الرباط - المغرب اليوم
لطالما ارتبطت الصحون المقعرة التي غزت أسطح بيوت وعمارات المدن المغربية بالقُبح وتشويه المنظر العام للمدائن، لكنّ ريشة الفنان التشكيلي كريم البدري استطاعت أن تزيل هذا "الوصم" عن صحون التقاط القنوات الفضائية في حي أبي رقراق الشعبي بالعاصمة الرباط، بعدما اتخذ صاحب الريشة هذه اللواقط فضاء لرسم لوحات تشكيلية جعلت أسطح بنايات الحي تشبه معرضا مفتوحا.
في البداية كان بدري، وهو أستاذ التعليم الابتدائي، يرسم جداريات يزيّن بها جدران حارات حي أبي رقراق الشعبي، لإضفاء مزيد من الجمال عليها بعد خضوعها لعملية إعادة الهيكلة في إطار مشروع "الرباط مدينة الأنوار"، الذي أطلقه الملك محمد السادس، ولأن بُعد نظر الفنان بلا حدود، فقد ارتأى الانتقال من تزيين قاعدة الحيطان إلى تزيين أسطح البيوت، ليكون جمال الحي الذي ينتمي إليه متناغما وشاملا.
تمخضت الفكرة عن حوار بين الفنان التشكيلي بدري وأخيه، الذي اقترح عليه أن يصبغ الصحون المقعرة المنصوبة في سطوح بيوت الزقاق الذي يقيمان فيه، بعد أن تغيرت ألوانها الأصلية بفعل تعرضها للشمس وزحف عليها الصدأ وأصبح شكلها "مشوَّها"، غير أن الحسّ الفني لبدري جعله يتجاوز فكرة طلاء "البارابولات" بلون موحّد إلى تحويلها إلى لوحات تشكيلية.
يقول بدري في تصريح : "في البداية صبغت بعض الصحون المقعرة باللون العادي، لكن النتيجة لم ترقني كثيرا، فقلت لمَ لا أحوّلها إلى لوحات فنية يراها الناس من بعيد كأنهم في معرض للوحات التشكيلية"، مضيفا: "من هنا انبثقت فكرة تحويل الصحون المقعرة إلى لوحات تشكيلية ذات رسومات مختلفة، وألوان متنوعة، لأن الألوان مُريحة للبصر، وتضفي مزيدا من الراحة على النفس والحبَّ على الحياة".
فكرة تحويل الصحون المقعرة في حي أبي رقراق استقبلها سكان الحي بترحيب كبير، "فنحن لسنا فقط جيرانا، بل نعتبر أنفسنا عائلة واحدة. أبواب بيوتنا مفتوحة دائما، وهناك تلاحم بيننا"؟ يقول بدري، لافتا إلى أن من بين الأسباب الأخرى التي دفعته إلى الانخراط في هذه المبادرة، رغبتُه في تغيير النظرة النمطية السائدة عن حيه بسبب السلوكات الخاطئة لبعض الشباب.
ولا يستفيد بدري من دعم أي جهة لإنجاح مبادرته التي تكلفه الكثير من الوقت والجهد والمال، لكنه يقول إنه لا يفكر في هذا الجانب كثيرا، "فما يهمني أكثر هو أن أرى الفرحة في عيون السكان وهم يروْن منظر سطوح بيوتهم وقد اتخذ شكلا جميلا"، معبّرا عن أمله في أن تمتدّ مبادرته لتشمل جميع أحياء مدينة الرباط، ليتناغم فيها نور أضواء الشوارع والأزقة بعد إعادة تهيئتها مع نور الألوان في الأسطح.
وتابع قائلا: "ملك البلاد أراد أن تكون الرباط عاصمة الأنوار، والأنوار هي تشكيلة من الألوان والأضواء، وهناك تلاطف بينهما، وأتمنى أن أصل إلى هدفي المتمثل في إحداث تناغم بين الفضاء السفلي والفضاء العلوي لأحياء الرباط"، معتبرا أنه "لا شيء مستحيل، فما دمتَ في الحياة فالحياة لك".
وقد يهمك أيضا :
زين العابدين يؤكد أن غالبية الشعراء في مسابقة أحمد نجم لديهم ضعف
التازي تعلن دخول فن "كناوة" للائحة التّراث اللامادي للإنسانية