صنعاء ـ سبأ
كشفت دراسة نوعية أجريت مؤخراً في العاصمة صنعاء عن اشكال متعددة من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مراكز ودور الرعاية بأمانة العاصمة وأظهرت مؤشرات ونتائج تعكس الواقع المرير للحياة التي يعانيها الأطفال نزلاء تلك الدور وتفشي سوء الإدارة التي نجم عنها الإهمال لتفاصيل الحياة اليومية للأطفال. الدراسة التي نفذتها مؤسسة الألفية للتنمية بالتعاون مع منظمة رعاية الطفولة في سبتمبر المنصرم هدفت إلى تقييم جودة الخدمة المقدمة في مراكز ودور الرعاية للأطفال في الظروف الصعبة وشملت عشر دور رعاية في أمانة العاصمة من أصل 15 دار من القطاعين العام والخاص وتضم ذكور وإناث ومختلط . شملت الدراسة خمسة أبعاد مهمة هي البعد الصحي والتغذية، بعد النظافة ،بعد العنف ضد الأطفال ،بعد المباني (البنية التحتية) وكذا بعد التعليم ،وقد كانت النتائج التي خرجت بها الدراسة بمثابة صرخة مدوية في وجه الظلم الرسمي والاجتماعي على حد سواء لاعتبارات عدة يأتي في مقدمتها غض الطرف عن أولئك الأبرياء الذين يحمل كل واحد منهم خلفه قصة تدمي لها العيون. احتوت العينة على أنواع مختلفة من متلقي الخدمة ،كالأيتام والجانحين وعمالة الشوارع من الأطفال وشملت 202 طفل 73% ذكور و 27% إناث من أصل 1500 طفل في المجتمع محل الدراسة ،كما احتوت العينة على 55 إدارياً ، 47% ذكور و 53% إناث . وبرغم أن اليمن سبق وأن صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في الأول من مايو 1991م إلا أن هذه الدراسة تأتي لتكشف لنا اليوم عن أشكال متعددة من العنف الذي يمارس ضد الأطفال حيث رأى 80% من الأطفال أن العقاب يتم بالضرب باليد وهي وسيلة قد تكون عنيفة ومؤذية للطفل، وتحدث 50% عن التعرض للضرب بواسطة الركل أو القرص ،ورأى 85% أنه يتم الصراخ في أوجههم، أما 81% من الأطفال فإنهم يتعرضون للإهانة اللفظية ونعتهم بأسماء جارحة أو التعرض للاحتقار والاستهزاء . وبينت الدراسة أن 62% من الأطفال يرون أن العقاب يأتي على شكل أعمال عادية توكل لهم مثل التنظيف وإعداد الطعام وليست أعمال شاقة صعبة تضعهم في وضعية استغلال من قبل الادارة، إلا أن 50% من الأطفال يرون بأن الدور تمارس الاستغلال الجسدي في الأعمال للأطفال . وكشفت الدراسة بأن 80% من الأطفال توكل إليهم أعمال مقرفة كتسليك المجاري، ووافق 70% من أطفال العينة على ان الإدارة تؤدي دوراً جيداً في السيطرة على العنف بين الأطفال. ولاحظ فريق البحث الذي نفذ الدراسة بأن العنف ضد الأطفال ظاهرة متفشية في دور الإيواء حيث وجد القليل جدا من الدور التي يتم فيها تأهيل الطفل دون عقاب جسدي ،كما أنه يتم معاقبة الأطفال بشكل عنيف حيث تستخدم الكثير من الأساليب اللاإنسانية مثل تجريد الطفل من ملابسه ،ودحرجته في الشمس الحارة أو على الأشواك ،وضربهم بأسلاك تؤدي إلى أذى واضح على جسد الطفل وكذا وضع مواد غير مناسبة في الأماكن الحساسة في جسد الطفل. ومن ضمن النتائج التي توصل إليها الفريق عن طريق الملاحظة أنه يتم التلفظ بألفاظ وأسماء جارحة للأطفال في الدار، وخصوصاً من المشرفين ووجد أن أغلبية هؤلاء المشرفين غير مؤهلين للعمل في تلك الدور . وبالنسبة لمحور التعليم فقد كان من أسوأ المحاور التي كشفت عنها الدراسة حيث تبين أن أقل من 54% من الأطفال