كلميم ـ صباح الفيلالي
يمتد إقليم "طاطا"، الذي ينتمي إلى جهة كلميم السمارة، من السفوح الجنوب شرقية لجبال الأطلس الصغير، إلى مشارف الصحراء المحررة، على مساحة قدرها 25925 كيلو مترًا مربعًا، تحده أقاليم تيزنيت وكلميم غربًا، وإقليم تارودانت شمالاً، وإقليمي زاكورة وورزازات في الشمال الشرقي، وإقليم أسا الزاك جنوبًا، والحدود المغربية الجزائرية في الشرق، والجنوب الشرقي، وتتوزع ساكنة الإقليم بين أربع بلديات وهي
طاطا وأقا وفم الحصن وفم زكيد و16 جماعة قروية.
ويتوفر الإقليم على رصيد أثري غني، يقف شاهدًا على تاريخه الحضاري العريق، ومن أبرز تلك المآثر التاريخية مواقع آثار ما قبل التاريخ وما قبل الإسلام، حيث تم التعرف على عدد هام من المواقع الأثرية، التي تعود لعصور ما قبل التاريخ، على طول روافد وادي درعة، من أبرزها مواقع الرسوم المنقوشة على الصخر، وهي رسوم تضم صور حيوانات ورموز وأشكال بشرية، وأدوات، وكذلك أحرف من اللغة الأمازيغية القديمة، تصور حياة إنسان المنطقة في بيئة العصر الحجري الحديث، ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، فضلاً عن مواقع أخرى، تتوفر على كميات مهمة من الأدوات الحجرية، التي صنعها إنسان ما قبل التاريخ من الصلصال، وفي فترة تمثل المقابر المبنية على شكل تلال حجرية، أهم شواهد هذه الحقبة التاريخية.
وعن المباني التاريخية، هناك المدن القديمة، حيث تتحدث الروايات عن مدن اندثرت في أماكن مختلفة من المنطقة، ولعل الأكثرها شهرة مدينة تمدولت، التي أسسها عبد الله بن إدريس، في القرن الرابع الهجري، قرب بلدة توزونين القائمة، والتي ازدهرت خلال الفترة المرابطية والموحدية والمرينية، بعدما كانت تابعة لسجلماسة، في الفترة الإدريسية، وقبل أن تندثر في أواخر القرن الثامن الهجري، واشتهرت المدينة بحصنها العسكري، وبساتينها الكثيرة، وصناعتها التعدينية، وكذلك دورها كمحطة بارزة في التجارة الصحراوية.
هناك كذلك مباني "إكودار" (المخازن الجماعية)، والتي تعتبر بمثابة مخازن جماعية تبنى على شكل قلاع، ذات أبراج، وتتكون في الغالب من طبقات عدة، وتحتوي على غرف عدة، تستعملها أسر القرية، بغية خزن مدخراتها من الحبوب أو الأشياء النفيسة، كالحلي والمجوهرات، كما كانت تستعمل هذه الحصون لغايات دفاعية، في حال تعرض السكان لهجوم خارجي، ولا يزال بعضها قائمًا إلى الآن في بعض قرى الإقليم، محتفظة ببعض وظائفها، كما هو الشأن بالنسبة لقبائل جماعة "إسافن" و"تكموت".
ومن الماني أيضًا القصور والقصبات والأبراج، حيذ يذكر أنه كان للنزاعات الكثيرة، التي نشبت في ما مضى بين قبائل ودواوير المنطقة، بغية الاستحواذ على مصادر الماء والكلأ، دور هام في تشييد العديد من البنايات ذات الطابع العسكري، ولعل من أبرزها القصور والقصبات، التي تشكل مظهرًا مثيرًا من مظاهر العمارة في الإقليم، وهي عبارة عن قرى ومنازل محصنة، محاطة بأسوار عالية نسبيًا، تتخللها أبواب وأبراج مبنية وفق هندسة محكمة، وداخل هذه الأسوار تنتظم مباني القرية، على طول ممرات ضيقة تارة، وواسعة تارة أخرى، مغطاة أو مكشوفة، تنتهي بساحة وسط القرية.
