الرئيسية » تحقيقات وأخبار بيئية
السفن الصينية ترمي شباكها حول العالم لجني الأموال

بكين ـ مازن الأسدي

ظهرت في السنوات الخمس الماضية سفن صيد جديدة على يد إحدى الشركات الصينية لصناعة السفن حيث تجني تلك السفن لأصحابها الصينيين ذو الوجوه الوديعة المال إذا شدت الرحال خارج الصين، فتزود تلك السفن الصينية بالوقود المدعوم وبتكاليف شحن مدعومة أيضا كي تزود هي الأخرى في المقابل بلدها بالأسماك المجمدة. وفي عام 2003 كان هناك بضعة مراكب صينية صغيرة تصطاد من على طول ساحل موريتانيا إلى ليبيريا حيث كانت تلك المراكب غير صالحة للملاحة بسبب تمكن الصدأ منها لكنهم لازالوا يصطادون ما هو مرخص لهم اصطياده.

ويبدو أن التكاليف العالية لشراء رخصة للصيد بعيدة كل البعد عن الشفافية والوضوح حيث يسيطر عليها أساطير الشرق الأدنى والثعالب من أعضاء الاتحاد الأوروبي. فتعد الأساطيل الصينية في الخارج الأكبر على مستوى العالم بنحو 3400 سفينة صيد حيث تصطاد تلك السفن في مياه ما يقرب من 100 دولة. ويقدر باحثون نسبة كمية الأسماك التي تم اصطيادها من مياه القارة الأفريقية بقرابة 75% حيث أن الغالبية من تلك الأسماك من الغرب الأفريقي بنحو 3 مليون طن سمك.

ويرى كل ذي عينين أن مشكلة ما تطفو على السطح، ففي هذا العام صرّح علماء "بجامعة برتش كلومبيا" يتبعوا طريقة جديدة في التقييم تعتمد على حجم وقيمة الشيء الذي تم اصطياده أن 9% فقط من ملايين الأسماك التي تم اصطيادها من قبل الصين من المياه الأفريقية هو ما تم تبليغه رسميا لهيئة الأمم المتحدة. في حين أنه تلتزم كل بلدان العالم إخطار منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بما تم اصطياده سنويًا.

ولفهم كيف يؤثر اتجاه الاستهلاك العالمي للغذاء على سلامة محيطات العالم يجب عليك بعد الترحال إلى البلدان المختلفة أن تنظر الى كم صناديق الأسماك وكم رحلات مراكب الصيد الهائل ذهابًا وإيابًا. والآن لدينا فهمًا أفضل لما يحدث حولنا، فمن خلال برنامج حاسوبي يمكن رصد وجهة العديد من سفن الصيد عبر الأقمار الاصطناعية. وبتركيز النظر على غرب المياه الأفريقية سوف تلاحظ التصاعد غير المسبوق في أعداد سفن الصيد الصينية التي تقوم بالصيد في تلك المناطق في السنوات العشر الماضية. ويرصد البرنامج الحاسوبي مسار أكثر من 400 سفينة "صيد وتصنيع الأسماك" حيث يقدر عدد السفن الصينية بنحو 220 سفينة وهو أكثر من أي بلد آخر.

ولنقترب أكثر نحو ساحل الصين الرئيسي لنفهم لماذا تجوب أساطيل الصيد الصينية بحار العالم من جنوب المحيط الهادي للبحر الكاريبي كي تحضر إلى بلدها الروبيان (الجمبري) وسمك موسى وسمك التونة من أجل الاستهلاك المحلي. وإذا ألقيت نظرة باستخدام جهاز التعرف الآلي على طول الشاطئ الصيني من "هون كونج" إلى "شنغهاي" لا يمكن لك رؤية البحر وهذا بفعل المثلثات الزرقاء الدالة على أن سفن الصيد ترسو هناك. وصرّح علماء في عام 2013 أن 30% من مصائد الأسماك الطبيعية في الصين قد نفذت، كما تقدر نسبة 20% صيدًا جائرًا لتلك المصائد.

