الرباط - المغرب اليوم
"أخاف على ابنتي من أن تُغتصب فالشرف أهم من مستقبلها".. هكذا بررت "نعيمة" منع ابنتها من الذهاب إلى المدرسة، وتعيش العائلة في قرية جماعة بوشان في إقليم الرحامنة في المغرب، حيث تعرّضت تلميذة إلى اعتداء جنسي من طرف أحد شباب، وكان الفيديو الذي وثق الحادث قد انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي .
"شرفهم أهم من تعليمنا"
ورغم أن أغلب سكان القرى في جماعة بوشان يعيشون ظروفًا اجتماعية صعبة بسبب الفقر، ويعتبر تعليم أبنائهم فرصة مهمة لتحسين وضعهم المعيشي، لكن بعض العائلات أجبرت بناتها على ترك مقاعد الدراسة بعد انتشار فيديو الاعتداء الجنسي على التلميذة.
وتقول "خديجة" ابنة نعيمة التي تبلغ 17 عاما بنبرة مستاءة في لقاء مع DWعربية "الدراسة كانت ملجأنا الوحيد وفرصتنا للخروج من الفقر، لكن هذه الفاجعة دفعت عائلاتنا إلى منعنا من الذهاب إلى المدرسة، لأن شرفهم وكرامتهم أهم من تعليمنا". وتتابع قائلة "سننتظر أن يأتي الزوج"، كما تشير إلى أن انتشار فيديو الاعتداء على إحدى التلميذات قد غيّر حياة العديد من الفتيات هناك، وتصف الحادث بالقول :"تحطمت آمالنا" .
" تخيلت أنها ابنتي"
ليست نعيمة لوحدها من تفكر في حرمان ابنتها من التعليم، أيضا "رشيدة"، وهي سيدة في عقدها الخامس، تعيش في "قرية بوشريط جماعة بوشان إقليم الرحامنة "صرخت بنبرة غاضبة"عندما شاهدت فيديو الاعتداء الجنسي على الفتاة... تخيلت أنها ابنتي، كيف يمكنني أن أسمح لفلذة كبدي أن تذهب إلى المدرسة، من الأفضل لها ولنا أن تجلس في البيت وتنتظر زوجا يسترها". وتضيف "نحن فقراء...لا نملك سوى شرف بناتنا".
وفي الوقت الذي قبلت فيه ابنتا رشيدة ونعيمة ترك مقاعد الدراسة، تكافح "مريم" التي تبلغ من العمر 16 عاما لأجل مواصلة تعليمها، وتقول في حوارها معDW عربية "بعد حادث الاعتداء على التلميذة بات أبي يهددني بحرماني من الذهاب إلى المدرسة"،وأضافت "لدي طموحات لكن تواجهني صعوبات كبيرة"، كما تابعت مريم التي تعاني من معاملة والدها السيئة ورفضه مواصلتها الدراسة وتحكي في هذا الصدد بنبرة مستاءة " يقول لي والدي إذا تعرضت للاغتصاب سأذبحك"، لافتة إلى أن العائلات في القرى تتخوف من أن يتكرر حادث الاعتداء الجنسي مع بناتهم، خاصة وأن هناك فتيات تقطعن أكثر من 15 كيلومترا للذهاب إلى المدرسة يوميا، على حد تعبيرها.
"أنا أيضا ضحية فيديو الاعتداء الجنسي"
"أنا أيضا ضحية فيديو الاعتداء الجنسي" تقول أمينة التي تبلغ 18 عاما، وتعيش في قرية الركيبات بجماعة بوشان إقليم الرحامنة، وكانت تحلم أن تواصل تعليمها الجامعي، بيد أن والدها منعها من ذلك بعد انتشار فيديو الاعتداء "حماية لشرف العائلة"، على حد تعبيرها، خاصة وقد جعلت طبيعة المجتمع المحافظ أغلب العائلات تحميل الفتاة مسؤولية الحادث، حسب السيدة، التي تقول في حديثها لـ DW عربية "بمجرد ما شاهدوا الفيديو أدانوا الفتاة ووالدها وقالوا لعنة الله على من يدرس بناته ليتعرضن للاغتصاب هكذا".
حملات لتوعية أولياء الأمور
خديجة الرباح الناشطة الحقوقية والمدافعة عن حقوق المرأة شدّدت في لقاء مع DW عربية "على أن فيديو الاعتداء الجنسي أكد لسكان القرى والأحياء الهامشية فرضية عدم الأمان في المؤسسات التعليمية معتبرة أن ذلك من بين العوامل التي ستساهم في ارتفاع نسبة الهدر المدرسي في صفوف الفتيات في هذه المناطق"، كما أكدت على ضرورة إطلاق حملات توعية من لدن الجماعات المحلية والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني لتوعية أولياء الأمور بأهمية تعليم الفتيات، مشيرة إلى أن المؤسسات التعليمية ينبغي أن تدرك أن دورها لا ينتهي داخل المدرسة بل خارجها عبر التواصل مع الآباء وتوعيتهم،ودعت إلى ضرورة تفعيل القانون الجديد المناهض للعنف، وتشديد العقوبات على مغتصبي الفتيات القاصرات، لافتة إلى أهمية الحد من زواج القاصرات ليدرك الآباء أنه لا مناص من تعليم بناتهم.
في انتظار الزوج
ومن جانبه تحدث سعيد بنيس الباحث في علم الاجتماع بشأن تأثير الحادث على مستقبل الفتيات، مؤكدا أن "تداعيات حوادث الاغتصاب على مستقبل الفتيات بالمناطق القروية في المغرب يمكن أن تنقسم إلى حالتين متناقضين، معتبرا أن الأولى تتمثل في منعهن من متابعة دراستهن وإيجاد بدائل أسرية لإدماجهن في مجتمعاتهن تبدأ بتكليفهن بالأعمال المنزلية واليدوية والمساهمة في رصيد الاقتصاد اللامادي للأسرة في أفق تزويجهن و"سترهن"، وأضاف "أن الحالة الثانية تتجسد في تمرد الفتيات على البنية الحاضنة لهن ومقاومة المنع واللجوء في البداية إلى طرق ملتوية لمتابعة دراستهن وفي أبعد الحدود وكطريقة يائسة الفرار وهجرة بيت العائلة للتمكن من الدراسة معتبرا أن هذا الاختيار يمكن أن يعرضهن في بعض الحالات لخطر التشرد والاستغلال من طرف أناس آخرين في العمل المنزلي أو الدعارة".