قادرون على الكتابة والقراءة بشكل يناسب مستواهم التعليمي وسنهم ،وتتوفر الوسائل التعليمية لدى أقل من 40% من أفراد العينة ،كما أن 62% من المدرسين غير متفرغين للتدريس في الدور، و 73% من الأطفال يتلفظون بألفاظ سيئة ناتجة عن سوء تربية وتعليم، أما بعض الدور فلا يوجد فيها تعليم إلا محو الأمية فقط. وتوصلت الدراسة إلى أنه لا يوجد تنسيق بين الدور والجامعات فالكثير من خريجات الثانوية لا يجدن أي فرصة لإكمال دراستهن الجامعية، وتبين من نتائج الدراسة أن 85% من الأطفال يحضرون الدوام المدرسي كاملا، و77% يتمتعون بزي دراسي موحد. وفيما يتعلق بمستوى أداء الإدارة تبين من خلال نتائج الدراسة أن هناك الكثير من الإهمال من قبل إدارات الدور في مجال الاهتمام بالأطفال يبدأ أولاً بوجود إهمال كبير في التنسيق بين الدور وبين المؤسسات الأخرى ،كالجامعات أو سوق العمل ،وكشفت النتائج بأن 85% من الاداريين ليست لديهم فكرة جيدة عن حقوق الطفل ، وكيفية التعامل معهم ،في حين أن بعض المشرفين أو الأمهات أميون أو من غير المؤهلين، أو يحملون تخصصات مختلفة أو يتخذون من الدار مأوى لهم فقط. كما أن هناك ممارسات لإعمال القبضة الحديدية في بعض الدور والسيطرة التامة وفرض الانغلاق التام على الأطفال وقد رأى 74% من أفراد العينة أن المشرفين لا يهتمون بشئونهم الشخصية الخاصة أو بتقديم المشورة ،ووافق 58% من أفراد العينة على أن المشرفين يهتمون بحل مشاكلهم مع الأطفال الآخرين أو مع الإداريين الآخرين، ورأى ما نسبته 75% أن المشرفين يستخدمون ألفاظاً بذيئة . ورأى 50% من أفراد العينة أن الاداريين والمشرفين يهتمون بشئون الدار بشكل عام ، كوجود خلل في المبنى أو فوضى في الدار ،وهناك 73% يرون أن المشرفين أو الاداريين يتدخلون لحل مشاكل الأطفال. وبالنسبة للجانب الصحي فقد أوضحت نتائج الدراسة بأنه كان مقبولاً بشكل عام ولكن ليس بدون نقاط ضعف حيث تبين أنه يتم الاهتمام بالحالات الطارئة والحالات العادية واسعافها فيما نسبته فقط 53% من افراد العينة وأن هناك ضعف في الفحص الدوري للأطفال (الاكتشاف المبكر للحالة) حيث لا يتواجد في 80% من الدور ،ويتم عزل الطفل المريض في 52% من الحالات المرضية في الدور. وأظهرت الدراسة أن 63% من الدور لا يوجد لديها اهتمام كبير بمعالجة الحالات النفسية للأطفال ، كما أنه لوحظ في 85% من الدور محل الدراسة عدم وجود توعية صحية وإرشادات للنزلاء، أما 40% من الدور فيوجد بها مشكلة كبيرة في نظافة المياه ،ولوحظ أيضاً أن 60% من الدور المشكلة الكبرى تكمن في شحة المياه اساساً . ومما يوحي بالخطر أن الدراسة ذكرت بأن هناك دواء منتهي الصلاحية ويعطى للأطفال المرضى في بعض دور الإيواء وفي البعض الآخر يتم إعطاء الطفل دواء لمرض ما وهو يشكو من مرض آخر . وذكرت الدراسة أنه بجميع دور الإيواء لا توجد سيارة إسعاف واحده مخصصة للدار لإسعاف الحالات الخطيرة ،ولا توجد دورات إسعاف أولية تقدم للطلاب بحيث يكون هناك مجموعة من الطلاب يكون لديهم مقدرة على القيام بالإسعافات الأولية . وفي مجال التغذية هناك سوء إدارة في هذا المجال ،ويعاني الكثير من الأطفال من تكرار الوجبات وفي بعض الأحيان نقص في التغذية حيث أشار 75% من الأطفال إلى أن الوجبات المقدمة من الدار كافية ،وأن الدور تقدم