الرباط - المغرب اليوم
في الوقت الذي كانت الأحزاب السياسية تستعد فيه للتوقيع على دخول سياسي ساخن، جاء زلزال الحوز المدمر الذي أدخل البلاد في حالة غير عادية، جعلت الأضواء والجهود كلها مسلطة على المناطق التي ما زالت تحصي خسائرها بسبب الهزة العنيفة؛ ما أدى إلى تغييب أو تأجيل النقاش حول عدد من القضايا التي كانت تشغل ساحة النقاش العمومي.
ومثّل الزلزال لحظة تاريخية في التضامن والتآزر بين مختلف مكونات الشعب المغربي من أجل دعم المتضررين من الزلزال؛ وهو الأمر الذي فرض نفسه بقوة على الأحزاب السياسية التي أوقفت النقاش وإثارة القضايا الخلافية، حتى إشعار آخر.
ورفض برلمانيون، تواصلت معهم، إبداء رأيهم في الموضوع بداعي السياق الذي تعيشه البلاد ويفرض بالضرورة احترام أرواح الضحايا وعائلاتهم والمتضررين الذين يواجهون ظروفا صعبة ويبيتون خارج منازلهم.
وأكدت المصادر، التي فضّلت عدم ذكر أسمائها أو الخوض في الموضوع، أن الهدوء الذي تعيشه الساحة “لن يعمر طويلا وسرعان ما ستعود عجلة النقاش السياسي والعمومي إلى الدوران ونطرح فيه جميع القضايا الخلافية بين المعارضة والأغلبية”.
ومن أبرز القضايا والملفات الشائكة التي أرجأ الزلزال السجال المرتقب حولها موضوع إصلاح مدونة الأسرة والتي كانت قد شهدت السنة الجارية نقاشات ساخنة حولها، بين التيارين الحداثي والمحافظ، خصوصا مع النبرة المتقدمة التي يتبناها عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، ويدافع عنها في خرجاته المتكررة؛ وهو ما أثار حفيظة حزب العدالة والتنمية والتيار الإسلامي بصفة عامة، الذي عبر عن معارضته للتوجهات التي أفصح عنها وهبي في الإصلاح المرتقب للمدونة.
موضوع آخر اختفى من ساحة النقاش العمومي بعد حدوث الزلزال هو التعديل الحكومي، الذي نسجت فيه العديد من الروايات والحكايات التي تروج لها أطراف متنوعة كل حسب مصلحته وأهدافه.
إلى جانب مشروع إصلاح مدونة الأسرة والتعديل الحكومي، يبدو أن الزلزال فرمل بداية النقاش العمومي بين الفرقاء السياسيين حول مشروع القانون الجنائي، الذي يرتقب أن تحيله الحكومة على البرلمان خلال السنة التشريعية المقبلة؛ وهو الملف الذي يتوقع أن ينال قسطا وافرا من السجال والنقاش الصاخب، خصوصا مع الانتقادات التي وجهت إلى الحكومة ووزير العدل بعد سحبه من البرلمان مع بداية الولاية الحالية.
كما أن تفعيل وتنزيل ورش الحماية الاجتماعية الذي صدرت بشأنه توجيهات من الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، يتوقع أن يشكل بدوره حلقة من حلقات الصراع والنقاش بين المعارضة والأغلبية، إلى جانب استحقاقات أخرى، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وأمام الوضع الذي تعيشه البلاد، توقف النقاش بخصوص جهود محاربة الفساد والملفات التي كان القضاء سرع وتيرة مباشرة عدد من الملفات المرتبطة بالموضوع، إذ استبشر المجتمع خيرا بـ”الحملة” التي أطاحت برؤوس سياسية كبيرة وخلقت جوا من النقاش المجتمعي والحقوقي المحتدم الذي يطالب بالمزيد من المحاسبة ومحاربة المتورطين في الفساد وإهدار المال العمومي.
ملف آخر أرجأ الزلزال النقاش العمومي بخصوصه، وهو الغلاء المشتعل في أسعار الكثير من المواد الأساسية التي شكلت موضوع انتقادات حادة للحكومة طيلة الأشهر الماضية، والذي خفت صوت منتقديه منذ وقوع الكارثة الطبيعية؛ الأمر الذي يرتقب أن يعود مجددا إلى الواجهة، بعد الدخول السياسي وتجاوز المجتمع صدمة الزلزال القوية.
في قراءته للموضوع، اعتبر عبد الحميد بن خطاب، رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، أن من الطبيعي في زلزال بحجم الشدة الذي ضرب إقليم الحوز والأقاليم المجاورة أن يشكل “لحظة تاريخية للتأمل والترحم على أرواح الشهداء الذين قضوا في هذه الفاجعة”، مؤكدا أن النقاش العمومي حول عدد من القضايا يتم “تأجيله إلى لحظة ما بعد الفاجعة، حتى تلتئم الجروح”.
وأفاد بن خطاب، في تصريح ، بأن “الشعب المغربي والسكان المتضررين من الهزة الأرضية مكلومون ومفجوعون، والنقاش العمومي حول العديد من القضايا مثل الحريات الفردية أو القانون الجنائي يصبح ثانويا مقارنة مع حجم الفاجعة”.
واستدرك المحلل السياسي ذاته قائلا: “ولكن النقاش العمومي حاضر بقوة.. وأعتقد أنه بمجرد ما سنتجاوز هذه المحنة، سيُستأنف النشاط ويستأنف النقاش العمومي؛ لأنه نقاش حول مآل الأمة والمجتمع، وهو مستمر ولن يقف عند لحظة معينة”.
وشدد بن خطاب على أن الأزمات والفواجع الكوارث الطبيعية “توحد الفاعلين السياسيين وتحجم من قوة السجال السياسي، وهي لحظات لا يسع المرء إلا أن يكون متضامنا بشكل غير إرادي في بعض الأحيان”.
قد يهمك أيضا
خطة إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز تتقدم