الرباط - المغرب اليوم
في خضمّ الأسئلة التي خلفها إعفاء الملك محمد السادس لوزير الاقتصادية والمالية السابق، محمد بوسعيد، حول أسباب هذا الإعفاء المفاجئ، رجّح عتيق السعيد، باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن يكون التقريران الأخيران لبنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات هما اللذان "عصَفا" ببوسعيد من منصبه.
وفي تصريح لهسبريس قال السعيد إن "تقريريْ المجلس الأعلى للحسابات وبنك المغرب كشفا عن وجود تأخير في مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية، خاصة بعد الشروع في إصلاح صندوق المقاصة، وهو ما دفع بالجالس على عرش المملكة إلى إعفاء بوسعيد من منصبه، بعدما أبرز التقريران السابقان أنّه لم يواكب الإصلاح الذي انخرطت فيه المملكة".
واعتبر السعيد أنّ إعفاء الملك لوزير الاقتصاد والمالية السابق يشكّل "تفعيلا صارما للدستور دون استثناء أو تمييز"، وإجراء تدبيريا لمضمون الوثيقة الدستورية، لا سيما أحكام الفصل 47.
وينص الفصل 47 من الدستور على أن "للملك بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية".
ويرى السعيد أنّ إعفاء المسؤولين من مهامهم مهما بلغت درجاتهم، إذا تبيّن أنهم مقصّرون في عملهم، أصبح اليوم "يشكل دفعة قوية لتجويد العمل السياسي وتفعيل مبادئ الحكامة الجيدة التي تعتبر من الأساليب الحديثة لمعرفة أسلوب وكيفية ممارسة السلطة، وهي آلية تمكن من ضبط العمل العمومي، عبر آليات ووسائل تتبعها الدولة، وعبر مؤسسات دستورية ذات طابع تقريري، من أجل ممارسة أدوارها، وتحقيق أهدافها الرامية إلى مزاولة نوع من الرقابة على العمل العمومي، سواء كان وطنيا أو ترابيا".
ويأتي قرار إعفاء محمد بوسعيد من منصبه كوزير للمالية بعد ساعات فقط من دعوة الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير المسؤولين إلى تحمّل مسؤوليتهم، أو تقديم استقالتهم؛ إذ قال: "لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين من دون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة".
وفيما يسود الترقب حول ما سيتبَع قرار إعفاء الملك لوزير الاقتصاد والمالية السابق، وما إنْ كان هذا الإعفاء تمهيدا لتعديلٍ حكومي موسَّع، توقّع عتيق السعيد أن يكون هناك تعديل جزئي فقط، نظرا لكون التعديل الحكومي الشامل يتطلب إجراءات كثيرة لا تساعد الظرفية السياسية الحالية على تفعيلها.
وبينما قرأ بعض المتابعين قرار إعفاء الملك لوزير الاقتصاد والمالية السابق على أنّه تمهيد لإسقاط الحكومة، اعتبر السعيد أنّ هذا الاحتمال لا يستند إلى أساس، وقال موضحا: "هذا القرار يندرج في إطار ربْط المسؤولية بالمحاسبة، ولا يمكن القول إنّ الملك يستغل هذا المبدأ لإسقاط الحكومة، بل يريد توجيه رسالة إلى المسؤولين مضمونها أنهم مطالبون بالقيام بمهامهم على أحسن وجه، وأنهم أمام خياريْن، إما الاستجابة لهذا الأمر، أو الإعفاء من مسؤوليتهم".