الرباط - كمال العلمي
بعد الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في سنتها الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشر، توالت ردود وتفاعلات الفاعلين السياسيين بخصوص تناول موضوعين أساسيين يحملان طابعا استعجاليا بالنسبة للاقتصاد الوطني كما للواقع المعيشي للمواطنين؛ يتعلق الأمر بإشكالية الجفاف والسياسة المائية، وتحفيز الاستثمار المنتج والمساهم في دينامية الشغل وخلق القيمة المضافة.وذهبت أغلب أطياف أحزاب المعارضة، على صعيد مجلس النواب، إلى تثمين مضامين وتوجيهات الخطاب الملكي، معتبرة أنه “تضمن بُعداً استراتيجيا مهيكِلا للبلاد”، لافتة في الوقت ذاته إلى “ضرورة تحمّل كل طرف لمسؤولياته بخصوص المواضيع المثارة في الخطاب”، بناء على منطق التعاون والمسؤولية المشتركة.
تحيين الترسانة التشريعية
عائشة الكرجي، نائبة عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، قالت إن الخطاب الملكي “تطرق لموضوعين هاميْن؛ الأول يتعلق بإشكالية الماء وما تفرضه من تحديات ملحة وأخرى مستقبلية، والثاني يهم تحقيق نقلة نوعية في مجال النهوض بالاستثمار”.وأوضحت الكرجي، في تصريح ، أنه “بخصوص إشكالية الماء، أبرز الملك أن المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي”، مشيرة إلى أنه “لا يمكن حل جميع المشاكل بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة”، قبل أن تردف: “وهو الأمر الذي يتطلب منا تضافر الجهود جميعا، باعتبارنا مؤسسة تشريعية عليها العمل على تحيين الترسانة التشريعية من أجل مواكبة هذه الظرفية الصعبة”.
وبخصوص النهوض بالاستثمار، قالت الكرجي، ضمن تصريحها، إن الخطاب الملكي “وقف عند الاستثمار المنتج، معتبرا أنه رافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة”.
“من المنتظر أن يعطي الميثاق الوطني للاستثمار دفعة ملموسة على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية”، تؤكد البرلمانية عن حزب “الوردة”، خالصة إلى أنه بحكم انتمائها لمغاربة العالم، فإنها ترى أن “تجديد الدعوة الملكية لإعطاء عناية خاصة لاستثمارات ومبادرات أبناء الجالية المغربية بالخارج، هي رسالة واضحة إلى كل المتدخلين من أجل تسهيل ولوج أفراد الجالية المغربية إلى آليات ووسائل التمويل وتذليل كل الصعوبات التي تواجه هذه الفئة التي ما فتئت تقدم الغالي والنفيس من أجل هذا الوطن”.
توجيه برسائل قوية
رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، عبّر أولا عن سعادة فريقه بـ”توجيه الملك لخطاب افتتاح البرلمان حضوريا من مقر هذا الأخير”، واصفا ذلك بأنه “حدث يثلج الصدر، بما له من دلالات تؤشر على عودة الحياة الطبيعية التي أثرت عليها سلبا جائحة كورونا، بعد سنتين من افتتاح البرلمان عن بعد”.
واعتبر رئيس فريق حزب “الكتاب” بالغرفة الأولى من البرلمان أن “الخطاب الملكي لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية الحالية، هو خطاب مُوَجِّـه، برسائل قوية، بالنظر إلى ما طرحه من قضايا كبرى ذات أولوية”.
السلوك تجاه الماء
“التأكيد الملكي على إشكالية الماء البنيوية والكونية هو تأكيد حكيم، بالنظر إلى ما نواجهه من خصاص مائي يقتضي منا جميعا تغييرا حقيقيا في سلوكياتنا إزاء هذا المورد الذي لا تقدر قيمته بثمن”، يسجل حموني في تصريحه لـهسبريس، مشددا على أنه “علينا نهج الصرامة والنجاعة القصوى في حسن تدبير الموارد المائية بشكل عقلاني، بما في ذلك ضرورة التحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية على ضوء الضغط على الموارد المائية وتطورها المستقبلي، مع اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة”.
ولفت حموني، في معرض حديثه، إلى أن “القضية المائية اكتسبت بعد هذا الخطاب السامي أولوية وطنية قصوى”، موردا أن “على جميع السلطات والمؤسسات والإدارات العمومية والهيئات السياسية والمدنية أن تتحمل هذه المسؤولية الوطنية المشتركة بتعاون وتكامل”.
ونوّه المتحدث بالتركيز الملكي، أكثر من مرة، على موضوع الاستثمار المنتج، باعتباره مسألة مصيرية لنمو بلادنا اقتصاديا وازدهارها اجتماعيا، موردا أن الجالس على عرش المملكة أكد على “الانخراط في القطاعات الواعدة، وعلى مدخل الميثاق الوطني للاستثمار، وعلى أدوار المراكز الجهوية للاستثمار، وأدوار الأبناك، ومناخ الأعمال”، داعيا إلى “المزيد من العمل لتحرير كل الطاقات والإمكانات الوطنية وتشجيع المبادرة، وجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، والانكباب على إصلاح العراقيل التي تعيق جذب الاستثمار من أجل تقوية ثقة المستثمرين في بلادنا”.
ووصف رئيس فريق التقدم والاشتراكية توجيه الملك، القاضي بترجمة التزامات الأطراف المعنية في شكل تعاقد وطني للاستثمار، بأنه “توجيه متبصر وسام يضع الجميع أمام مسؤولياته، بهدف تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل بين 2022 و2026”.
