الرباط - وسيم الجندي
أكد الملك محمد السادس، أن محاربة الفساد ينبغي أن توضع في صميم الأولويات، طالما أنه يشكل أكبر عقبة تعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحد من طموح الشباب، مشيرًا إلى أنه لا سبيل إلى إنجاح هذا الورش، إلا من خلال التزام سياسي صادق وتضافر الجهود المخلصة على مستوى العمل الحكومي، وعلى صعيد المشاركة المدنية.
وأوضح الملك في رسالة موجهة إلى القمة الـ 31 للاتحاد الأفريقي، التي تنعقد يومي الأحد والإثنين بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، تحت شعار "كسب المعركة ضد الفساد: مسار مستدام لتحويل أفريقيا"، أن الفساد معضلة لا تنفرد بها أفريقيا وحدها دون غيرها، "فهو ظاهرة عالمية تشمل بلدان الشمال وبلدان الجنوب، على حد سواء، وقد تقوض الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي أقرتها المجموعة الدولية".
وأضافت الرسالة الملكية أن مكافحة هذه الآفة يستدعي الاستفادة من جميع التجارب والخبرات، في إطار رؤية موحدة ينخرط فيها جميع الشركاء، مسجلًا أن هذه المكافحة "لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى شكل جديد من أشكال الهيمنة والضغط"، وأن "مصلحة شعوبنا تقتضي، إذن، تحصين جميع الفاعلين في مجتمعاتنا من هذه الآفة، وتعزيز روح المسؤولية لديهم".
وفي سياق الحديث عن جهود المغرب في مجال محاربة الفساد، ذكر الملك أن المغرب أدرك ما للفساد من آثار مدمرة، فآل على نفسه ألا يدخر جهدًا في سبيل القضاء عليه، وتابع أن "المغرب بعدما صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في عام 2007، قام بتطوير ترسانته المؤسساتية والقانونية ذات الصلة، حيث تمت ملاءمتها مع المعايير الدولية في هذا المجال"، مضيفًا أنه وسعيًا إلى توحيد هذه الجهود وتنسيقها "اعتمدت المملكة المغربية، منذ عام 2015، إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وأحدثت لجنة وطنية أ سن دت إليها مهمة السهر على تنزيل أهداف هذه الإستراتيجية".
وأبرز الملك السادس أن هذه الإستراتيجية التي يمتد تنفيذها على مدى عشرة أعوام، تهدف إلى تغيير الوضع بشكل ملموس ولا رجعة فيه، في أفق 2025، وتعزيز ثقة المواطنين، وتوطيد ثقافة النزاهة في عالم الأعمال وتحسين مناخه، مع ترسيخ موقع المملكة على الصعيد الدولي، موضحًا أنه "وبعدما ارتقى الدستور بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى مصاف المؤسسات الدستورية، تم مؤخرًا توسيع اختصاصاتها، وتعزيز مهمتها في مجال التتبع"، مؤكدًا على أن هذه المؤسسة ستساهم، حسب نص قانونها الجديد، في تدعيم العمل متعدد الأبعاد، الذي تقوم به كل من الحكومة والسلطة القضائية في هذا المجال.
وأشار الملك إلى أن الفساد آفة ما فتئت تنخر كيان مجتمعاتنا، وإحدى العقبات الرئيسية التي تنتصب في طريقنا، إلى جانب كونها تنطوي على عبء اقتصادي ي لقي بثقله على قدرة المواطنين الشرائية، لا سيما الأكثر فقرًا منهم، مسجلًا أنها "تمثل 10 بالمئة من كلفة الإنتاج في بعض القطاعات الاقتصادية"، وقال إن "الفساد يساهم في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظمة، وانعدام الأمن والإرهاب"، مضيفًا أنه في خضم المعركة المتواصلة، دون هوادة، في مواجهة الفساد "تحرز بعض بلدان قارتنا، وهي كثيرة، نتائج تضاهي أحيانًا ما تحققه بعض الدول الأكثر تقدمًا . وبالتالي، فهي نماذج تحفزنا جميعًا على أن نحذو حذوها في هذا المضمار".
واعتبر الملك السادس أن من شأن الإصلاحات المؤسساتية الجارية، داخل الاتحاد الأفريقي، أن تساهم بنصيبها في انبثاق ثقافة للتصدي لهذه الآفة، معربًا عن يقينه بأن رئيس جمهورية نيجيريا الفدرالية محمدو بوهاري الذي تم اختياره كـ "رائد أفريقي في مجال محاربة الفساد" بمناسبة القمة الـ 30 للاتحاد الأفريقي، سيطبع هذه المرحلة الجديدة ببصمته المميزة"، وخلص بالقول "أنا أعرف صدق عزمه وقدرته على الإقناع وعلى تقريب الرؤى، من أجل توفير الزخم اللازم لرصد كل أشكال الفساد والممارسات المرتبطة به على جميع الأصعدة".