غانا ـ وكالات
تعرف جنوب افريقيا امام العالم بانها بلد مانديلا التي تضم مختلف الاطياف العرقية، فالكل يفخر بعرقه وتراثه، لكن الامر يختلف بالنسبة لبعض السود من جنوب افريقيا فهناك شئ يكمن وراء لون بشرتهم السوداء.تشير دراسة حديثة اجرتها جامعة كيب تاون ان سيدة من كل ثلاث سيدات في جنوب افريقيا تلجأ الى تبييض بشرتها، وتختلف مبررات ذلك باختلاف الثقافات في هذا البلد، غير ان معظم الناس يقولون انهم يستخدمون منتجات تفتيح البشرة لانهم يرغبون في "بشرة بيضاء". وتقول الموسيقية المحلية نوماسونتو "مشوزا" منيسي، وهي الان تتمتع ببشرة فاتحة، ان لون بشرتها الجديد جعلها تشعر بانها اكثر جمالا وثقة. وتعرضت الموسيقية لانتقادات واسعة النطاق من جانب وسائل الاعلام المحلية ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي، لكنها تقول ان تفتيح بشرتها خيار شخصي، فلا يوجد خلاف بين زراعة الثدي وعمليات تجميل الانف.وقالت "لسنوات عديدة كنت سوداء وبشرتي سوداء. واردت ان اعرف ما سيبدو عليه الامر عندما اكون بيضاء، انا سعيدة."خلال العامين الماضيين اجرت منيسي عددا من العلاجات، كانت تتكلف في الموسم الواحد 590 دولارا حسبما قالت لبي بي سي. وعلى نقيض ما هو كائن في بلدان عديدة، استخدمت منيسي منتجات فائقة التطور يعتقد في كونها اكثر امنا من الدهانات التي تباع في الاسواق السوداء، لكنها بأي حال من الاحوال تخلو من المخاطر بحسب تأكيد الاطباء.تقول منيسي اناه لا تتفهم لماذا الانتقاد لمظهرها.وأضافت "نعم جزء من هذه القضية مبعثه الفخر الذاتي وقد تحدثت وقلت اني سعيدة بذلك. انا لست بيضاء من الداخل ولست اتحدث الانجليزية بطلاقة ولدي اطفال سود البشرة. انا فتاة من البلدات، فقط كل ما فعلت هو تغير طريقة مظهري الخارجية."وتكمن المخاطر المرتبطة باستخدام بعض هذه الدهانات في انها تسبب سرطانات الدم مثل مرض اللوكيميا وسرطانات الكبد والكلى بالاضافة الى اصابات شديدة تصيب البشرة مثل مرض يطلق عليه (التمعر Ochronosis) وهو شكل من اشكال اصطباغ البشرة وتحويلها الى اللون الارجواني الداكن، بحسب ليستر ديفيدس كبير الباحثين في جامعة كيب تاون.يذكر ان حملة اعلانية لنوع من دهانات تفتيح البشرة التي تعد بالحصول على نتائج خلال 15 يوما أشعلت جدلا شرسا على شبكات التواصل الاجتماعي السنغالية منذ سبتمبر/أيلول.لقد وضعت الحملة لافتات دعائية كتب عليها عبارة ترجمتها "الجميع أبيض" أو "الجميع فاتح البشرة" في شتى ارجاء البلدة مع تصوير بشرة سيدة "قبل" و "بعد" استخدامها للدهان المعلن عنه، حيث كانت سوداء البشرة ثم اصبحت بيضاء الى حد ما. وقد طلب نحو ألفي شخص وقعوا طلبا على الانترنت يطلبون ازالة هذه اللافتات الدعائية، وسرعان ما ظهرت حملة دعائية مضادة تدافع عن فكرة الاعتزاز بالبشرة السوداء.ويقول اطباء في قسم الامراض الجلدية في احد مستشفيات داكار انهم يستقبلون متوسط مائتي سيدة اسبوعيا ضمن حالات تتعلق باستخدام منتجات تفتيح البشرة. وقد بثت تقارير على شاشات التلفزيون تبين مخاطر استخدام دهانات تفتيح البشرة بعد الجدل المثار.وهناك الكثير من النساء تعرضن لاضرار في بشرتهن بدأن تشجيع الاخريات على عدم استخدام مثل هذه المنتجات.وقالت سيدة تبلغ من العمر 51 عاما "اشعر بأسف بالغ لحدوث ذلك لي، لكن الفتيات والسيدات من ذوات البشرة معتدلة اللون دوما ما يبعثن الاغراء بالنسبة للرجال."واضافت انها ترتدي غطاء للرأس لاخفاء بقع جلدية تسببت هذه المنتجات في حدوثها.