فلا يمكن لأحد أن يلوم الصين على سعيها لإطعام مواطنيها المقدر أعدادهم بحوالي 1.35 مليار نسمة. لكن الطريقة التي تتبعها الصين في صيدها تخضع للكثير من البحث والفحص، حيث أن هناك ادعاءات مستمرة بتورط الصين في أعمال صيد غير قانونية وأعمال صيد غير منظمة. ففي مياه الغرب الأفريقي اصطاد حوالي 274 ألف صياد محترف 1.2 مليون طن من السمك في منافسة واضحة بينهم وبين سفن "صيد وتصنيع الأسماك". وكان آثار هذه المنافسة هو وضع الثروة السمكية على طول الساحل الغربي في موضع يرثى له. وتقدمت دولة "غانا" أخيرًا باقتراح تحديد موسم غلق من عدة أشهر كي تمكن الأسماك من التزاوج والنمو، فتخضع قضية الصيد تلك تحت وطأة القانون الغاني حيث المستفيد الوحيد-وفق القانون الغاني-هي سفن الصيد الغانية، لكن المدهش في المياه الغانية أن 60 سفينة صيد مرخصة صينية ترفع على ساريتها العلم الغاني فتصطاد من المياه الغانية لكن السمك يذهب إلى الصين. ويقول "ستيفن أكستير" منسق تابع لبرنامج البنك الدولي وتنظيم الثورة السمكية من موريتانيا إلى غانا أن المشكلة تكمن في سلوك شركات صيد الأسماك بشرائها تراخيص الصيد من خلال عملاء سفن الصيد الذين يدفعون أموالًا للساسة في تلك المناطق ومن ثم يرى هؤلاء الساسة أن تلك الأموال مصدر رئيسي للدخل. وهذا الأمر يعني أن تراخيص الصيد لا يمكن أن تتحملها الثروة السمكية الموجودة في المياه ومن ثم يخسر العديد من الصيادون المحليون قوت يومهم ومن ثم تخسر الحكومة الضرائب التي يدفعوها. والمضحك عندما واجه "ستيفن أكستير" (البريطاني) أحد الدبلوماسيين الصينين بحقيقة أن الصين تشتري تراخيص الصيد بطرق غير قانونية رد عليه قائلا "لقد أخذتم حظكم من أفريقيا في السابق، والان حان وقتنا".

وتشكّل مياه الغرب الأفريقي للعالم بعض الصعوبات التي تواجه اجتماع الأمم المتحدة بشأن هدف التنمية المستدامة 14.2 الذي يهدف بحلول عام 2020 إلى تحقيق الإدارة والحماية المستدامة لكائنات السواحل البحرية مع تلافي النتائج السلبية وتعزيز سبل تقويتها وأخذ الإجراءات المناسبة لتطويرها لتحقيق السلامة والإنتاجية لمحيطات العالم. حيث يصف "معهد تنمية ما وراء البحار" هذا الهدف بالصعب تحقيقه لأنه يتطلب تغيير شامل في الرؤى والأساليب المتعبة حاليا. لكن الجانب المشرق لهذه القضية البائسة أن 6% من البلدان التي تقع على محيطات العالم قدموا اقتراحات بتحديد مناطق محرم فيها الصيد بعيدة عن يد البلدان المتقدمة والتجمعات السكانية الكبيرة.

ويمثل هدف "اجتماع الأمم المتحدة بشأن التنمية المستدامة" بخصوص مياه الغرب الأفريقي تحديًا كبيرًا في ظل ثني ذراع القانون واختراقه في تلك المناطق. ويفند الدكتور" بيرسي شويرز" في معهد الأحياء المائية بسيراليون انعكاسات أساطيل الصيد الأجنبية على الحياة المائية فيقول" أن الثورة السمكية في طريقها للانقراض والوضع هنا أكثر من سيئ، لذا لابد من زيادة الوعي بضرورة تنظيم استهلاك هذه الثروة". فمن المؤسف أن الكثير من الأنواع السمكية قد اختفى لكن القليل هو ما تبقى. فالعدو الذي يتربص بالثروة السمكية هو "الصيد غير القانوني وغير المرخص"، حيث يقدر نسبة الفاقد العالمي سنويًا جرّاء هذا النوع من الصيد بنحو ما بين 10 مليار دولار إلى 2305 بليون دولار، وهو يمثل حوالي 11 مليون طن إلى 26 مليون طن سمك. ويقول "ستيف ترينت" المدير التنفيذي "لمؤسسة العدالة البيئية" التي تركز جهودها ضد عمليات "الصيد الجائر" وعمليات "الصيد غير القانوني وغير المرخص" في بلدان تايلاند وإندونيسيا والغرب الأفريقي أن من الأهمية بمكان تحقيق هدف "اجتماع الأمم المتحدة بشأن التنمية المستدامة" لأنه سيضع نهاية لعمليات "الصيد غير القانوني وغير المرخص" حيث تنتهك تلك العمليات الأمن الغذائي وقوت الحياة الأساسي لأفقر البلدان في العالم.

ويبرز في الأفق طاقة أمل لما يمكن تحقيقه للقضاء على الصيد الجائر، مثال دولة "ليبيريا". فإذا أخذت نظرة بالبرنامج الحاسوبي الذي سبق الإشارة إليه للمياه دولة "ليبيريا" ستجد أنها خالية من سفن "صيد وتصنيع الأسماك"، والسؤال الآن كيف حدث هذا الأمر؟!. والإجابة على هذا السؤال بدأ في عام 2011 بالعمل في شراكة مع "البنك الدولي"، حيث حددت " ليبيريا" مساحة قدرها 6 أميال كمنطقة محظور فيها إبحار سفن "صيد وتصنيع الأسماك" بالإضافة لوضع أجهزة رصد ومراقبة للرصد المصائد السمكية حيث نتج عن ذلك كله انخفاض الصيد غير القانوني بنحو 83% وفقا لما جاءت به وزارة الزراعة والمصائد السمكية الليبيرية. وأنعكس ذلك على مجتمع الصيادين المحليين حيث تضاعف كميات السمك التي يصطادونها ويؤكد بعض الصيادون أنهم يصطادوا أسماك كبيرة الآن. ومثال "ليبيريا" هو مثال رائع لما يجب أن ينفذ في كل مكان. حيث يشجع "البنك الدولي" سعي "ليبيريا" في ذلك ويساعدها خلق جيل جديد من مديرين لإدارة مياه الغرب الأفريقي ولا يثني ذراعه أموال سماسرة شركات صيد الأسماك. ويعلق "موسى زيناه" وزير الزراعة والثروة السمكية الليبيري أن الصيادين المحليين فرحون بالجهود التي بذلت لأحياء الثروة السمكية، ومن ثم أعاد السمك من جديد على الطاولة الليبيرية وأدي ذلك أيضا للزيادة في الدخل المواطن بالشكل الذي يمكنه تحمل نفقات التعليم والعلاج لأطفاله.