وتجد في الإقليم أيضًا الدور التقليدية، التي تتميز بتنوع هندستها وطريقة بنائها، وتختلف باختلاف المنطقة التي تتواجد فيها، والمستوى المادي لساكنتها.
ومن المباني التقليدية في الإقليم الدور الفخمة المسماة "تبويحياتين"، حيث يشكل التراب المدكوك، والحجر، مواد البناء الأساسية للمنازل التقليدية.
وتنتشر الأضرحة والزوايا والمدارس العتيقة في الإقليم، مبنية على شكل قباب، شيدها سكان القرى، تخليدًا لذكرى رجالاتهم من الصوفيين.
وقد شمل دور الزوايا ومدارسها نشر علوم القرآن والسنة والفقه والأدب والنحو، كما تقوى دورها الاجتماعي بأن وفرت المأوى لطلاب العلم الوافدين إليهـا من مناطق بعيدة، وفي المجال السياسي كان لزوايا الإقليم دور بارز في قيام دول في المغرب، كالدولة السعدية، في زاوية قصبة سيدي عبد الله بن مبارك، كما أنجب الإقليم شخصيات شهيرة مثل مؤسس دولة "المرابطين"عبد الله بن ياسين.
ويتوفر الإقليم على المساجد والصوامع الأثرية، التي زادت في غنى التراث المعماري لإقليم طاطا، بهندسة متميزة، تبرز براعة إنسان المنطقة.
وعن التراث الإثنوغرافي، تجد أن أبرز مكونات هذا التراث في الإقليم الفنون الشعبية، حيث يزخر الإقليم بفنون شعبية متنوعة، تصور تفاعل قبائل متعددة المشارب، أتت إلى طاطا من جهات مختلفة، منها الأمازيغية والعربية والزنجية الأفريقية، من الجنسين الأبيض والأسود، ومن هذه الفنون "أحواش نالدرست" و"أحواش نتعيالين" و"الهرمة" و"الكدرة" و"الركبة"، إضافة إلى "المواسم"، التي تقام فصليًا، ومن أبرزها "موسم الولي الصالح سيدي محمد بن يعقوب" في إمي نتاتلت (جماعة بن يعقوب)، وموسم "الشيخ سيدي محمد بن إبراهيم التمنارتي" في أكرض تمنارات.
وذلك فضلاً عن الصناعة التقليدية، والتي، على الرغم من المشاكل العديدة التي تعانيها، لا تزال صامدة، كصناعات الخزف والخشب والزرابي والأطباق والصياغة، كما برع سكان طاطا في مجال مد قنوات السقي من الجبال نحو الواحات، وفق هندسة مائية متطورة.
وإلى جانب هذه المؤهلات، هناك عدد كبير من واحات النخيل التي تنتشر على مدى البصر، بخضرتها الفاتنة، وظلالها الوارفة، والمترامية الأطراف، والتي تعد مجالاً خصبًا لعيش الساكنة، فيما يتعلق بإنتاجاتها من التمور، حيث أن الغلة تعتبر من أكثر وأجود التمور في المغرب، كما أنها شكلت مجال استقطاب لعديد من المستثمرين الأجانب، الذين أنشأوا فيها مشاريع سياحية عدة، منها دور الضيافة، كما أنها تعد كذلك قبلة للراغبين بالاستمتاع بفضاءاتها ومؤهلاتها الطبيعية.
وتجدر الإشارة إلى أن التراث الثقافي في إقليم طاطا تراث غني ومتنوع، إلا أنه هش ومهدد بالزوال، بسبب إهمال الإنسان، لهذا فالجميع مطالب بالعمل على حمايته وصيانته والاعتزاز به، وفي ذلك تحقيق نهضة الإقليم ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.