لندن - ماريا طبرني
تلعب البكتيريا في الأمعاء أو "ميكروبيوم الأمعاء" دوراً رئيسياً في صحة الجهاز الهضمي، ولكن تأثيرها لا يتوقف فقط عند الجهاز الهضمي، إذ قد يطال أيضاً الدماغ. يتكوّن الميكروبيوم من مستعمرات البكتيريا والميكروبات الأخرى في جسم الإنسان، ويعيش معظمه على الجلد وفي الأمعاء، وتشكل تلك التي تعيش في الأمعاء "ميكروبيوم الأمعاء". في الواقع، هناك عدد من الميكروبات التي تعيش في أجسامنا أكثر من الخلايا البشرية، إذ يستضيف الإنسان ما يقرب من 38 تريليون نوع من البكتيريا والميكروبات مقارنة بـ30 تريليون خلية تكوّن جسمه، وتظهر الأبحاث أن هذه البكتيريا قد تؤثر على سلوكنا. إلى جانب تريليونات الميكروبات، تلعب أحشاؤنا أيضاً دور المضيف للخلايا العصبية، إذ تحتوي القناة الهضمية على بنية شبكية من الخلايا العصبية تسمى الجهاز العصبي المعوي الذي يتواصل مع الدماغ عبر العصب المبهم، وهو جزء من محور القناة الهضمية، والذي يمتد من الدماغ وصولاً إلى القولون؛ وكذلك عن طريق الهرمونات والمستقبلات، وربما الجهاز المناعي.
غالباً ما يُشار إلى الجهاز العصبي المعوي باسم "الدماغ الثاني" لأنه يعمل بشكل مستقل، وبمساعدة العصب المبهم، يسمح بالاتصال المباشر ثنائي الاتجاه بين الخلايا العصبية في الدماغ والخلايا العصبية والميكروبات في الأمعاء.
ميكروبيوم الأمعاء والصحة العقلية
هناك تاريخ طويل من الارتباط بين اضطرابات المزاج مثل القلق أو الاكتئاب ومشاكل المعدة مثل متلازمة القولون العصبي (IBS)؛ ومثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) هي دواء شائع يستخدم لعلاج اضطرابات المزاج، ولا يعرف الباحثون بالضبط كيفية عملها ولكنهم يعتقدون أنها تمنع الدماغ من إعادة امتصاص الناقل العصبي السيروتونين. ومن المثير للاهتمام، أن ما لا يقل عن 90% من إمداد الشخص بالسيروتونين يتم تصنيعه بواسطة بكتيريا الأمعاء. يلعب ميكروبيوم الأمعاء دوراً في تطور أمراض الدماغ مثل مرض باركنسون والزهايمر، وتظهر الأبحاث أنه يمكن أن يؤثر أيضاً على الحالة المزاجية عند الرضع.
ميكروبيوم الأمعاء والتذوق
قد تتحكم ميكروبات الأمعاء في سلوكنا بطريقة مهمة أخرى، وذلك بإخبارنا بما نأكله، وأظهرت الأبحاث بالفعل أن ميكروبات الأمعاء يمكن أن تؤثر على الخيارات الغذائية. وإحدى النظريات هي أن أنواع البكتيريا التي تتغذى من نوع معين من الجزيئيات الحيوية -مثل السكر- تتلاعب بعاداتنا الغذائية من خلال إخبارنا بتناول المزيد من السكر حتى تتمكن من الحصول على المزيد من المادة التي تحتاجها للنمو. وإذا كان هذا صحيحاً، فهذا يعني أن بعض الرغبة الشديدة في تناول الطعام قد تكون ناتجة عن تجمع الميكروبات التي تعيش في أمعائكِ. حتى أن بعض الباحثين يتكهنون بأن عادات الأكل غير الصحية، والتي غالباً ما يكون من الصعب كسرها، يمكن أن تكون بسبب تفضيلات ميكروبيوم الأمعاء وليس نقص الإرادة.
ميكروبيوم الأمعاء والصحة
لا تؤثر الميكروبات في أمعائك على صحة الجهاز الهضمي فحسب، بل تبين أنها تلعب دوراً كبيراً جداً في صحتك العامة
لا تؤثر الميكروبات في أمعائك على صحة الجهاز الهضمي فحسب، بل تبين أنها تلعب دوراً كبيراً جداً في صحتك العامة. عندما يختل توازن الميكروبات في أمعائكِ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل صحية، يحدث هذا الخلل، المسمى دسباقتريوز Dysbiosis، عندما ينخفض عدد الميكروبات المفيدة أو يزداد عدد الميكروبات غير المفيدة. يمكن أن يؤدي تغيير النظام الغذائي أو المضادات الحيوية أو الإجهاد المزمن إلى اضطراب Dysbiosis في الميكروبيوم، مما يؤدي إلى اختلال التوازن في الكائنات الحية الدقيقة، أو تغييرات في تكوينها الوظيفي وأنشطتها الأيضية، أو تحول في توزيعها. وتشير الأبحاث إلى أن دسباقتريوز مرتبط أيضاً بالعديد من المشاكل الصحية المزمنة والخطيرة، بما في ذلك أمراض القلب وسرطان القولون والسكري وأمراض الكلى والسمنة وأمراض المناعة الذاتية والحالات العصبية، وربما حتى اضطرابات النمو مثل التوحد. ما رأيك بقراءة بعض المعلومات المفيدة حول سرطان القولون؟
كيف يؤثر السلوك الغذائي على الميكروبيوم؟
هل تتذكرين كيف يقدم العصب المبهم اتصالاً ثنائي الاتجاه بين الدماغ والأمعاء؟ هذا يعني أن القناة الهضمية لا تؤثر فقط على الدماغ، ولكن الدماغ والخيارات التي يتخذها تؤثر على القناة الهضمية. وثبت أن الأنظمة الغذائية الغنية بالسكر والأطعمة فائقة المعالجة والدهون المشبعة لها تأثير سلبي على ميكروبات الأمعاء، في حين أن تناول الكثير من الألياف والخضروات والفاكهة يمكن أن يساعد في تعزيز صحة الأمعاء. ويمكن أن تساعد الأطعمة التي تحتوي على البريبايوتك والبروبيوتيك أيضاً على زيادة عدد البكتيريا المفيدة في الأمعاء، كما تشمل الأطعمة التي تحتوي على البريبايوتيك عناصر مثل الموز والأعشاب البحرية والبصل والثوم، بينما تشمل الأطعمة التي تحتوي على البروبيوتيك عناصر مثل الأطعمة المخمرة والتيمبي والزبادي والميسو. وعلى الرغم من وجود الكثير من المكملات الغذائية التي تدّعي أنها مليئة بالبروبيوتيك، إلا أنَّ الطريقة الأكثر فائدة للحصول على هذه العناصر الغذائية هي من خلال الأطعمة الكاملة. ونظراً إلى أن الإجهاد المتراكم يمكن أن يفسد أمعائكِ، فإن إيجاد طرق لتقليل التوتر يمكن أن يساعد في منع مشاكل القناة الهضمية أيضاً، حيث يمكن أن يفيد التأمل والتنفس العميق، كما التمارين الرياضية، سواء كان ذلك المشي أو رفع الأثقال.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
دراسة جديدة توضح أن بعض البكتيريا في الجهاز الهضمي لديها القدرة على تلف خلايا البنكرياس