ولا زالت القوانين الصارمة الخاصة بالمصائد السمكية قيد التنفيذ لكن الحكومة الليبيرية تسعى لجني العملات الصعبة ببيع تراخيص الصيد للسفن الأجنبية الغير مجهزة بصيد بعض الأسماك كسمك التونة مثلا. حيث تبنت "ليبيريا" اتفاقية شراكة لمدة خمس سنوات مع الاتحاد الأوروبي وهو الأمر الذي سيسمح لدول الاتحاد من إبحار عدد 28 سفينة ذات الشباك الكبيرة و6 سفن صغير للصيد في المياه الليبيرية حيث يخضع هذا الأمر لنظام مراقبة شديد الصرامة.

والآن هل توجد مؤشرات تبين أن الصين تعمل عملًا حثيثًا في بلدان غرب أفريقيا السبعة الأخرى أكثر من بلدان المصائد؟، ويعلق على ذلك "موسى زيناه" وزير الزراعة والثروة السمكية الليبيري أن السياسة التي تتبعها بلاده ضد سفن الصيد الجائرة لا يوجد به مكان لتفرقة العنصرية على أساس الجنسية حيث تقدمت 12سفينة صينية للصيد أخيرًا لطلب الحصول على ترخيص لصيد في المياه الليبيرية وجاري الآن النظر في تلك الطلبات المقدمة لتثبت من أنهم سوف يلتزمون بنفس القواعد التي يلتزم بها دول الاتحاد الأوروبي في الصيد. ويتابع "موسى زيناه" ويقول "ان قوانيننا صارمة ونحن لانخرق القوانين التي وضعناها"

وأخيرًا فالاستخدام المستدام لما تحويه البحار على المحك من مرأى ومسمع تحقيق هدف "اجتماع الأمم المتحدة بشأن التنمية المستدامة لمحيطات العالم". فمثال ليبيريا لا يجب أن يكتب له النجاح فقط بل تنفيذه في كافة أنحاء العالم.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

الهلال الأحمر المغربي يستعرض حصّيلة مُساهماته في إعادة الإعمار…
الفيضانات تجرف حيوانات مفترسة إلى الشوارع في نيجيريا إلى…
صديقي يقوم بإعداد برنامج يهدف لإصلاح البنيات التحتية المتضررة…
مراكش تستضيف إجتماع دولي يُناقش قضايا البيئة والصحة في…
سيول تضرب المغرب وتقارير عن قتلى ومفقودين في ظاهرة…

اخر الاخبار

منزل نتنياهو تعرض لسقوط قنبلتين ضوئيتين
السفير الإيراني السابق في بيروت يكشف عن اتصال نصرالله…
تعيين المغربي عمر هلال رئيساً مشاركاً لمنتدى المجلس الاقتصادي…
عبد اللطيف لوديي يُبرز طموح المملكة المغربية في إرساء…

فن وموسيقى

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُكرّم "الفتى الوسيم" أحمد عز…
هيفاء وهبي تعود إلى دراما رمضان بعد غياب 6 سنوات وتنتظر…
المغربية بسمة بوسيل تُشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة التي تستعد…
كاظم الساهر يتألق في مهرجان الغناء بالفصحى ويقدم ليلة…

أخبار النجوم

محمد فراج يكشف تفاصيل أحدث أعماله الفنية
أشرف عبدالباقي يعود للسينما بفيلم «مين يصدق» من إخراج…
أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
هند صبري تكشف سر نجاحها بعيداً عن منافسة النجوم

رياضة

محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
محمد صلاح على رأس قائمة جوائز جلوب سوكر 2024
الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

صحة وتغذية

نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية
الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء…
هل تختلف ساعات نوم الأطفال عند تغيير التوقيت بين…
أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات…

الأخبار الأكثر قراءة

دراسة جديدة تكشف أن الشعاب المرجانية أصبحت مقبرة للمواد…
وزارة الداخلية المغربية تُحذر من تساقطات رعدية مرتقبة وتدعو…
فيضانات كارثية في وسط وشرق أوروبا جراء العاصفة "بوريس"
الهلال الأحمر المغربي يستعرض حصّيلة مُساهماته في إعادة الإعمار…
الفيضانات تجرف حيوانات مفترسة إلى الشوارع في نيجيريا إلى…