة الحدود أن هذه إجراءات أمنية احترازية بحتة أقرتها السلطات الجزائرية للحول دون التحاق بعض الجزائريين بصفوف تنظيم "داعش" المتطرف، وبعد أن أنهوا استنطاقهم لي والذي دام لأزيد من 3 ساعات كاملة وتدوين كافة المعلومات سمحوا لي بالمغادرة، وعندما أخبرتهم أنني صحافي سارعوا إلى الاعتذار مني مجددًا وأن أتفهم عملهم.
هذا وقد تم منع 250 جزائريًا تتراوح أعمارهم ما بين 25 و35 عامًا من السفر نحو تونس عبر المعبر الحدودي بوشبكة في ظرف أسبوع واحد، بسبب امتلاكهم لتأشيرة تركية في جوزات سفرهم وعدم تعاونهم مع مصالح الأمن أثناء عملية استنطاقهم لأخذ بعض المعلومات وقد تم التحفظ عليهم لمدة 24 ساعة، قبل إخلاء سبيلهم، لكن دون السماح لهم بالسفر باتجاه تونس وإرغامهم على العودة من حيث أتوا.
الشاب "حسام بوليلي" المنحدر من عين مليلة بولاية أم البواقي شرق الجزائر والبالغ من العمر 26 عامًا، كان يرغب في السفر إلى تونس لزيارة وعيادة والدته المريضة الراقدة بإحدى المستشفيات التونسية في مدينة سوسة، لكن شرطة الحدود رفضت السماح له بالسفر لأنه سبق له السفر إلى تركيا عدة مرات رغم أنه تاجر ومهنته تفرض عليه السفر إلى عدة دول في العالم، وعبّر لـ"العرب اليوم" عن اندهاشه الكبير الممزوج بالغضب الشديد من منعه من السفر إلى تونس لأنه فقط سافر إلى تركيا، وأوضح أنه حاول بكل ما بوسعه إقناع المصالح الأمنية بأسباب سفره إلى تركيا لكنهم رفضوا جميع مبرراته وطلبوا منه العودة من حيث أتى.
أما الشاب "وسيم علالي" المنحدر من حامة بوزيان في ولاية قسنطينة شرق الجزائر والبالغ من العمر 35 سنة والذي تم منعه من العبور نحو تونس لقضاء بعض المصالح هناك، أشار لــ"المغرب اليوم" أنه لم يُسمح له بالسفر إلى تونس بسبب إبلاغه لشرطة الحدود بأنه سافر إلى تركيا مرتين في ظرف أسبوع واحد وأنه أعلمهم بأنه تاجر وسافر إلى إسطنبول، بالتحديد للقيام ببعض الأعمال هناك لا غير لكن دون جدوى، واعتبروا سفره في أقل من ستة أيام إلى تركيا مثير للشكوك والشبهات، وأنه ووفقًا للإجراءات الجديدة غير مسموح له بمغادرة تونس إلى أجل غير مسمى.
المسافرين باتجاه تونس وبعد أن تم مُنع البعض منهم من السفر بحجة أنه سبق لهم السفر إلى تركيا، وأنهم تحت الرقابة الأمنية المشددة، عبّروا لـ"العرب اليوم" عن استياءهم الشديد واستغرابهم من هذا التصرف ومن هذه الإجراءات الأمنية الجديدة، وأجمعوا على أنه "لا يوجد أي قانون يمنع المسافرين من الذهاب إلى تركيا، وهل كل من يسافر إلى تركيا هوبا لضرورة إرهابي أومشروع إرهابي" وهوالأمر الذي استاء منه المسافرين بعدما تم منعهم من السفر نحوتونس وتم إرغام الكثير منهم على العودة إلى ديارهم خائبين.
هذا وكان سفير تركيا بالجزائر، محمت بوروي، قد صرح أن هناك تنسيقًا بين المصالح الأمنية التركية ونظيرتها الجزائرية لمنع تدفق الإرهابيين عبر الحدود التركية.