الدار البيضاء - جميلة عمر
خلال الأشهر الأخير لا يمر يوم إلَّا وتقرأ على صفحات الجرائد "شخص أضرم النار في جسده احتجاجًا على السلطات"، وأصبحت الصورة تتكرر بشكل مؤسف في عدة مدن مغربية، وباتت شخصية "محمد البوعزيزي "رمز و قدوة للمغاربة اليائسين، الذين أصبحوا يقدمون حياتهم قربانا للتغيير، وأشخاص يضحون بأنفسهم من أجل الحرية والتحرر من كل قيود الذل والإستعباد، مثل ما فعلت "أمي فتيحة" في مدينة القنيطرة.
وسجَّلت الظاهرة تزايدًا مضطربًا حيث يلغ عدد هذه الحالات أكثر من ستة حالات مشهورة اعلاميًا حيث أقدم شاب يبيع الفراولة (الفريز) على عربة جوالة في مدينة فاس على إضرام النار في جسده، احتجاجًا على ما اعتبرها اهانة من مسؤولي السلطة المحلية، وفي بداية شهر نيسان/أبريل الجاري تداولت وسائل إعلام خبر إضرام تلميذ النار في جسده بعد أن قررت إدارة مدرسته فصله عن الدراسة بقسم الباكالوريا, وفي منتصف شهر آذار/مارس الماضي أقدم مواطن في مدينة الدار البيضاء على إضرام النار في جسده داخل مقاطعة تابعة لعمالة الحي المحمدي عين السبع، وفارق الحياة متأثرًا بحروقه احتجاجًا على رفض السلطات منحه شهادة سكنى، وفي نفس الشهر، وفي يوم 8 آذار/مارس، الذي يصادف عيد المرأة، أقدمت امرأة مسنة على صب مادة قابلة للاشتعال على جسدها قرب البرلمان في الرباط، وأشعلت النار في جسدها، ما أدى الى إصابتها بحروق طفيفة احتجاجًا على عدم انصافها من طرف الإدارة في صراعها مع بعض أفراد عائلتها، وفي شهر شباط/فبراير الماضي أقدم بائع متجول آخر على إضرام النار في جسده، وهذه المرة داخل محكمة بمدينة أكادير، احتجاجًا على رفض القضاء دعوى تقدم بها ضد حارس ليلي قام بتكسير عربته اليدوية
وتشكل حادثة "أمي فتيحة " الأكثر الحالات التي تداولتها وسائل الإعلام الوطنية والدولية ، خاصة و أن المرأة تعرضت للاحتقار والتعذيب من طرف ممثل السلطات في مدينة القنيطرة, ولم يقف الحد عند أمي فتيحة بل أقدم أمس الخميس أحد أفراد تنسيقية المكفوفين المعطلين على محاولة إضرام النار في جسده إلَّا أنه تم إخمادها بشكل مستعجل، كرد فعل عن تجاهل وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية في قضية تشغيل المكفوفين, وصبيحة اليوم الجمعة، إضرام النار في جسدها، أمام باشوية مدينة بركان، على الطريقة "البوعزيزية", وحسب مصادر من عين المكان، فإن بعض المواطنين تدخلوا لثني المعنية، التي كانت رفقة طفل صغير، قد يكون ابنها، عن إضرام النار في جسدها.
وحسب مصدر أمني ، أنه مجرد ما أشعرت الشرطة بالحادث ، حتى حلت بعين المكان لمعرفة الأسباب الكامنة وراء محاولة إقدام المعنية على هذا الفعل، مرجحا أن تكون الأسباب هي عدم تمكنها من الحصول وثائق إدارية تخص أبنائها من إحدى مقاطعات مدينة بركان, و أضاف المصدر، أنه بعد البحث في الموضوع ، تم التوصل إلى أن السيدة المعنية ، تبث على أنها أم لثلاثة أطفال، وزوجها محكوم بعقوبة سجنية طويلة على خلفية جريمة قتل، ولا تتوفر على أوراق ثبوتية تخص أبنائها من زوجها المعتقل
وأكد على أن المعنية طلبت من عون سلطة بإحدى الملحقات الإدارية أن يسلمها وثيقة الولادة، لكن عون السلطة أخبرها بأنه لا يمكنه تسليمه هذه الوثيقة بحكم أنها لا تقطن في النفوذ الترابي للملحقة الإدارية التي يشتغل بها، ولأن ثبوت الزوجية تتبع مسطرة معينة أمام القضاء, وأضاف أن ثبوت الزوجية يجب أن يتم وفق المساطر المتعارف عليها، حيث يقدم طلب إلى القضاء المختص ومن ثمة في حالة الأمر بالتسجيل فإن وثيقة الولادة تمنح من قسم الحالة المدنية وليس لدى الباشوية.
وفي يوم الأحد الماضي ، أقدم "سائق تاكسي" على الانتحار حرقا بمدينة طنجة، تاركا رسالة يعتذر من خلالها لذويه عن فعلته وكان الهالك (ن.س، من مواليد 1977) قد قام، فجر الأحد الماضي ، بركن سيارة الأجرة التي يشتغل بها بساحة مكة في منطقة مالاباطا بطنجة، قبل أن يصبّ على جسده مادة مشتعلة ويحرق نفسه, وقد صعب التوقيت والمكان اللذان اختارهما الراحل للإقدام على الانتحار إمكانية التدخل لإنقاذه، إذ غالبا ما تخلو الشوارع الخلفية لمنطقة مالاباطا من المارّة صباح الأحد، وهو ما جعل النار تلتهم جسده بشكل كامل.
واتسم يوم 14 من الشهر الماضي بمشهد افتتح واختتم به هذا اليوم في سابقة من نوعها في المغرب ، حيث ان ظاهرة الاحتجاج واحراق الذات كانت مقتصرة علي العوام من الناس الذين وصل بهم التذمر حالات قصوى دفعت بهم الى الاحتجاج بالطريقة البوعزيزية - نسبة الى البوعزيزي " صاحب العربة في ثورة الياسمين بتونس ، غير ان الظاهرة وصلت الى الجهاز العسكري المغربي ، مما يعد معه الامر، من الخطورة بمكان ، فقد كانت ثكنة عسكرية بالمدخل الشمالي لمدينة العيون على موعد مع جندي من " البلير"ركن داخل غرفته ، وفي غفلة عن باقي زملائه صب قنينة من البنزين اعدها لهذا لغرض احراق ذاته
وعمت حالة من الذعر والهلع المتواجدين في الثكنة وخارجها ، واستنفر المكتب الأول للقوات المسلحة الملكية وكذا الخامس وباقي الهياكل التابعة له ، وجهاز الدرك الملكي وحلوا في مكان الحادث للاطلاع عن الاسباب الداعية الى ارتكاب هذا النوع من الاحتجاج داخل مؤسسة عسكرية .