وخلص حموني إلى أن “فريق التقدم والاشتراكية، من منطلق مسؤوليته السياسية، لا يسعه سوى الانخراط القوي والمسؤول والبنَّاء في هذه الرؤية الملكية ذات النفس الإصلاحي العميق”، مشددا على “السعي من موقعه المؤسساتي، بكل وطنية والتزام، نحو الدفع في اتجاه تحقق الأهداف النبيلة التي رسمها الملك محمد السادس”.
خطاب استراتيجي
من جانبه، وصف رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي، الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان لعام 2022 بـ”المحطة التاريخية التي بصمت عليها بلادنا، المتمثلة في افتتاح السنة التشريعية الجديدة برئاسة الملك محمد السادس، بشكل حضوري بعد سنتين من الأزمة الوبائية”، مشيرا إلى أنها “المحطة التي توّجها بخطاب سام واستراتيجي خصصه لتحدي الماء ورهان الاستثمار”.
وجدد الفريق الحركي الإشارة إلى أن “الخطب الملكية اتخذت أسلوبا جديدا في مخاطبة البرلمان والحكومة معا، قوامه التحديد الدقيق للأولويات المستعجلة وتأطير للالتزامات الحكومية بالأرقام” (الإشارة للتوجه نحو خلق 500 ألف منصب شغل مثلا)، مسجلا أن “الخطاب النوعي والحامل لرسائل عميقة تتجاوز المنظور الضيق لمنطق الولاية الحكومية والتشريعية، يحمل في طياته رؤية مبنية على قاعدة الاستمرارية المتجددة وعلى تقييم غير مباشر لقصور السياسات العمومية، خاصة في مجال الماء، رغم المجهودات التي بذلت منذ سنوات”.
ولفت السنتيسي، ضمن تصريح لهسبريس، إلى تأكيد الملك على “ضرورة تدارك التأخر الحاصل في تشييد السدود”، مشددا على أن الخطاب “كان صارما بشأن ضرورة التعجيل بتنزيل المخطط الوطني الأولوي للماء (2020–2027)، وكذا توخي الصرامة في التصدي لعشوائية استغلال الموارد المائية ومختلف الآليات الكفيلة بضمان الأمن المائي كتحد وطني وعالمي”، مبرزا أن فريقه قام سابقا بمراسلة رئيس الحكومة لعقد جلسة مساءلة شهرية حول الموضوع.
“مضمون خطاب افتتاح البرلمان يعلق آمالا كبيرة على الأثر الإيجابي الذي يمكن لميثاق الاستثمار أن يخلقه، خاصة على مستوى جذب الاستثمارات الأجنبية عموما، واستثمارات مغاربة العالم على وجه الخصوص، على اعتبار أن خلق دينامية جديدة في مجال الاستثمار هو مدخل أساسي لتعزيز مصادر تمويل التدخلات الاجتماعية للدولة، خاصة ورش الحماية الاجتماعية”، يسجل السنتيسي.
وزاد البرلماني المصطف في المعارضة أن “توجيه الملك لرفع جميع العراقيل أمام الاستثمار جاء في هذا السياق”؛ إذ “يحلينا الخطاب على استمرار تعثر بعض الأوراش المواكبة التي يجب أن تحظى بالأولوية، وعلى رأسها تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري، وتعزيز أدوار المراكز الجهوية للاستثمار، في ظل وجود الترسانة التشريعية واستمرار الحاجة للفاعلية وإحداث الأثر لهذا نحتاج إلى مزيد من العمل لجلب الاستثمار، وفي صدارة ذلك دور القطاع البنكي المطالب بتمويل جيل جديد من المقاولين”.
معارضة مؤسساتية
تبعا لذلك، يقول السنتيسي في تصريحه: “من موقعنا كمعارضة مؤسساتية مواطنة ومبادرة، فقد صرّحنا مرارا وتكرارا بأن القضايا الكبرى والاستراتيجية، وخصوصا الأولويات، لا تتحمل المزايدات السياسية، وهي إشارة أيضا لضرورة تراجع الحكومة على عنادها السياسي في التعاطي مع قضايا مصيرية بالنسبة للمجتمع وللدولة، مطالبين بالقطع مع هذا الأسلوب”.
كما توقف المتحدث ذاته عند الامتناع عن التصويت على مشروع قانون الاستثمار، موردا: “لا يجب أن يُفهم على أنه رفض، بقدر ما هو تفاعل إيجابي مع الموضوع بعد تقديم 152 تعديلا من طرف مختلف الفرق والمجموعة النيابية”، لافتا إلى أن “الخريطة السياسية اليوم تفرض انسجاما في الأغلبية، وتلزمنا كمعارضة بالتكتل للحفاظ على الأدوار الدستورية والتوازن السياسي المطلوب لهذه المرحلة المليئة بالتحديات والإكراهات الداخلية والخارجية على السواء”.وختم الفريق الحركي، على لسان رئيسه، بتجديد تأكيده على “سياسة اليد الممدودة لكل الفرقاء السياسيين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لبلورة منظومة عمل مشترك، بعيدا عن التموقعات العابرة والاصطفافات المرحلية التي لا ينبغي أن تحجب عنا جميعا أن المصالح العليا للوطن فوق كل حساب”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
جمع توقيعات لعزل رئيس الفريق الاستقلالي في مجلس المستشارين المغربي
البرلمانيون المغاربة يستقبلون التوجيهات الملكية حضوريا بعد سنتين من جائحة كورونا