الجزائر - عمّـــــــار قــــردود
حاصر العشرات من الجزائريين في غضون الــ48 ساعة الماضية،المحطة البرية لنقل المسافرين لما بين بلديات الجهة الشمالية في سوق ليبيا، في مدينة الوادي جنوب الجزائر، والتي يتمركز فيها المهاجرون السريون الأفارقة للمطالبة بترحيلهم. وأضرم هؤلاء الجزائريون المحتجون الذين تجمعوا بعد صلاة المغرب، النيران في العجلات-الإطارات- المطاطية ووضعوا الحجارة والمتاريس في "حي الكوثر" الذي تتواجد فيه المحطة البرية المذكورة آنفًا، ورددوا عبارات منددة بما وصفوه بـ"ممارسات غير لائقة للمهاجرين السريين"، كالتسول والنصب و السرقة و الاعتداءات، وإمكانية نشرهم أمراضًا خطيرة و قد تكون فتاكة، خاصة في فصل الصيف، حيث تشتد الحرارة مما تكثر من جراءها الأمراض الموسمية و الأوبئة المعدية مما يصيب الجزائريين لسهولة انتقالها خاصة الملاريا.
واستغربوا من تزايد أعدادهم في المدينة، والذين يتخذون من محطة نقل المسافرين لبلديات الجهة الشمالية والواقعة في جوار سوق ليبيا، موقعًا لاستقرارهم ونومهم. ودعا المحتجون المصالح الولائية لولاية الوادي للتدخل والحد من تواجد هؤلاء، وترحيلهم نحو مراكز تجميعهم التي وضعتها الحكومة الجزائرية، في مدن ورقلة وأدرار وتمنراست، أو ترحيلهم بشكل كلي لبلدانهم.
و تعتبر ولاية الوادي من الولايات الحدودية الجزائرية التي يمنع القانون الجزائري من تواجد اللاجئين و الأجانب بها،لكن النازحين الأفارقة القادمين من عدد من الدول الإفريقية اتخذوا الولاية مستقرًا لهم بعد أن طاب لهم المقام لتشابه مناخها مع مناخ دولهم المتسم بالحرارة الشديدة.
و قد تدخلت مصالح الأمن الجزائرية لضبط الوضع و تهدئة الأمور ، وأبعدت المحتجين الجزائريين عن المحطة، كما أعادت حركة النقل لطبيعتها في المنطقة المذكورة من المدينة.
وخلفت هذه الأحداث ردود فعل كبيرة من طرف الجزائريين خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كـ"الفيسبوك" و "تويتر" و وصفوا ما قام به جزائريو ولاية الوادي بـ"سلوكيات عنصرية مقيتة و مشينة" في حق ضيوف الجزائر، و رد بعض الجزائريين على ذلك بقسوة كبيرة خاصة و أنه لا فرق بين أولائك الجزائريين الذين شاركوا في الاحتجاج و المطالبة بترحيل اللاجئين الأفارقة و بين المهاجرين السريين الأفارقة أنفسهم لاشتراكهم في سواد البشرة.
يأتي هذا رغم تأكيد رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون ،الجمعة الماضي، أن تواجد النازحين الأفارقة في الجزائر سيقنن، مشددًا على أن الجزائر "لن تسمح لأي أحد بأن يلطخ سمعتها" في إشارة إلى "أيادي" تريد تسويد صورتها ووصفها بالعنصرية. وقال تبون خلال رده على انشغالات طرحها نواب البرلمان الجزائري خلال مناقشتهم لمخطط عمل الحكومة، إن "وجود الأشقاء الأفارقة عندنا سيقنن ووزارة الداخلية تقوم حاليًا عبر مصالح الشرطة والدرك بإحصاء تام" لكل النازحين.
وكشف الوزير الأول عن منح بطاقة لكل نازح يكون تواجده في الجزائر مقبولا، حيث تتيح له فرص العمل، أما الآخرين فسيتم التفاهم مع دولهم قصد إعادتهم إلى مواطنهم بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع دولتي النيجر ومالي، "بالتي هي أحسن"، حيث أكد تبون أنه "لا ينبغي تسويد الصورة فهناك أيادي تريد تسويد صورة الجزائر وإظهارها على أنها عنصرية"، مضيفًا "نحن لسنا عنصريين بل أفارقة ومغاربة ومتوسطيون".
وأوضح ذات المتحدث، أن "القارة الأفريقية والوطن العربي يشكلان الامتداد الطبيعي للجزائر وحيز نموها وتطورها كما أن الواجبات الأخلاقية والإنسانية تفرض علينا مد يد العون والمساعدة لهؤلاء الأشقاء الذين هجرتهم ويلات الفقر والحروب"، داعيا إلى عدم التنكر لـ "الأيادي التي امتدت لنا حين كنا في ويلات الحروب والدماء".
وأضاف أن هذا الوضع "ولد صعوبات موضوعية خاصة على مستوى بعض الولايات الحدودية لكن يتم التعامل معها بحرص أجهزة الأمن المختلفة وبعمل الهيئات الوطنية للإغاثة والإسعاف والتنسيق الدبلوماسي مع دول المنبع لتأطير عملية الإرجاع رعاياهم على أساس اتفاقيات ثنائية"، معتبرا أن "الحل الجذري لهته الإشكالية يكمن في تحقيق الاستقرار وحل النزاعات في المنطقة عبر مسارات سياسية سلمية تضمن وحدة الأوطان وسيادة الشعوب وذلك ما تسعى إليه الدبلوماسية الجزائرية في عدد من الملفات عربيا وإفريقيا".
وأوضح تبون أنه خلال التعامل مع ملف النازحين الأفارقة "لا يجب أن تتغلب العاطفة على الجانب الأمني"، مشيرا إلى أننا "لن نسمح لأي أحد، جمعية أو مواطن أن يلطخ سمعة الجزائر على أساس أن الجزائر الإفريقية تضطهد الأفارقة"، مضيفا "سنحارب هذا الأمر بكل الوسائل".
و حذرت الجزائر من أن عدد المهاجرين والأشخاص بدون الجنسية في إفريقيا سجل زيادة مخيفة، بفعل حركة الهجرة السرية، والإقامة غير القانونية في بلدان الاستقبال والعبور، وهذا بفعل استمرار انعدام الامن في جنوب السودان والصومال والكونغو وإفريقيا الوسطى وانعكاسات أنشطة جماعة "بوكو حرام" الإرهابية في منطقة حوض بحيرة تشاد، إذ تطال الكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر.
وتواجه إفريقيا تحدي استقبال حوالي 19 مليون لاجئ قسري، وغالبية هؤلاء النازحين من النساء والأطفال ويواجهون مخاطر العنف والاستغلال والمضايقة، بما يشمل حتى الاتجار بالبشر من طرف الجماعات الإرهابية وعصابات التهريب، ورغم ذلك تظل وتيرة الهجرة، في ازدياد خاصة للأفارقة الذين يجازفون برحلات مميتة عبر الصحراء الكبرى والبحر المتوسط وخليج عدن باتجاه أوروبا.
وتعتبر الجزائر أن الحل يكمن داخل البلدان الأفريقية، عبر التصدي للنزاعات وانعدام الاستقرار والعجز في الحكامة، مع وجوب الاستثمار في الموارد البشرية وتطوير اقتصاديات القارة، بالإضافة إلى احترام المجتمع الدولي لالتزاماته بتكثيف دعمه للبلدان التي تؤوي أعدادا هامة من اللاجئين الأفارقة.