كراتشي ـ المغرب اليوم
تعاني المستشفيات العامة في باكستان مشكلات خطيرة تشمل نقص المعدات والفساد وسوء التنظيم، لكن طبيبا في مركز حديث متخصص في عمليات الزرع اعاد الامل للملايين في هذا البلد بفضل خدماته المجانية.
ويجتاز مرضى فقراء مسافات طويلة للتمركز على الارضية الاسمنتية امام مبنى المستشفى املا في تلقي العلاج.
ويعمل مؤسس هذا المركز اديب الرضوي ذو الشعر الابيض وصاحب الخطوات الرشيقة، بلا كلل من الصباح حتى المساء. هو لا يملك اي مكتب غير انه يتنقل بين اروقة المستشفى ليعود مرضاه من دون تفرقة بين طفل او شخصية مرموقة او مجرم.
هذا الجراح البالغ 79 عاما يواصل اجراء عمليات الزرع. وتبدو حماسته ظاهرة عند سرده تفاصيل مسيرته الشاقة لانجاز هذا المستشفى الذي انطلق مع خدمة بسيطة من ثمانية اسرة ليتوسع بعدها حتى يصبح واحدا من ابرز مراكز عمليات الزرع في بلدان جنوب آسيا، حيث يتم خصوصا زرع الكلى.
ويعود الفضل في هذا الانجاز الى عوامل عدة: اذ ان معهد السند لطب المسالك البولية وعمليات الزرع ("سيوت") ممول جزئيا بهبات فردية، وقد وفر العلاج لملايين الاشخاص على مدى اربعة عقود.
وفي 2015، اجريت اكثر من 300 عملية زرع و260 جلسة غسل للكلى، كلها مجانية بالكامل، بما يشمل علاجات المتابعة.
ويأسف الرضوي لأن "الناس في بلد نام لا يملكون الموارد المطلوبة للعلاج"، موصفا حالات الفقر المدقع التي يواجهها الموظفون في عشرة مراكز صحية تديرها مؤسسته في سائر انحاء البلاد وتضم 1200 سرير في المجموع.
- الحق في الصحة -
وتشارك الحكومة في هذه الجهود اذ توفر حوالى 30 % من ميزانية "سيوت" غير ان ذلك لا يكفي لتحقيق مبتغى الطبيب الذي يرى ان لكل انسان "الحق في الحصول على خدمات صحية والعيش بكرامة".
ولبلوغ اهدافه، توجه الرضوي الى "جميع المواطنين لكي يصبح كل واحد منهم شريكا" في هذه المسيرة كما الحال في البلدان التي يتمتع سكانها بنظام للضمان الصحي.
ويبدي الباكستانيون ثقة كبيرة بهذا المركز الطبي، ما يتجلى خصوصا باختيار عبد الستار ايدهي وهو ناشط اجتماعي شهير وفاعل خير توفي هذا العام عن 92 عاما، هذه المؤسسة للانطلاق في مسيرة علاجية بغسل الكلى قبل ثماني سنوات.
لكن عند تأسيس "سيوت" سنة 1974، لم يكن من السهل اقناع الباكستانيين بتقديم تبرعات لمثل هذه القضية خصوصا لاعتبار كثيرين في هذا البلد أن وهب الاعضاء مخالف للشريعة الاسلامية.
ولتخطي هذه العقبة، اضطر اديب الرضوي للتوجه الى مرجعيات دينية فاعلة في باكستان.
ويقول "لحسن الحظ اتفقوا جميعا على القول إن وهب الاعضاء يتوافق بالكامل مع الشريعة الاسلامية" شرط اقتران ذلك بموافقة اقرباء الواهب وبألا تستخدم الاعضاء المأخوذة من واهبين مسلمين الى متلقين من غير المسلمين.
مع ذلك، يشير الرضوي الى ان نقص التوعية في باكستان حيال وهب الاعضاء "يعيق تطورنا".
- الغذاء والطعام عينهما -
وتتمتع مراكز "سيوت" الاستشفائية بقدر لافت من النظافة والفعالية ما يثير اعجاب الزوار الجدد خصوصا لكون هذه الميزات نادرة في المؤسسات الصحية الباكستانية.
وفي غرفة مطلية بالازرق في هيئة طب الاطفال، تعمد شابة الى الهاء المرضى الصغار لكي يحافظوا على "الهدوء والارتياح" خلال غسل الكلى. وفي هذا الاطار، تنظم صنوبر امبرين لهم انشطة موسيقية وفنية متنوعة.
وتقول امبرين إن الاطفال المرضى يدفعون ثمنا باهظا بسبب هذه العلاجات التي تستمر ساعات عدة بواقع مرتين اسبوعيا على الاقل، اذ انها تعيق مسيرتهم المدرسية وينتهي المطاف بالكثير منهم خارج مقاعد الدراسة.
وتخضع حينا حميد ابنة الاعوام السبعة عشر لجلسات غسل كلى منذ ان كانت في سن الرابعة، وهي تركت المدرسة منذ بداية المرحلة المتوسطة.
وتقول هذه الشابة "ارغب في التمكن من استئناف دراستي"، متعهدة بالقيام بذلك في حال خضعت لعملية زرع.
وعلى بعد بضع غرف، يقبع اعجاز مشتاق مقيدا على سرير على مرأى من شرطي مسلح يتولى مراقبته فيما تتم تنقية دمه عبر جهاز غسل الكلى. هذا الرجل موقوف احتياطيا في انتظار محاكمته اذ يواجه تهمة الاعتداء على شرطيين. وقد بدأ يعاني مشكلات في الكلى خلال توقيفه وهو يرتاد مركز "سيوت" مرتين اسبوعيا.
ويقول مشتاق "انها مؤسسة جيدة خصوصا بالنسبة للفقراء".
ويؤكد الرضوي أن المعتقل يتلقى العلاج عينه الذي تحصل عليه الشخصيات المهمة او اي مريض اخر، "مع الغذاء عينه والسرير عينه"، وهو ما يثير استياء البعض وفق هذا الطبيب الجراح.
ويشير الرضوي الى انه يتلقى في بعض الاحيان تهديدات غير ان الامور تحل رضائيا. ويوضح الطبيب "نجلس معهم، نتبادل الحديث، نتوجه لهم بالقول +اترون هذا الرجل، نحن نعالجه، هو مثلكم ومثلي. هل علي تركه يموت؟+".
لكن هل يفكر في التقاعد؟ كلا، يجب الرضوي. ويقول "زملائي يعملون بالطريقة عينها. لكن اكثرية هؤلاء يعانون ارتفاعا في ضغط الدم، على عكسي انا".