الرباط -المغرب اليوم
على صفحات هاجر زكريا ب مواقع التواصل الاجتماعي تطالعك صور من وحي تراث مغربي ثابت ومتحول، حديث وعريق: زربية صلاة مزركشة بأهداب مشتتة، مدفع من مدافع المدن العتيقة، مبخرة رمضانية، طبق كسكس بـ"سبع خضاري"، كأس من الفخار مطلي بالقطران، حساء "حريرة" مع التمر بجوار كعكة عصرية كوجبة بديلة لحفل عيد ميلاد.كل يوم تقريبا تنشر هاجر زكرياء رسوما توضيحية من دولاب المشترك القيمي للمغاربة. تفتش في خزانة العادات والأعراف والتقاليد وتشحذها بمعان جديدة في رسوم رقمية أخاذة."هذا تخصص"، تواصل الرسامة التوضيحية الشابة، "سمح لموهبتي في الرسم بالازدهار وإن بأدوات جديدة وغير ملموسة. خلال دراستي كان ميلي واضحا وشديدا لمجال الرسوم التوضيحية، وهو المجال الذي أتخصص فيه اليوم ويأخذ المساحة الأوسع من أعمالي".
أثرت تداعيات جائحة كوفيد-19 على عمل هذه الرسامة الشابة. فقدت عملا قارا مع شركة مختصة في التصاميم البيانية في مارس من العام الماضي. لم تيأس. رأت في المحنة منحة وواصلت في عرض خدماتها بشكل مستقل وذاتي. "منذ ذلك الحين بدأت أنشر رسوما توضيحية بوتيرة أكبر، وأحرص فيها على أدق التفاصيل من ضوء وظلال وبياض وثنايا مع تفضيل، على مستوى المحتوى، لكل ما هو تقليدي أو بلدي وقريب من الخصوصية المغربية".
"بدأت أنشر أعمالي وأعرف بها تدريجيا"، تقول هاجر، مشيرة إلى أن جهد البدايات هذا لقي تجاوبا واسعا "فبعض الزبناء صاروا يطلبون تصاميم وشعارات وعلامات قريبة من الأسلوب الذي أشتغل عليه في رسومي، كما بدأت بعض دور النشر والمعارض الفنية تطلب إسهامي في أعمالها".
غير أن ابتكار شعارات وهويات بصرية مناسبة لمطويات وبطاقات اتصال ولوحات عرض وغيرها ليس مسارا مهنيا مفروشا بالورود. "أحيانا تجد أن صاحب الطلبية يتعامل معك على أنك مجرد آلة تنفيذ تقنية بلا رأي. لا يرى في اقتراحاتك بخصوص الألوان أو الأشكال أو الإضاءة الرقمية وغيرها أي قيمة"، تقول هاجر مدافعة عن أن "للمصمم الجرافي (الرسام التوضيحي) رأي وتكوين في الألوان ودلالاتها والأشكال والأحجام ومعانيها، رأي يجب الإنصات له".شكال آخر تواجهه هاجر وعدد من الرسامين التوضيحيين يتعلق بـ"تبخيس" بعض الزبائن للمقابل المادي للأعمال المنجزة بـ"حجة أن هناك من يعرض خدمات بسعر أقل". "هنا يجب التمييز بين رسام توضيحي محترف وبعض المتطفلين على المجال. فالرسام المحترف يمدك بدليل الأسلوب البصري (charte graphique) وتفصيل الاختيارات المتخذة في معالجة التصميم، إضافة إلى أن العمل يجري بوعي بدلالات الألوان ورمزية الصور"، تقول هاجر منافحة عن عملها.
لكن لم الالتجاء لخدمات رسام توضيحي أو مصمم شعارات في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث البرامج المعلوماتية قادرة على مدك بآلاف الشعارات والعلامات المميزة والجاهزة للاستعمال وفي ظل وجود مواقع إنترنت تبيع هذه الخدمات؟ لا يحرك هذا السؤال أي مسحة قلق في جبين الرسامة التوضيحية التي تجيب بهدوء: "الأمر بسيط. إذا غامرت بشراء علامة أو شعار من هذه المواقع فأنت تغامر بأصالة وتفرد الشعار أو الهوية البصرية التي تبحث عنها لشركتك أو تجارتك أو موقعك. ثم إن الرسم التوضيحي عمل خلاق فعلا، الفرق فقط في أنك عوض أن ترسم على الورق ترسم على شاشة رقمية لحاسوب أو جهاز لوح"”.
وتواصل حول هذه النقطة: "حين بدأت في هذا المجال، أتذكر أني سألت نفسي كيف سأرسم بفأرة حاسوب؟، بدا الأمر غريبا، ثم سرعان ما فهمت أن البرنامج المعلوماتي ليس إلا أداة مثل أدوات الرسام المادية كالفرشاة والأقلام.. فمثلا إذا كلفت ثلاثة رسامين توضيحيين بنفس المهمة ستختلف النتائج النهائية حسب حساسية كل واحد".
هاجر ابنة ثلاث مدن، رأت النور بخريبكة وترعرعت بمدينة تازة وتقيم حاليا بمدينة بالمحمدية. تستجمع رؤى من هذه المدن في استشراف المستقبل. وحاليا تعمل على إرساء ركائز علامتها الخاصة في المجال. علامة تريدها أن تجمع بين الريادة والأناقة في مهنة يختلط فيها الفن بالشغب بموهبة الطفولة.
قد يهمك ايضا :
"الكسكسي" المغربي يقترب مِن تزيين قائمة التراث العالمي
"الكسكس المغربي"يُزعج الوزير الأول الجزائري ويُطالب بلاده بتطويره