على الأقل 3 وجبات يومياً وانخفضت النسبة الاجمالية للتنوع في مكونات الوجبات إلى 68% بل وتنعدم تماما في بعض الدور, وأشار 63% من أفراد العينة إلى تكرار نفس الوجبات اليومية . وتشير نتائج الدراسة إلى اهتمام غير كاف بطعام الأطفال من قبل الإدارة حيث رأى 50% من الأطفال في هذه الدور بأن المشرفيين أو الإداريين يتأكدون من أن الطفل قد تناول طعامه من عدمه، وتبرز بعد ذلك مشكلة التناول الجماعي للطعام من نفس الإناء في هذه الدور ،حيث أشار حوالي 76% من الأطفال إلى تفشي هذه الظاهرة في الدور ، كما يلاحظ أكل الأطفال على الأرض. وفي ذات السياق اشار حوالي 53% من الأطفال إلى عدم وجود موظف مختص بتقديم الطعام، وفي بعض دور الإيواء لا يوجد اهتمام بجانب النظافة في إعداد الطعام، وأيضاً في كيفية طبخ الطعام ، والنوعية الرديئة للمواد الغذائية ،كما أنه يتم استغلال الأطفال لإعداد الطعام في بعض الدور. وبالنسبة للنظافة فقد كانت بحسب نتائج الدراسة في بعض الدور جيدة ،ولكن في البعض الآخر سيئة جداً وقد أكد 70% من الطلاب أن النظافة بشكل عام للدور جيدة، أما بالنسبة لنظافة الحمامات تحديداً فهي شبه منعدمة في كثير من الدور تصل إلى 60% منها، وفي غالبية دور الإيواء يتم تنظيف الدار (بشكل عام أي ساحات وغرف وغيرها) من قبل الأطفال وليس عبر موظفين متخصصين وهو ما أكده 60% من الأطفال. ومن النتائج المهمة التي أظهرتها الدراسة في هذا المحور أن 93% من الأطفال أكدوا بأنه يتم استخدامهم لتنظيف الحمامات . وبلغت نسبة الأطفال الذين يحصلون على أدوات نظافة شخصية 60% (ليفه شخصية، صابون جسم شخصي وغيرها) وتبين أن 65% من الأطفال كانت الغرف الخاصة بهم نظيفة و 60% من الأطفال يتميزون بارتداء ملابس نظيفة ،وقد أكد 85% من الأطفال عدم وجود تعليمات كافية في الدور ولا وسائل تعليم إرشادية تحث على النظافة . وبالنسبة للمباني فقد ذكرت الدراسة بان كل المؤشرات تدل على أنه لا توجد مشكلة في المباني المخصصة لهذه الدور وذكر 80% من أفراد العينة أنهم يتمتعون بوجود أماكن ترفيهية ورياضية في المباني، وأكد 72% من أفراد العينة أن المباني تجرى لها صيانة دورية ،كما أن 88% من الأطفال لا يرون أي تهالك للمباني وأنها لا تشكل خطورة على حياتهم، ويؤكد 92% أن المباني جيدة الإضاءة وليست مظلمة كما أنها واسعة بما فيه الكفاية. هذا وقد اعتمدت الدراسة على عينة عشوائية مختارة بطريقة (EPI Expanded programme of Immunization) والتي تفترض عدم وجود إطار للعينة وهي طريقة تضمن الحصول على عينة عشوائية بأقل التكاليف ،واعتمد فريق العمل على الأسلوب العلمي التأكيدي في استخدام أكثر من وسيلة واحدة للحصول على البيانات حول الخدمات المقدمة ،كما اعتمد الفريق على أكثر من أسلوب بحث. وتعد هذه الدراسة واحدة من المشاريع التي تنفذها مؤسسة الالفية للتنمية ضمن مشاريعها المتصلة بواقع الطفولة في اليمن ،والنتائج التي خرجت بها هذه الدراسة تتطلب اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة حيال ضمان وتوفير حق الطفل في البقاء والنماء ،ويتطلب ذلك من الجميع الوقوف جنباً إلى جنب لتوفير كافة أوجه الحماية والرعاية حتى ينعم الأطفال داخل مراكز الرعاية بحياة كريمة ،كتلك الحياة التي يعيشها كل الأطفال خارج مراكز الرعاية .