الرباط - المغرب اليوم
كان لا بدَّ أنْ تحدُثَ رجةٌ كبيرة على تلك الأرض القصية في شمال أوروبا المعْزولة لتُحرّك فيه بعضاً من كبرياء الروس المُفعم بالتناقضات والانتفاضات الغابرة، غيْر أنَّ محاولاته كانت دائماً تصطدمُ بواقعٍ صعبٍ تفرضهُ أهواءُ الفنِّ العبثي الذي يستهويهِ، مُفضِّلاً العيشَ مُتجولاً بين دُروب العالم فوق دراجة نارية، بحثاً عن خلاصٍ أبى إلا أن تكونَ طريقهُ عبر متاهاتِ جبال الأطلس المغربي.
أمين سايم (24 سنة) فنان تشكيلي روسي من أبٍ جزائري أبى إلاّ أن يتْركَ خلفهُ مسارح بطرس وبولس الغامضة وقلاع روسيا الوسطى الحالمة التي غدت كالسحابة المثقلة لم تنفض عنها حلمها ومجدها المسكونِ بحميّة الروس العجيبة، مُقبلاً على خوض تجربة فريدة من نوعها، بعدما قرر القيام بجولة عبر العالم يأمل من خلالها أن يصبح أول فنان تشكيلي يصل إلى ثلوج ألاسكا على متن دراجة نارية.
ويهدف الفنان الروسي الذي حلَّ بمدينة ورزازات خلال هذا الأسبوع، باعتبارها أول وجهة له على الصعيد الإفريقي في إطار جولة تقوده إلى أكثر من مائة دولة عبر العالم، إلى البحث عن الذات والسفر إلى عوالمِ مجهولة.
سايم قال في تصريح لهسبريس: "هذه الفكرة كانت تلازمني منذ فترة طويلة، وقد حصلتُ على الكثير من التشجيع والتحفيز، وكذلك والانتقادات والتوجيهات، لكني قرّرت في الأخير أن آخذ هذه التجربة الفريدة من نوعها".
وحول أسباب اختياره المرور عبر المغرب لإكمال جولته العالمية، قال سايم: "أريد معرفة تقاليد بلد قريب من الجزائر التي عاش فيها والدي قرابة ثلاثين سنة قبل أن يقرر الرحيل صوب موسكو، كما أن لي أصدقاء كثرا في الجنوب المغربي أتقاسم معهم ولع الفن وصخب الحياة"، مضيفاً أنه اختار المغرب لأنه يمثل أقرب نقطة لوجهته المستقبلية، وهي البرازيل التي سيحاول بلوغها عبر الأطلسي.
"المغاربة أناس طيبون، خاصة الذين يعيشون في الأرياف الجنوبية. إنهم أناس رائعون، أمضيتُ معهم أوقاتا ممتعة وترسخت في بالي ذكريات سأقوم بتدوينها في آخر جولة"، يسردُ الفنان التشكيلي الذي استغلَّ تواجده في بعض دول المعمور لرسم جداريات على حيطان الشوارع تحملُ اسمه؛ فقد سبق له أن أبدع في عدد من شوارع العواصم العالمية، بما فيها باريس وروما وبرلين.
ويحاولُ الفنان الروسي الحصول على موادٍ تساعده على جعل بعض شوارع مدينة ورزازات التي حلَّ بها فضاءات تحف تزخر بالفنّ والرسومات، غير أنه لم يتوصل بأي مساعدة من قبل السلطات المحلية. وفي هذا الصدد، قال: "أنتظر مساعدة السلطات من أجل ترك بصمتي هنا في المغرب لأن لي أصدقاء كثرا في أكدز"، مضيفاً: "سأسافرُ إلى البرازيل لكني أواجه صعوبة في نقل دراجتي إلى هناك ولا أعرف كيف السبيل إلى ذلك".
ولأنه كان مهووساً بالسفر إلى المجهول، قام الرسام التشكيلي ببيع سيارته من أجل توفير مصاريف الرحلة التي قدرها بحوالي 2500 درهم، تنقل بواسطتها من أوروبا إلى المغرب، وقال إنه لا يخسر أموالا كثيرة لأنه يبيت داخل خيمة مخصصة للسفر، كما أنه لم يجد صعوبة في الحصول على الطعام.
سعيد بلحاج، طالب مغربي مقيم في روسيا، قال إنه تعرف على الرسام الروسي عندما كان في موسكو وتلقى فكرة المشروع بحماس كبير لأنه مهووس هو الآخر بالسفر أيضا.
وأضاف الحاصل على الإجازة في الهندسة المدنية: "أشجعه كثيرا وطلبت منه المجيء إلى المغرب من أجل التعرف على تقاليدنا وثقافة سكان الجنوب الذي أنتمي إليه، ونحن في حاجة إلى مثل هذه المبادرات التي تعطي دفعة قوية للإبداع الإنساني وتمحي مفهوم الحدود الجغرافي".