سيول ـ كريم الصفدي
قرَّرت "تشا جي وون" التخلّص من جميع مساحيق التجميل التي تمتلكها وقصّ شعرها، وكانت والدتها أول من انتقدها قائلة: "أصبح لدي ولد الآن"، إذ إنه لأكثر من عقد، ابتداء من سن الثانية عشرة، كان "وون" تضع مستحضرات التجميل وتحرص على شراء الكثير منها للحاق بالمفهوم الضيق للجمال الذي يسيطر على المجتمع الكوري الجنوبي.
وتضع وون في المدرسة الإعدادية كريم الأساس لتفتيح لون بشرتها، وتهرب من المدرسين الذين يعاقبونها على انتهاك قواعد المدرسة، وكانت تشاهد برامج تعليمية عبر موقع الفيديوهات "يوتيوب" تهدف إلى صقل مهاراتها في وضع المكياج، وكانت تنفق في أوائل سن العشرينات ما يصل إلى 100 ألف وون كوري (70 جنيها إسترلينيا) في الشهر على مستحضرات التجميل، لكن وسط اقتحام مفاهيم النسوية بشكل كبير في كوريا الجنوبية اختارت تشا جي وون أن تتخلص من تلك القيود، والتخلي عن مكياجها وأحمر شفاهها وشعرها الأشقر المصبوغ.
قالت وون: "شعرت كما لو أنني ولدت من جديد.. هناك الكثير من الطاقة الذهنية للشخص كل يوم، وكنت اعتدت أن أضيع الكثير منها في القلق حول شكلي ومظهري، والآن أستخدم تلك الطاقة والوقت لقراءة الكتب وممارسة الرياضة".
وتعدّ تشا جي وون واحدة ممن يدعمن حركة متنامية في كوريا الجنوبية تحارب ضد معايير الجمال غير الواقعية التي تدعو النساء إلى قضاء ساعات في وضع الماكياج واعتماد أنظمة العناية بالبشرة التي تنطوي على 10 خطوات أو أكثر في كل نهاية اليوم، والتي من بينها أن النساء يجب أن يستيقظن قبل ساعتين من موعد العمل لضمان المكياج المثالي، وإزالة الجلد الميت بدقّة مع أجل تقشير ومناشف بالبخار قبل بدء وضع المكياج.
بدأت النساء اللاتي يرفضن الروتين المضني للعناية بالبشرة والاهتمام بوسائل التجميل في نشر مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لأكوام من مستحضرات التجميل المدمرة، مع إشارة إلى دعم المفاهيم الجديدة لجمال المرأة والتحرر من القيود التي يخلقها المجتمع بالاهتمام بالمكياج الذي أصبح جزءًا من الملابس اليومية للنساء لأعوام وعمل على تقييد الأجسام في شكل واحد.
هذا الاتجاه هو جزء من حملة أكبر ضد مجتمع البلاد الذي شهد أعدادًا قياسية من النساء يخرجن إلى الشوارع للمطالبة بمزيد من المساواة ومكافحة قضايا مثل التصوير غير القانوني والاعتداء الجنسي، والحركة هي تحول مثير للاهتمام في كوريا الجنوبية، وهي دولة تعمل بنشاط على تعزيز براعتها في الجراحة التجميلية، حيث إن ما يقرب من ثلث النساء يلجأ للعمليات التجميلية ويشتري علامات مستحضرات التجميل التي يطمعن بها في جميع أنحاء العالم مع صناعة تبلغ قيمتها نحو 12.5 دولار مليار جنيه إسترليني (9.7 مليارات جنيه إسترليني)، وفقًا إلى ما ذكره موقع "يورومونيتور".
تنفق تشا الآن نحو 4000 وون كوري (2.75 جنيها إسترلينيا) شهريا على الأكثر على مرطب الشفاه والبلسم، وبدأت قناتها عبر "يوتيوب" لرفع الوعي بمفهوم النسوية، باستخدام نفس المنصة التي كانت تتعلم خلالها تقنيات المكياج.
معايير الجمال الصارمة في كوريا الجنوبية هي نتيجة لعدة عوامل جمعت لتشجيع النساء على استهداف البشرة الشاحبة والعيون الكبيرة والأنف العالي والساقين النحيفتين والشفاه الشبيهة بالكرز والوجه الصغير والجسم النحيف، في حين أن كل بلد لديه إحساسه الخاص بما هو مثالي، إلا أن سلسلة الامتثال القوية لكوريا الجنوبية أدت إلى سعي الملايين من النساء إلى تحقيق نفس المظهر "المثالي"، في حين لا توجد حاليا إحصائيات تشير إلى انخفاض في مبيعات مستحضرات التجميل إلا أن حكايات الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن الحركة تصل إلى الحد الأدنى.. إن رفض المكياج ليس سوى جزء من الحملة ضد معايير الجمال السائدة وأثارت مذيعة أخبار كورية في إحدى محطات التلفزيون الرئيسية في البلاد موجة من الجدل في مايو / أيار عندما أصبحت أول امرأة ترتدي نظارات على الهواء.
-