والجدير بالذكر ان وزير الصحة التقى نشطاء حملة الاعتزاز بالبشرة السوداء واخبرهم بأن القوانين الراهنة لا تمنع حملات الدعاية لهذه المنتجات التي تندرج على قائمة مستحضرات التجميل. ويقول الطبيب ديفيدس "يعرف القليل من الناس في جنوب افريقيا وافريقيا تركيز المكونات السامة التي تحتويها مثل هذه المنتجات في السوق السوداء. نريد ان نبذل قصارى الجهود لتوعية الناس بشأن هذه المنتجات الخطيرة."وأضاف انه طوال السنوات الست الماضية تزايدت اعداد من يسعين الى اقتحام الاسواق المحلية لتفتيح البشرة بمنتجاتهم، بعضهم قانوني والبعض غير قانوني، وهذا ما دفعهم الى جراء بحثهم.ويقول اطباء الامراض الجلدية المحليين انه يرصدون تضرر بشرة العديد من المرضى، بعض هذه الحالات غير قابلة للعلاج.وتقول الطبيبة نورا موتي-جوساب "استقبل مرضى يأتون من شتى ارجاء افريقيا ممن يطلبن المساعدة في علاج امراض بشرتهن، ونحن لا نملك الكثير لنقدمه للتصدي لهذا الضرر، ومازال هناك البعض ممن ينكر الاثار الجانبية لهذه المنتجات."في كثير من المناطق في افريقيا واسيا تعتبر السيدة ذات البشرة الفاتحة اكثر جمالا كما يعتقد انهن اكثر حظا في ابرام الزواج.ومنشأ هذا الاعتقاد في افريقيا غير واضح، لكن الباحثين يربطون بينه وبين التاريخ الاستعماري في افريقيا حيث كانت البشرة البيضاء رمزا للجمال.""اطلقت منظمة الصحة العالمية تقريرا في يونيو/حزيران أظهر ان النيجيريين هم الاكثر استخداما لمثل هذه المنتجات، حيث ان 77 في المئة من النيجيريين يستخدمون تلك المنتجات بصفة دورية، يليها في المرتبة توغو بنسبة 59 في المئة، ثم جنوب افريقيا بنسبة 35 في المئة ومالي بنسبة 25 في المئة.كانت جنوب افريقيا قد حظرت استخدام منتجات تحتوي على نسبة تزيد على اثنين في المئة من مادة الهيدروكينون، المكون الاكثر فعالية خلال الثمانينيات. لكن من السهولة بمكان رصد دهانات ومستحضرات سائلة تحتوي على المادة الكيمائية في المتاجر هنا، كما تحتوي بعض الدهانات على مادة ستيرويد الضارة وأخرى تحتوي على الزئبق.تستطيع من خلال جولة سير في أحد الاسواق الافريقية المكتظة في وسط يوفيل بجوهانسبرغ ان ترصد الكثير من حالات تفتيح البشرة، كما يمكنك العثور على اي شخص من كل منطقة بالقارة هنا.البعض ايضا يعاني من بقع على بشرة الوجه نتيجة المواد الكيمائية الضارة التي تستخدم في ازالة اصباغ البشرة. ويقول علماء النفس ان هناك اسبابا جوهرية تدفع الناس الى تفتيح البشرة منها عدم الثقة بالنفس او بعض درجات كره الذات.غير ان تفتيح البشرة لا يحظى بالولع الشديد لدى النساء، ويقول جاكسون مارسيل، مصفف الشعر الكونغولي، انه استخدم حقنا خاصة لتفتيح بشرته خلال السنوات العشر الماضية، يدوم تأثير الحقنة الواحدة لستة اشهر.وقال "اصلي الى الله واسأله كل يوم لماذا جعلني أسود؟ لا احب ان اكون أسود لا أحب البشرة السوداء."ويقول مارسيل، الذي يعرف بمايكل جاكسون افريقيا، ان والدته دأبت على استخدام دهانات لبشرته عندما كان صغيرا لتخفيف حدة اللون الاسود لبشرته.واضاف "أحب أصحاب البشرة البيضاء. ينظر الى السود على انهم اناس خطرون. هذا سبب ما اكنه من كره لاصحاب البشرة السوداء. الناس يعاملونني أفضل معاملة لانني أبدوا كأني أبيض."تترسخ في أذهان الكثير من الافارقة منذ الصغر مقولة مأثورة ان "اللون الابيض مفتاح كل ما هو جيد" وهو اعتقاد اسهم في زعزعة ثقة الملايين بأنفسهم.وحتى تتغير هذه الاوضاع، لن تفلح اي اجراءات حظر رسمية او حملات توعية في لفت انتباه الناس عن المخاطر الصحية التي يواجهونها في سبيل ما يعتقدون انه مبعث جمال.